الثلاثاء ٤ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٦
بقلم رشا السرميطي

استعارة غير المألوف للكتابة بحبر مختلف

هكذا كانت خواطر الكاتبة إيمان زياد، في كتابها النثري "شامة بيضاء" الذي يقع في (١٠٠) صفحة من القطع المتوسط، وصدر عن دار دجلة/ الأردن.

حيث بدأت الكاتبة نثر كلماتها منذ الاهداء تهدهد سرير القارئ على الورق، تطلعه على هواجسها وتشاركه في أفكارها المختلفة، والمجنونة أيضًا، تلك التي تنبض بالحب والحلم والحياة، المفعمة بالصراخ والجدل والرغبة، في حالات اشتعالها، وانطفائها، ومابعد الرمَّاد حضرَّت لأحدهم هدية غير تقليدية اتخذت عنوان:" شامة بيضاء" ذاك العنوان الذي لم يكن فطريًا، فقد اعتاد الناس على اللون الأسود للشَّامة، مما يدعو القارئ ليفكر في سرِّ هذه

الشامة البيضاء؟

أتراها شاخت، فابيَّضت؟

أم أنَّها فقدت لونها من كثرة الخوف والألم وشدَّة الحزن، بالتالي فقدت أصالتها.

مقطوعات إيمان زياد النثرية منذ الأولى تحكي عن شامة مشاغبة اتخذتها مطلعًا لحكاية امتدت في (١٢٩) قطعة تفاوتت بين البهاء والألق والجمال في جرأة أنثويَّة ملحوظة، وبعضها الآخر لم يعجبني، لأسباب كثيرة أذكر منها ذاك الاتصال المرهق للقارئ، فقد تمنيت لو فصلت بين المقطوعات بعناوين ومضامين تقلل من الرتابة، وتفضي للقارئ بفسحة للتأمل والتفكير، أقل ارهاقًا وتكثيفًا ربما..

من المتعارف عليه أنَّ النثر أحد أقسام الفنون الابداعية وغالبًا ما يقارن بالشعر إلا أنهما مختلفان، رغم أنَّهما قريبان جدًا في اللغة والابداع والموسيقى، ثلاث ركائز يجب توفرها، ولكن الشعر كما نعلم يتقيَّد فيه المبدع بوزن وقافية، أمَّا النثر فلا قيود تفرض على المبدع، وإن كان بين الشعر والنثر مواطن خلاف فإنَّ بينهما مواضع اتفاق، فكلاهما تعبير عن المشاعر والأفكار الإنسانية، وهما وسيلة الانسان يوصل عن طريقهما أفكاره و مشاعره وأحاسيسه إلى الآخرين باستخدام اللغة الأدبية العالية التي تنساب الأفكار العذبة من جميع أجزائها لتروي ظمأ المتلقي وتقدّم له حلولا واقتراحات جديدة و أفكارًا غير مسبوقة، وتثير في نفسه مشاعر وتساؤلات عديدة.

أتقنت الكاتبة إيمان زياد كتابة خواطرها التي حددت لها الوجهة والاتجاه، فأسبرت متعمقه بالحب والعشق والاشتياق، متماهية حد اللانهاية تتحدث عن اللقاء والفراق والقبلة والعناق الجسد والروح السرير والمكان وكذلك الزمان ضمن مشاعر جياشة امتلأت معظم الخواطر بها.

بدت اللغة عالية على بعض الأوتار في بوحها، الصور البلاغية والتشبيهات متقنة عند كثير من الومضات الأدبية التي جاد بها قلم كاتبتنا، الموسيقى التي بحثت عنها خلال تصفحي كانت واحدة مما أرهقني كقارئة، أن أتنقل في مئة صفحة على ذات الوتيرة التي لم أتوقعها، رغم بلوغها لمعاني عميقة، لكنني أرى ضرورة التقسيم والتنويع إذ إنَّ المواضيع متقاربة وملتصقة بعض الشيء في غالبيتها.

من بعض الخواطر التي أعجبت بها، تقول:" مذ رحلت/ وأنا أجرب/ فضَّ علاقتي بالباب"، وتقول أيضًا:" يجيئ الحب سريعًا/ فتخطفنا المعجزات/ وحين يسيل الملح/ المبلل بالنَّدى/ نرى عورة الخطيئة/ ونوغل في الغياب"، " ومشينا إلى الفراق/ كل يجر المسافة نحوه/ يهضمنا العناد.. كلقمة مرَّة". " أسمعني عتابك/ هزَّني قليلاً/ حتى يتساقط خوفي/ كثلج قطني"، وغيرها الكثير مما أعجبتني به اللغة والعمق والنظرة السابرة للذات والنفس في الحب والمشاعر وكذا نبض الانسانيَّة.

ختامًا النثر إبداع عقلي على مريده أن يتراكم لديه كم هائل من المفردات التي لا تأتي إلا بالقراءة والاطلاع، على أن تصاغ تلك المفردات بثوب أسلوبي جميل يفتن كل من ينظر فيه، وفقت كاتبتنا بمضمون كتابها لكنَّ الاخراج الفني وتوزيع البوح أعتقد بحاجة لاعادة نظر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى