الأحد ٢٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨
حكابات إبن آدم
بقلم ظافر مقدادي

الحكاية الثانية: الغَمر

(سأتّكئُ على سَفرٍ وأسندُ ظهري الى غُربة) قال ابنُ آدم، وأطرَقَ في البعيد.

قطعانٌ من السنينِ العجافِ مَرّت.. والأمسُ هو الآن.

***

الساعةُ تُشيرُ الى الصفر. شمسٌ ورديةٌ تسترقُ النظرَ من وراءِ الأفق، وترنو الى إبنِ آدم بحياء. وإبنُ آدم على الميناء.. ميناءٌ يودّعُ عائدين ويستقبلُ راحلين. وبائعةُ زهورٍ تمتقعُ بلونين: أبيض وأصفر، وتُقلّدهُ الآن زهرةً صفراء.

* أتُغادرنا يا ابنَ آدم؟

 أجل يا غُربة

* وإلامَ تصبو؟

 إلى عدنٍ

* ألَم تعجبكَ بلادنا؟

 بَلى

* فَعَلامَ ترجع اذاً؟

 لم أجد نفسي.

***

الساعةُ تُشيرُ الى ما دون الصفر. شمسٌ تُجاور سمت السماء، وترنو الى ابنِ آدم برجاء. وبائعة زهور تمتقعُ بلونين: أبيض وأصفر، وتطعنهُ الآن بزهرةٍ بيضاء:

* أتغادرنا يا ابنَ آدم؟

 أجل يا عدن

* وإلامَ تصبو؟

 إلى غُربة

* ألَم تُعجبكَ جنتنا؟

 بَلى

* فعلامَ ترحل اذاً؟

 لأبحث عن نفسي.

***

الساعةُ في إجازة. قمرٌ مخضرمٌ شَهدَ الواقعتين، الرحيل والعودة، يرصدُ الأحداث. يَمٌّ أحدبُ يتطاولُ على اليابسة، وعائدون رُباعَ رُباع.. وابن آدم وحيد. نَهَضَ المكانُ والزمانُ مُترف. طاووسٌ أحمقُ يفتتح الكرنفال:

* إذاً، كان هناك ناجون؟!

 هؤلاء عادوا قبلنا

* ومِن أينَ أتى طاووس الكرنفال؟

 لعلّهُ إعتصمَ الى جبلٍ.

***

الساعة كانت في إجازة. هرمَ المكانُ والزمانُ مُقعَد. والعرجونُ الذي شهد الواقعتين إكتملَ بدراً. غَمرٌ يَتدثّرُ ليلاً، وفُلكٌ يضربُ على غير هدى، وقبطانٌ بهيئةِ حكيمٍ، ومسافرون مثنى مثنى.. وابن آدم وحيد. حمامةٌ بيضاء تُطلِقُ صافرةَ النهاية:

* لعلّ هناك ناجين في الارضِ العتيقة؟

 الطاغيةُ أقفلَ باب العالمِ القديم على الحاشية

* وهل في العالمِ الجديد طُغاة؟

 الطغاةُ إبتلعهم الغَمر.

***

الساعة ما زالت في الوقتِ بدلِ الضائع. كرنفالُ عيدِ الطاووس. الجمهورُ يهتفُ بكلّ اللغاتِ إلّا
المُسنَد. فتاةٌ شبهُ عاريةٍ تعتلي كتفَ مُراهق، وأخوها يشتهيها. شابٌ يتزنّرُ جحيماً، وإبليسُ يشربُ نخبَ الشهيد:

* هذه ليست عدن؟!

 بَلى، تلكَ حجارةُ مأرب

* ومَن هذا الجمهورُ إذاً؟

 أحفادُ الأنبياء.

***

الساعةُ دخلَت في الوقتِ بدلِ الضائع. رسى الفُلكُ على الجودي. المكانُ عذراء، والزمانُ فتيّ. وقمرٌ أحمرٌ يتعبّدهُ رجلٌ بلونِه. ديكٌ روميّ يَصيحُ قرباناً للنجاة. والعشاءُ الأولُ يذكّرُ الناجينَ بالعشاءِ الأخير. سرقَ أحدهم وجبةَ أخيهِ العليل، وخانَت زوجةُ العليلِ عليلَها مع القبطان. إستَلّ العليلُ شَرَفَهُ وأجهزَ على السارق.. وإختالَ تيهاً، فنصّبوهُ طاغيةً عليهم، وأنجبَت لهُ زوجتُه إبنَ القبطانِ خليفةً... وتوارثوها:

* هذه ليست أرض الميعاد؟!

 الأرضُ ميعادٌ حينَ نجد الوعد

* وما الوعد؟

 الوعدُ للأحرار

* ومتى نَكونُهم؟؟...

الزمانٌ ضائعٌ.. والأرضُ عليلةٌ.. وابنُ آدم ما زالَ يبحثُ عن ذاتِه


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى