السبت ١٨ شباط (فبراير) ٢٠١٢
بقلم حسين أبو سعود

الدين الإسلامي، الحاجة الى التجديد أم الإصلاح؟

عندما نتحدث عن الدين الإسلامي فنحن لا نقصد ذلك الدين السماوي الحنيف الذي بعثه الله تعالى للناس كافة وصدع به الرسول الأمين عليه الصلاة والسلام وإنما نقصد الدين الموجود بين أيدي الناس والذي حوله العلماء الى مذاهب وفرقوه وصاروا شيعا حتى وصفه البعض بالأفيون، نقصد دين التناحر والتجاذب والتشرذم، والذي تحول الى فرق تلعن كل فرقة أختها وتتهمها بالتحريف والتزوير، وكم كتب الاصلاحيون فيه وطالبوا بتجديد الفكر الديني ونقدوه حتى صار جميع أشكال النقد يحتاج الى نقد جديد ومفيد يخلص الأمة من هدر الوقت والجهد والمال، ولعل من وصف الزمن الديني في الفكر الإسلامي بأنه يمتد فوق الزمن التاريخي وقال عنه بأنه لا علاقة له بزمن الناس كان يقصد به الدين الذي بأيدي الناس وليس الدين الذي نزل به الرسول الأمين قبل 14 قرنا ليكون للناس رحمة ومنهاجا وسبيلا للخلاص.

ان الدين الحالي صار يستهلك الكثير من الوقت والجهد والمال حتى صار لكل مذهب طبقة متخصصة متفرغة سموهم بالعلماء، وحتى السلفية الذين اختصروا العبادات في الصلوات اليومية وصلاة الجمعة والعيدين قد استهلكوا الكثير من الوقت في الطعن والرد على إخوتهم ممن أسموهم أهل البدع، في حين ان الغرب هجر الدين او اكتفى بساعات من يوم الأحد فقط حيث ربطت الحضارة الغربية الزمن بحياة الناس وحركة التاريخ والتطور ليصب في النهاية في صالح الأجيال. ان الانشغال الكبير للإسلاميين بما أسموه فروع الدين لم يخلق عندهم مجتمعا واحدا فاضلا، بل بنوا أساس معتقداتهم على التعصب الذي دعاهم الى التفاخر بصحة المذاهب التي ينتمون اليها مع ان التعصب أمر مذموم بالاتفاق تخلى عنه الغرب جملة وتفصيلا، وقد بلغ التعصب والتفاخر والتنابز ذروته حتى صار يشبه الممارسة اليومية بين أبناء المذهب الواحد ولم يبق لنا التعصب وقتا للبناء والعطاء ، فانحصرت العطاءات المعرفية والفكرية في النقد والنقض والفلسفة مما أدى الى إهمال العمل في المجالات الاقتصادية والتقنية، فابتلي المجتمع الإسلامي او المجتمعات الإسلامية بحالة مأساوية من الركود والتحجر والاعتماد على الغير، واثر التعصب على حرية إبداء الرأي مما جعل الحالة السياسية مزرية أيضا، وان الدين الذي يحث أتباعه على التغيير حسب قول الله تعالى ( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) حوره الناس الى انتظار طويل لمخلص يأتي آخر الزمان ليغيرهم لأنهم عاجزون عن التغيير وهذا النمط من الانتظار السلبي هو خلاف الفطرة السليمة لان فيه اتكالية واضحة حتى صار المسلم بمختلف انتماءاته المذهبية لا يستطيع العيش إلا وسط أقبية الماضي وحلم العصور الذهبية على عكس الإنسان الغربي الذي صار يعيش الحاضر ويراهن على المستقبل.
لقد كبل التعصب الفكر الإسلامي حتى صار أسير الشرنقة الملتفة حوله فلا احد يجهر بالحقيقة خوف ان تصل به الى المحاكم او هجوم الغوغاء عليه وصار العالم منهم يدعو الى التمسك (بدين العجائز) حسب بعض الروايات لأنه الأسلم بعيدا عن المنغصات رغم عناصر الخرافة والانهزام، وصار العلماء يرعون طبقة كبيرة من البسطاء ويشجعوهم على ان يهيموا في التكايا وينشغلون بجلد الذات او بالسقوط في براثن التطرف، فالحقيقة التي بين أيدي الناس مشوهة والحقائق المصطنعة تولد الكوارث و الويلات، والتعصب للمذاهب قاد المجتمع الى درجات متقدمة من التطرف الهدام والاختلاف المسلح وللمفكر (علي حرب) كلام جميل في هذا الباب نقله عنه جمال جاسم أمين في مقاله (بين التطرف والاعتدال) وهو (التعصب للحقيقة هو ضد الحقيقة ) فكيف لو كانت الحقيقة تشوهت نتيجة التجاذب المستمر بين الأطراف، لا يستطيع احد مهما بلغ من الصلافة ان يزعم بان المذهب اشمل من الدين لان الدين هو الكل والمذهب هو جزء الكل ومن يأخذ بالجزء يسير به نحو التعصب والتطرف ومن يأخذ بالكل ويفهمه يصير معتدلا كما يقول هاني فحص. ولا يقبل البعض وله الحق في ذلك بإطلاق لفظ البسطاء على الجموع السائرة بتوجيه الخواص ويحبذ إطلاق اسم الغوغاء عليهم، علما بان البسطاء هم أنفسهم يسجدون للصنم بوذا ويعبدون النار والبقر والشمس والقمر وكم اثر علم الكلام والفلسفات والهرطقات السفسطائية والخزعبلات في عقول الناس فصاروا جهمية وقدرية ودهرية وأهل رأي الخ،وكم كان الأمر جميلا لو بقي العلماء على استنباط المعنى الظاهري للآيات والأحاديث والروايات بدل الغور في المعاني الضمنية الباطنية والتوجيه القسري للمعنى، فجعلوا الناس عرضة للجدال الذي لا ينتهي، والإنسان بطبعه يميل الى الجدل ولاسيما الجدل البيزنطي بل وعنده استعداد كما ثبت عمليا لتجاوز الجدل الى سفك الدماء والدخول في دائرة العنف ورسم الخواتيم المفجعة والنهايات الأليمة، فصار الناس كلهم أبطال لمأساة كبرى وتراجيديا دموية مستمرة، أين المشكلة ؟ هل هي في العقل أم في العلماء فهناك حقائق لا تتحملها عقولنا منها اننا نرى ان عالما معروفا اقفل سمعه وأعمى بصره كي لا يسمع الآخر ونجده مقتنعا تماما بما ورثه من أسلافه وأساتذته وبيئته فصار يقبل الأساطير والحكايات ويرفض التدقيق والتمحيص بحثا عن النور الحقيقي.

ان المشكلة الحقيقية للمنطق هي انه يعري الأشياء، لذا قيل بان المنطق قد يتعارض مع المسلمات الدينية والاعتقادية، ومشكلة الأديان هي أنها ليست كالأحزاب يسهل نقدها، فنقد المحظور محظور، وعليه لجأت تلك الطبقة الى أسس منطقية جديدة بدلا من المنطق الأصلي الذي يسوي الأمور ويعدلها ويمنطقها ويضع الأشياء في مكانها الصحيح ويكشف الستر والأقنعة حتى صار المنطق الجديد يجعل الأمر المعقد أكثر تعقيدا ويفترض كل الأمور جدلا ليفتح أبوابا مغلقة ويغلق أبوابا مفتوحة والإتيان بافتراضات تتبعها نتائج تكون بداية لتفاصيل جديدة تدخل العالم في جدالات مفترضة وافتراضات جدلية كلها حقيقية ولكن داخل حدود الوهم، او انها وهمية لكنها مغلفة بأضواء الحقيقة، وصار الواحد منا لا يحتاج الى إدخال تعديل جذري او سطحي على النظرة التقليدية للأمور ولا لإحداث تغيير جوهري على تصور الأشياء واكتفى بالسير مع التيار لان المخاطر في السير عكس التيار مهلكة. وقد اخبرني احد المفكرين مرة بأننا لو بدلنا أفكارنا الدينية وغيرنا نظرتنا للتاريخ بغية الإصلاح ستواجهنا عواقب جديدة اخطر مما نحن فيه، ولو كشفنا الذين زورا الحقائق وحققوا المزورات سنفتح جبهة جديدة أوسع واشمل لألف عام أخرى، ودون ان اعلق على كلامه أقول باني لا أدافع عن الإسلام بمطالبة النهي عن نقد الفكر الديني لان الأديان كلها من حقها ان تعيش وان كانت بها خرافة فالأديان السماوية لم تعد هي هي وقد طرأت عليها تغييرات فتحولت الى مذاهب وشظايا تشظت وانقسمت ولم تبق الصور الأصلية لان كل محاولة لإعادة النظر تنشأ عنها حالات جديدة فالدواء المفيد مضر في نفس الوقت لآثاره الجانبية، فكل شيء له جوانب سلبية وأضرار جانبية تكون أحيانا أكثر قساوة من الأصل، والنظر المعاد قد يأتي بكوارث وما هذه المذاهب والفرق إلا اعادات نظر وإعمال فكر في الأصل فجاء الفرع مشوها لا يشبه الأصل في شيء. وان محاولة حل التضارب بين النظريات ينتج عنها المزيد من التضارب الذي يحتاج الى حلول أخرى.

ان تجديد الفكر الديني عنوان ضخم ولكن أكثر محاولات التجديد يداخلها هجوم خفي ومعلن على الدين ككل وهو سير ضد التيار، ومثل هذا السير بكامل الوعي يسبب ثورة تشبه ثورة الجياع في مجتمع الأغنياء، ثم ان الغاية من نقد الفكر الديني مبهمة وغير محددة الملامح فهل يراد من هذا النقد التشكيك أم التصويب أم الإيضاح والتبيين علما بان جميع نداءات التجديد لم تنتج الإصلاح المنشود وان كان المنادي مصلحا حقا، فصوت الإصلاح يُخمد بمختلف السبل ولو بالتصفية، والسؤال الملح هو هل أن الدين يحتاج الى إصلاح أم تجديد ؟ أم عودة الى الجذور وهذا السؤال يظل بلا جواب الى ما شاء الله.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى