الأحد ٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
بقلم أشرف شهاب

الأبنودى: أنا جزء من ظاهرة مثيرة وعجيبة

ملك متوج على عرش شعر العامية، واحد من جيل من العظماء الذين أثروا وجداننا بكلماتهم على ألسنة عمالقة الأغنية المصرية. شاعر يخلب اللب ببساطة كلماته، ورقة معانيه، وعذوبة ألفاظه. معه، لاتملك سوى الاستسلام، والاعجاب، بموهبته الشعرية، وقدرته على التأثير فى الوجدان.
ببساطته الشديدة، وتلقائيته المعروفة، وصراحته المعهودة، التقيناه على هامش احدى اللقاءات، وأجرى معه مراسلنا فى القاهرة أشرف شهاب هذا الحوار السريع، مع وعد، منه، بأن نلتقى مرات ومرات فى حوارات أخرى:

 فلسطين: قبل الدخول فى دهاليز الأسئلة، دعنى أسمع منك تقييما لما يحدث فى مصر من تطورات.
 الأبنودى: للأسف، حال البلد لايسر عدوا ولاحبيبا. لدي إحساس أن البلاد تمر بأزمة كبيرة. وأن هذة الأزمة ستستمر لفترة طويلة فى المستقبل. وما حدث منذ فترة قريبة من أزمة حول رواية حيدر حيدر يوحى بأبعاد هذه الأزمة. نحن مقبلون على فترات صعبة وحرجة من التاريخ، مرحلة يريدون فيها محو العقل المصرى. زمان قام الاخوان المسلمون بتدمير التجربة الناصرية، واليوم، يريد منا البعض أن نعود قرونا للوراء. وحتى اذا تركنا موضوع الرواية على جنب، وحاولنا أن نعقد مقارنة بين مصر ما قبل الثورة ومصر ما بعد الثورة، سنجد أن باشوات زمان، لم يضروا البلد، ويفسدوها كما يفعل باشوات هذا الزمان من أثرياء الانفتاح والطبقات الجديدة. أحيانا يراودنى الإحساس بأننا سنترك مصر فى وضع أسوأ من الوضع الذى تسلمناها عليه.

 فلسطين: وكيف تسلمتم مصر؟
 الأبنودى: لقد تسلمنا مصر وبها إرهاصات الثورة. كان العمال يخلعون ملابسهم، ويغرقونها فى البنزين، ليحرقوا بها سيارات الاحتلال الانجليزى. كانت هناك تحركات جماهيرية. كان قلب البلد نابضا، وكانت هناك محاولات لصنع الجو الديمقراطى، كانت هناك ثورة. أما الآن فنحن نترك البلد جثة هامدة. جثة لعروس، سرقوا حليها، وملابسها وتركوها عارية على مفترق الطريق. وكلنا نعرف ذلك. الحكومة تعرف ذلك. والشعب المصرى كله يدرك هذه الحقيقة. وللأسف بدلا من أن نتجه للحل بدأنا نشتم بعضنا البعض، ونفتعل الأزمات، مرة أزمة حول الرواية، و مرة أزمة حول مباريات الكورة، وبدلا من أن نتماسك لنواجه الانفراد الأمريكى بالدنيا، والعولمة، أصبحنا فى موقف لا نحسد عليه. ياسيدى الفاضل، أنا شخصيا مرعوب، وخايف من المستقبل على مستقبل بناتى "آية"، و"نور"، لأن أى ميراث أتركه لهم لن يحميهم من رعب المرحلة القادمة، لن يحميهم فى زمن لا نعرف مقاييسه، ولا ملامحه حتى هذه اللحظة.

 فلسطين: نترك الحديث عن الهم العام، وننتهز هذه الفرصة لنخوض قليلا فى حياة الأبنودى. هناك وقائع كثيرة مثيرة للجدل فى حياة الشاعر والفنان.
 الأبنودى: قول ياسيدى قول. . بس واحدة. . واحدة . . علشان أرد على كلامك.

 فلسطين: ما حقيقة ما يقال عن كتابتك لقصيدة مخصوصة لإحدى الاميرات العربيات ليتم غنائها فى عيد ميلادها؟
 الابنودى: أميرة مين؟ وفقيرة مين؟ يا سيدى هذه حكاية معروفة،وقد أوضحتها بدل المرة ألف. الحكاية ببساطة إن الأستاذ الملحن جمال سلامة والمطرب محمد ثروت والشاعر سمير الطائر عملوا أغنية لإحدى الأميرات. وعندما جاءت احتفالات أكتوبر، جاءنى محمد ثروت ومعه اللحن وطلب منى كتابة كلمات عليه. وهذه حكاية فعلتها عدة مرات قبل ذلك ببراعة. فعلى سبيل المثال أغنية "الهوا هوايا" لعبد الحليم حافظ أنا كتبتها على اللحن، وكذلك أغنية "آه يا أسمرانى اللون" بتاعة شادية. المهم. . فعلا كتبت الأغنية. وكان الرئيس معجبا بها وأصر على مقابلتى لتهنئتى. وبعد فترة لقيت موسى صبرى بيقول حكاية الاميرة دى فى مجلة أكتوبر. وعندها، فقط، عرفت للمرة الأولى أن هناك أغنية لأميرة على نفس اللحن. . ولا أدرى لماذا كان الجميع يرفض الكشف عن إسم مؤلفها. . ولم ينقذنى من المأزق إلا الفنان محمد رشدى الذى قال لى إن سمير الطائر هو الذى كتبها، وأنهم كانوا قد ذهبوا إليه ليغنيها ولكنه رفض. وبالفعل نقلت هذا الكلام لمجلة أكتوبر وأوضحت لهم الحقيقة، فاعتذروا عن الخطأ.

 فلسطين: ننتقل لواقعة أخرى ترتبط بعلاقتكم الوثيقة بالمرحوم الفنان عبد الحليم حافظ. وهناك سؤال: هل طلب عبد الحليم حافظ منك كتابة أغنية خصيصا للمرحوم الملك الحسن ملك المغرب؟
 الأبنودى: آه. . دى واقعة صحيحة. الملك الحسن كان رجلا محبا للفن، مثل جميع المغاربة، وكان يقيم احتفلات سنوية فى عيد ميلاده. وكان عبد الحليم يذهب لتلك الحفلات من أجل الرزق فى بداية الأمر، ولكن تطورت الأمور بعد ذلك وأصبح عبد الحليم يحترم الملك الحسن احتراما حقيقيا. ومن جانبه كان الملك يعامل عبد الحليم كأنه واحد من أولاده، فعالجه، وأنفق عليه الكثير. ولكن عندما طلب منى عبد الحليم كتابة الأغنيةخصيصا للملك رفضت. . وقلت له. . أنا لم أكتب أغنية لعبد الناصر، فهل تريدنى أن أكتب للملك الحسن؟!. والحقيقة إن علاقة عبد الحليم لم تكن جيدة بالملك الحسن فقط، بل كانت جيدة مع معظم حكام الخليج أيضا.

 فلسطين: كانت علاقة عبد الحليم جيدة بالملك الحسن، فهل كان يعلم بحقيقة علاقته بالموساد؟
 الأبنودى: لا. بالتأكيد لا. لم يكن أى واحد فينا يعرف بهذه الأشياء. محمد حسنين هيكل هو الذى كتب هذا الكلام فيما بعد. هذه معلومات من الصعب أن نعرفها نحن. وكل مايمكن أن أقوله، هو أننا تتكون لدينا فى بعض الأحيان قناعات بان الراجل ده أمريكانى، وهذه القناعات تكون بلا أدلة ولا مستندات، وتبقى مجرد شكوك.

 فلسطين: تقول أنك رفضت كتابه أغنية للملك الحسن وقلت أنك لم تكتب أغنية للرئيس الراحل جمال عبد الناصر. . فهل كان من الممكن أن تكتب أغنية للرجل الذى سجنك؟
 الأبنودى: أنا جزء من ظاهرة مثيرة وعجيبة، فمعظم الذين عذبهم عبد الناصر فى سجونه مدحوه. ظاهرة غريبة، لايفهمها البعض، لأنه يتعامل مع عبد الناصر كفرد وليس كنظام. والواقع أن نظام عبد الناصر كان نظام حكم بوليسى يمثله رجل وطنى جدا يقاوم الاستعمار، ويحارب الصهيونية، ويبنى مستقبل مصر. وبسبب كثرة تلك المهام لم يكن لديه وقت لكى يتناقش معك، فكان عليه أن يقمعك، وأن يسجنك إذا حاولت رفع صوتك لإبداء ملاحظة. والمشكلة لم تكن فى عبد الناصر بل كانت فى النظام والأجهزة التى كانت متفرغة لمثل هذه الأمور.

 فلسطين: من العلامات الفارقة أيضا فى حياة الأبنودى موقفه من حرب الخليج.
 الأبنودى: ولاعلامة فارقة ولاحاجة، موقفى كان واضح جدا.. أنا كنت مع الكويت لغاية ما العراق طلع منها. ومازلت أفخر بهذا الموقف. للأسف قال البعض أننى قبضت أموالا وأمولا من الكويت مقابل موقفى هذا، وأننى لهذا السبب كتبت قصيدة عن الاستعمار العربى. ولكن الحقيقة التى أود أن اؤكدها أنه:

مازال على الأرض شاعر، ما لبسش توب العار، ولامد ايده السمره فى الأسواق، ماقبضش دينار من الكويت، ولا أكل خبز العراق. وفى مقدمة ديوانى "الاستعمار العربى"، قلت إن عبد الناصر نفسه تدخل قبل كده عندما حاول العراق أن يفعل نفس الشئ. وللأسف منذ غزو العراق للكويت ونحن مازلنا نحاول أن نجمع شتات هذه الأمة، ونلم جراحها، وللأسف مش قادرين.

 فلسطين: كان لكم موقف مشرف فى الدفاع عن الفنان الفلسطينى المرحوم ناجى العلى. .
 الأبنودى: الله يرحمه، ناجى العلى. كان راجل شريف، وقف ضد كل الأنظمة العربية لأنها استسلمت لإسرائيل. ظلموه، وقالوا إنه بيهاجم مصر. . طيب. . أنا هاجمت كامب ديفيد، هل يعنى ذلك أننى هاجمت مصر؟ أنا هاجمت كامب ديفيد دفاعا عن مصر.
وناجى العلى كان من الطبيعى إنهم يقتلوه، لأنه كان صوت واضح، وصريح، مايعرفش المواراة والكذب. بيقولوا انه هاجم مصر. . ياسلام! هل كان ناجى العلى عبيطا ليهاجم مصر؟! ناجى العلى كان بيحب مصر، وهاجم السادات لأنه أضر بمصر والعرب.(ينظر الى ساعته متعجلا ارتباطه بموعد). . .

 فلسطين: الحوار معكم ممتع ولم نتطرق فيه إلى قضايا كثيرة.
 الأبنودى: ممكن نعمل حوار تانى وثالث... مافيش مشكلة.
 فلسطين: طيب، سؤال أخير. . يشكو الشعراء الشباب من هيمنة الشعراء الكبارعلى الساحة فى مصر. . فما تعليقك؟

 الأبنودى: شوف. . أنا جيت من بلدنا سنه 1962، يعنى من 38 سنه. . والحمد لله، أخذت نصيبى من الشهرة بالعرق والكفاح. حب الناس والمهارة فى الشعر لا تأتى بالتنازل.. المفروض أن تظهر موهبه جديدة لتحل محلى وتأخذ مكانى أوتوماتيكيا.
أنا مش مبسوط بان أظل كل هذه المدة على القمة وحدى. . ومع ذلك فهناك شعراء شباب جيدون، بينهم أسماء لامعة ستسمع عنها قريبا، وأنا شخصيا أتمنى لهم التوفيق.

 فلسطين: ونحن أيضا نتمنى لهم التوفيق، ونتمنى لقاءك مرة أخرى، فما زال فى جعبتنا العديد من الأسئلة.
 الأبنودى: مرحبا بكم فى أى وقت.

 "فلسطين" تشكر الشاعر المصري الأبنودي لهذا اللقاء الممتع ، وتدعو له بطول العمر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى