الأحد ٢٢ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٧
بقلم فاروق مواسي

الأنَـفَـة من الشعر

لم يُعرف أن النبي -صلى الله عليه- قال الشعر، بل روي عنه بعض الرجز، أو بعض الشعر مع خلل في الوزن.

برّأه القرآن أكثر من مرة من قول الشعر- وما علمناه الشعر وما ينبغي له- يس، 69،

وأنكر الإسلام أن يكون في القرآن شعر- أم يقولون شاعر نتربصُّ به ريبَ اَلمنون- الطور، 30 أو

قوله تعالى- إنه لقول رسول كريم، وما هو بقول شاعر قليلا ما تومنون- الحاقة، 40-41.
وفي الحديث الشريف تحفُّظ صريح حاد:

"لأن يمتلي جوف أحدكم قيحًا خير له من أن يمتلي شعرًا".

(صحيح البخاري، رقم 6154.)

سأقف على هذا الموضوع في حلقة قادمة، مبينًا أي شعر يرفض الإسلام،ذلك لأن هناك ما يشير بالإيجاب إلى أهمية الشعر ومكانته وتأثيره، كما أن من الشعر لحكمة- كما ورد في حديث شريف آخر. (ابن حبان في صحيحه رقم 5780).

ولا ننس موقف الرسول من شعر الشعراء المنافحين عن الدين، وحضهم على القول.

بل إن القرآن لا يعارض كل الشعراء، ولا يقلل من شأنهم جميعًا، فهو يستثني منهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات:

والشعراء يتَّبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون،

إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرًا، وانتصروا من بعد ما ظلموا- الشعراء، 226 وما بعدها.

من جهة أخرى:

رأينا بعض الشعراء ينفُون في شعرهم أنهم شعراء- مع أنهم من كبارهم- وكأن ذلك فيه مساءة لهم، فهذا أبو فراس الحمْداني يقول:

نطقت بفضلي وامتدحت عشيرتي
وما أنا مدّاح ولا أنا شاعر

وهذا الإمام الشافعي يقول بصريح العبارة:

ولولا الشعر بالعلماء يُزري
لكنت اليوم أفصحَ من لبيد

وحتى في شعر الإحياء يقول لنا البارودي:

وما الشعر من دأبي ولا أنا شاعر
ولا عادتي نعتُ الصُّوى والمعالمِ

إن أقوال الشعراء هذه بحاجة إلى دراسة: سبب القول وظروفه، وماذا يعني الوصف (شاعر)، خاصة ونحن نذكر المقولة- "المتنبي وأبو تمام حكيمان وإنما الشاعر البحتري".

يبدو أن الشعر كان مرتبطًا في ذهنية البعض أن صاحبه متكسب أو هجّاء، فكأنه يزري بذوي المكانة،

وإلا فما تفسير هذه المعارضة التي عرفناها أولاً وقبلاً في حُجْر- والد امرئ القيس- حيث قيل إنه طَرد ابنه بسبب قوله الشعر، فصار الشاعر من الضِّلّيلين.

يشرح ابن رشيق سبب هذا الموقف، ليس من خلال النظر إلى أن الشعر يضع من قيمة الشاعر، بل لأن امرأ القيس أساء لمُلك أبيه، فقال:

"وغفل أكثر الناس عن السبب، وذلك أنه كان خليعًا متهـتكًا ... واشتغل بالخمر والزنا عن الملك والرياسة"- (العمدة- ج1، ص 29.)

من هنا رأينا أن هناك من يأنف أن يسمى شاعرًا، أو أن يكون ابنه شاعرًا، وما ذلك إلا لارتباط الشعر بظواهر تحفظوا منها.

وما دام الأمر كذلك، فلماذا هذا الحرص الشديد – هذه الأيام- على أن يسمي هذا وتلك نفسهـ/ـا الشاعر فلان، أو الشاعرة فلانة، ويتهافتون صباح مساء على كل قول باسم الشعر؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى