الأحد ٢٨ شباط (فبراير) ٢٠٢١
بقلم نجاة بقاش

اعتراف...

الاعتراف أنواع.. أشكال وألوان.. يقول الوسيط عنه إثبات وإقرار.. مفاده سيد الإدلاء.. يعاكسه تمرد وإنكار.. تجاهل وإخفاء.. يقال الاعتراف بالجميل فضيلة.. كما الاعتراف بالخطيئة اغتراب.. الاعتراف بالسر صدمة.. كرمي الأعزل بآخر رصاصة في الصدر.. الاعتراف بالحب إما فرح واحتفال.. كرقص الباليه في أوبرا لندن وباريس.. وإما قرح وعزاء.. كنهاية كارمن المأساوية.. التي ماتت على يد عشيقها العسكري "جون خوسي" الذي انتهي به المطاف إلى قتلها بسبب غيرته الشديدة عليها من مصارع الثيران "إسكاميلو" الذي وقعت كارمن في حبه.. هذا ما تحكيه أوبرا كارمن الشهيرة..

الاعتراف منفرد متفرد.. نغماته تطرد اليأس.. يطرب لها العاشقين.. الاعتراف كالسيف.. إن لم تبح به في الوقت المناسب.. بقي في الصدر مدى الدهر.. وشما على الحائط.. قد يأتي صاحبه.. قد لا يأتي.. الاعتراف كلمة من ذهب.. بلسم للجراح.. قل نظيره.. ما جدوى المشاعر إن لم نبح بها.. ما جدوى الكلمات إن لم ننطق بها.. وما جدوى الحياة إن لم نحياها.. فكم من اعتراف جاء متأخرا بعد أن قضت الحياة نحبها..

هناك من يبوح بالسر جهرا بعد أن استيقظ ضميره.. وهناك من يلجأ للبحر حتى يلقي بشراعه.. نادما فاقدا صوابه.. بعد أن رحل كل من كانوا حوله..

هناك من يعترف بالحب موهما فريسته بالغرام.. هناك من يعترف بأخطاء لم يقترفها.. تحت طائلة العذاب.. وهناك من يعترف بأخطاء بسيطة اقترفها.. مطالبا لذاته أشد عقاب.. وهناك من يعترف بارتكاب الكبائر تحت تصفيقات الكبار.. كم من جمهورية وهمية عرفت النور لم تكن في الحسبان.. وكم من كيان تم الاعتراف به.. شهد تنويها على حساب أقدم قضية مآلها النسيان.. الاعتراف قرار اضطراري إشعار وإعلان.. شجاعة ودهاء.. سلاح ذو حدين.. رقص على حبال.. أو تصحيح لمسار.. الاعتراف فن إعادة تركيب المشاعر والأحداث.. يبعثر المعاني.. يعبث بالأوراق.. تأخذها الرياح نحو الذهول.. نحو وجهة متعددة الأبعاد.. تلقي بها الأفكار نحو اليمين واليسار.. نحو مراجعة الآخر والذات.. إنها جرأة البوح وأخذ قرار تذويب الجليد والاقتراب.. أو فك الارتباط والابتعاد.. الأول يوحي بالبدايات وانجلاء الظلام.. والثاني يحيل على التيه بطعم النهايات..

دعني اعترف لك بدوري.. مادامت أبواب السماء تناديني.. اعترافك.. أذهلني.. أربك حساباتي.. زلزل الأرض تحت قدمي.. جعلني أدخل عالم أشهر الثتائيات.. اعترافك أسرني حتى ولو كان متأخرا.. رقتك.. لطفك.. إعلانك.. "أنت عزيزة عليا بزاف".. خلف بركانا.. أحدث ضجة.. رجة.. ثورة.. جعلني محط الأنظار.. بل محط الاتهام.. اعترافك أجمل اعتراف على الإطلاق.. جعلني أبدو جميلة مثل الأميرات.. ملكة أتربع على عرش السماء.. بل على عرش الأراضي المحتلة.. حيث كتيبة بائعات الهوى.. تحاصرني.. تداهمني في كل الأرجاء.. حالة طوارئ قصوى في البلاد.. تنكيس للأعلام.. سفارات الإنذار.. تنديد وتهديد.. تهمتي الوحيدة.. رغبتي في تحرير الأراضي المحتلة.. وحماية الأمير من الخطيئة.. اعترافك أعاد رسم الحدود على الخريطة.. رمم جراحي أنا.. لكنه أثار غيض الكتيبة.. اعترافك ليس كأي اعتراف.. أخرجني من عالم الضباب.. وقعت أجمل قصيدة.. كانت تفتقد لعنوان يليق بها.. توقيع يحمل اسم اعترافك.. بعد أن تاهت الحقيقة..

هناك اعترافات، تبديدا للجراح.. تقريبا للمسافات.. وهناك اعترافات تكلل الجبين بالخزي والعار.. فشتان بين اعترافات الأمير الذي لم يصدأ قلبه رغم البذلة الرمادية والنجوم.. بين اعترافات عاشق ولهان.. جعل من قصر بريطانيا وتقاليدها العريقة أسطورة.. مدرسة أخرجت العشق من عنق الزجاجة.. حررا الإنسانية من الألقاب والألوان.. وبين اعتراف "بول أوساريس" وهو طريح الفراش.. يحكي قصة "التحقيقات المعززة".. لتدخل الفرقة العاشرة لمظلات الجيش الفرنسي في معركة المليون شهيد.. واغتيال موريس أودان الشيوعي.. الذي قضى نحبه تحت وطأة التعذيب.. شتان بين الاعتراف بالقدس عاصمة الثورة بالأمس.. وتل أبيب صديقة للأبد.. فبعد رحلة الصيف والشتاء.. خلال الحرب الغير معلنة مع الكتيبة.. أدركت كم كنت غبية.. باعتقادي أنك بطل من أبطال المسرحية.. وأن "دون كشوط" الذي راهنت عليه.. لم يكن سوى ذلك الأحمق الذي ظن نفسه في حرب فعلية مقدسة..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى