الأربعاء ١٣ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٧

التّنوير في كتاب ثقافة الهبل وتقديس الجهل

وفاء بياري

صدر كتاب "ثقافة الهبل وتقديس الجهل" للكاتب جميل السلحوت، قبل أيام عن مكتبة كل شيء الحيفاوية، ويقع الكتاب الذي يحمل غلافه لوحة للفنان الفلسطيني التشكيلي الشهير جمال بدوان، وقدّم له المفكر د. خضر محجز في 180 صفحة من الحجم المتوسط.

بداية...أرى أنّ من يقرأ هذا الكتاب النيّر سيجد بين سطوره حقائق تفسيرات عديدة متنوعة، في كل ما يدور في فلك عالمنا العربي من اقتتال ونزاع وتدمير وهزائم متلاحقة في مختلف مجالات الحياة.

والكاتب في كتابه هذا..يسلّط الضوء على الكثير من ظواهر (ثقافة الهبل و تقديس الجهل) المنتشرة في عالمنا العربي: والذي تناولها من نواحي عديدة ثقافية وسياسية، تاريخية، اجتماعية، فنّية، دينية، حزبية، فكرية، معرفية وغيرها .. بأسلوب مشوق وبلغة سهلة معتمدا في ذلك على العديد من المصادر الغنية القيّمة مثل: القرآن الكريم، الأحاديث النبويّة، موسوعات ومعاجم عربية، إحصاءات معاصرة، وكتب لكتّاب وفلاسفة ومؤرخين مثل: ابن خلدون، ساطع الحصري، ادوارد سعيد وغيرهم .. هذا بالإضافة إلى تجارب الكاتب ومعرفته الشخصية ...

 ففي بداية صفحات الكتاب بيّن الكاتب العديد من المفاهيم المعتمدة على المصادر والموسوعات والمعاجم العربية مثل: مفهوم الثقافة، معنى الهبل، مفهوم القومية ... إلخ.

 في الصفحات 38 – 40 تحدّث الكاتب عن علاقة الاسلام السياسي بأمريكا... موضّحا بأنها علاقة ذات مصالح مشتركة وإن اختلفت في منطلقاتها وأهدافها، فالغرب مثلا بقيادة أمريكا كان يرى في الشعوب الإسلامية (الدرع الواقي من خطر الشيوعية) قبل انهيار الاتحاد السوفيتي و مجموعة الدول الاشتراكية 1991.

 سلّط الكاتب الضوء على موضوع (الأقلّيات القومية) المتنوعة في العالم العربي من أكراد، أمازيغ، تركمان، أرمن، شركس وغيرها، موضّحا بأن الأنظمة العربية لم تستغل هذا التنوع العرقي والديني لمصلحة الشعب والوطن، مدّعما ذلك بنماذج عديدة عن التآخي بين القوميات والديانات المختلفة خارج الوطن العربي مثل: الهند، الصين، اليابان، الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها .. في حين أنّ غالبية الشعوب العربية من عرق وديانة واحدة إلا انهم يعيشون في حالة نزاع واقتتال داخلي شبه دائم .. ولا تزال هذه الأقليات في العالم العربي تتعرّض لاعتداءات غير مبررة من الأنظمة القومية ومن أتباع الديانة الإسلامية المتشددة موضّحا أن في ذلك (استهبال للشعوب) .. وعواقبه ستكون وخيمة على الوطن والشعب.

 تطّرّق الكاتب في كتابه إلى (التفجيرات) التي تعرّضت لها الكنائس في أكثر من دولة عربية على أيدي مسلمين متشددين كمصر، العراق، سوريا، وغيرها .. موضّحا أنّ المسيحيين المواطنين في الدول العربية (هم جزء من النسيج الاجتماعي) ولهم ما لإخوانهم المسلمين.. وأن الدول القومية لم تستطع السيطرة على هذه الفتن الطائفية بل عزّزتها، مؤكدا أن في ذلك "استهبال للشعوب."

 تحدّث الكاتب عن استهبال الشعوب في الفكر القومي مدعّما ذلك بالعديد من النماذج والأمثلة، فلم يحصل حتى الآن وأن اتّحدت الدول العربية على أساس ديني أو قومي، إلا تلك الوحدة القومية بين مصر وسوريا التي استمرت من 1958-1962 حيث أن حزب البعث العربي الاشتراكي – كما وضّح الكاتب – هو من وقّع على انفصال هذه الوحدة.. وبدلا من الوحدة بين الدول العربية (جرت حروب) . كما أن العديد من الدول العربية وقفت مع دول أجنبية معادية؛ لتدمير وقتل شعوب العراق، سوريا، اليمن، ليبيا وغيرها من خلال تمويل وتسليح وتدريب تلك الجماعات التكفيرية التي تمارس الإرهاب ضد شعوبها، و أن السبب الرئيسي لتراجع العالم العربي هو (الجهل السائد)، حيث دعّم الكاتب ذلك بالعديد من أمثلة من واقع الحياة وإحصائيات حديثة.

 في صفحة 47 – 48 تحدث الكاتب عن ثقافة (الهبل في التعامل مع نصف المجتمع) موضّحا في هذا المجال أن المجتمعات الذكورية والعربية تنكر على المرأة حقوقها التي شرّعها الله لها في الديانات السماوية .. و دعّم الكاتب ذلك بالكثير من الأمثلة و الحكايات والأمثال الشعبية مثل (الأنثى ناقصة عقل و دين) فلا تحصل المرأة هنا حسب هذه المقولة على حقّها في التعليم والميراث واختيار الزوج.

 ومن بين الثقافات التي تطرّق إليها الكاتب (ثقافة القتل) دفاعا عن الشرف، حيث توقع العقوبة هنا على المرأة، و يتم التستّر على الرجال، و أن هذه الثقافة هي (إرث جاهلي) وأن "الدين الإسلامي لم يفرّق بين المرأة والرجل في العقوبة في مجال هذه القضية"

 في صفحة 59 – 60 تحدث عن الاستهبال في (الخطابات الدينية) في صلاة الجمعة والأعياد، حيث الدّعاء على النصارى واليهود و العلمانيين والحداثيّين، علما بأننا كعرب وكمسلمين لا نعادي الأديان السماوية بل نعادي على سبيل المثال (الصهاينة كونهم حركة كولونيالية استيطانية) وكذلك الأمر للمسيحيين فلا خلاف معهم وإنما مع "القوى الامبريالية الطامعة في خيرات بلادنا "

 كما تحدث الكاتب عن (فضائيات الهبل العربي) والمتخصصة ببث ثقافة الهبل وتكريس الجهل، وما أكثر هذه المواقع التي تتخذ من الدين عباءة لها؛ لخداع واستهبال العامة مدعّما ذلك بالعديد من الأمثلة .

 في الصفحات 69 – 71 تحدث عن قصص (المشعوذين والعرّافين والفتّاحين ومدعي العلم بالغيب) وفهمهم الخاطئ للدين .. والامثلة على ذلك كثيرة كما و ضّحها الكاتب.

 سلّط الكاتب الضوء على (ظوهر الهبل من نوع جديد) غير ظواهر الهبل القديمة في وطننا الذي (كان عربيا). و منها على سبيل المثال "هبل الفيس بوك" حيث أصبحت معظم صفحات التواصل الاجتماعي مرتعا خصبا لدروب الهبل والجهل .

 في كثير من صفحات الكتاب تحدث الكاتب عن (الدواعش) وبشاعة ارهابهم ضد شعوبهم وعن (استهبال المشايخ) للعامة (باسم الدين) والذين مؤهلاتهم عبارة عن اطلاق اللحى وارتداء الدشاديش، وأن هذا الاستهبال ليس حكرا على المسلمين بل عند أتباع ديانات اخرى... و الأمثلة كثيرة موضّحة في الصفحات 77 -88..

 تحدّث عن عجائب ثقافتنا العربية في (تقديس الحكام ) وعدم ترسيخ مفهوم للوطن، وعن استهبال هؤلاء الحكام لشعوبهم ،يضا باسم الدين..صفحة 90 – 91

 تطرّق الكاتب في حديثه عن المؤسسات الثقافية غير الحكومية التي يسيطر عليها أشخاص متقدمون بالعمر وربما غير مؤهلين لهكذا منصب ... وكأنها سيطرة عائلية، عشائرية وربما سياسية.. وأن هذه المنظمات معظمها تخدم أجندة مموليها ..كما تحدث عن ثقافة (الخوف من النجاح) مشيرا بذلك إلى بعض المثقفين الذين باعوا أنفسهم لمصالح شخصية، حيث لا يتردّدون في احباط الناجحين ومحاربتهم كونهم يرون في نجاح الآخرين سقوطا لهم.

 أمّا عن واقع المبدعين من أدباء وفنانين في عالمنا العربي فقد وضّح الكاتب بالأمثلة عن كيفية معاقبة معظمهم على الابداع بدلا من المكافأة .

 كما تحدث عن (الانغلاق الثقافي) المتمثل بعدم مواكبة ثقافات الشعوب الأخرى والاطلاع عليها، وعلى ما وصلت إليه من تقدّم وتطور مذهل في العديد من المجالات.

 و هناك العديد من ظواهر (ثقافة الهبل و تقديس الجهل) التي ذكرها الكاتب، والتي ما هي إلا امتداد وترسيخ لثقافة الهبل في عالمنا العربي، منها على سبيل المثال ثقافة المفرقعات (الطخطخة) وثقافة مكبّرات الصوت، وما ينجم عنها من نتائج سلبية كثيرة وخطيرة .. والهبل في ثقافة (الطبيخ)، ثقافة الموت، ثقافة المطالعة، الطوشة،الانبهار بالاجنبي، تدمير الذات، ثقافة الكسل.. و غيرها .

 الكتاب بشكل عام يستحق القراءة .. كونه يلقي الضوء على هذه الثقافة التي تعشعش في رؤوس الكثيرين ممن أساؤوا فهمهم للدين والدنيا، فعالمنا العربي في الوقت الحاضر في أمس الحاجة للقيام بثورة علمية ثقافية حقيقية تتمكن من القضاء على العادات، والتقاليد البالية والتخلّف، والانغلاق الفكري والجهل المتفشّي في الوطن العربي، فمن حق شعوبنا أن تعيش حياة هادئة آمنة بعيدة كل البعد عن الفوضى والفساد، والاقتتال والجهل إلخ.. كباقي شعوب العالم.

وفاء بياري

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى