السبت ٢٠ نيسان (أبريل) ٢٠١٩
بقلم سلوى أبو مدين

الرحيل إلى الذات

وقفت من على بعد تتأملني .. وأنفاسها المتلاحقة تتسارع .. رفعت رأسها المُطأطأ .
قالت : بخوف غير معتاد خائفة !
قلت : ـ مما ؟
قالت : ـ منه إذا جاء لا نستطيع رده !
قلت : ـ طريق لابد من السير فيه .
قالت : ـ جميعنا ؟
أجبت : ـ نعم .
قالت باستفهام غير معهود : ـ أهو شائك ؟
قلت : ليس للكل البعض منهم .
تراجعت نبرة صوتها وقالت : ـ سأبقى وحيدة ، دون أنيس في تلك الوحدة الموحشة والظلام يلفني ، وديدان الأرض تقتات من جسدي ، ماذا سأفعل عندها ؟
أجبتها : ـ بلى هناك من يؤنس وحدتك ويملأها .
نظرت إِلىّ نظرات تنم عن استفهام .
وتساءلت : ما هو ؟
قلت : ـ قدمي الأفضل والأحسن لذاك اليوم المنتظر .
ظهر الأسى على وجهها وتساءلت : ـ هل الجميع خائفون ؟
استدرت نحوها قائلة : ـ البعض منهم .
قالت في دهشة : ـ ولكن يداهمنا فجأة !
صمت للحظة ، ثم أمسكت شعرها المسترسل المنسدل على كتفيها
وأجبت : ـ استعدي له في كل يوم من أيامك ، وفكري فيما ستقدمينه وادخري له ما ينفع ويبقى .
حدقتْ ملياً في السماء وقالت : ـ ومن رفيق دربي حينها ؟
حتما سأشعر بالخوف ، والجوع ، والبرد ، وربما سينثر الحر نفحاته علّي حينذاك .
صمت لحظة ثم أجبتها : ـ بل هو امتحان عسير ، أكبر وأقوى امتحان يمر علينا !
قالت بصوت متهدج : ـ أهو الرحيل ؟
تنهدت عندها وقلت : ـ نعم ، على الخلائق .
فتحت باب خزانتها وأمسكت بعلبة خشبية قديمة ، حاولت فتحها جاهدة وهي قاطبة الحاجبين لم يبق منه سوى القليل قالت ؟
قلت باسمة : ـ ساعدي به ذوي الحاجة .. فهو رصيدك .
صمتتْ ثم تنهدت وقالت بصوت متموج : ـ لكنه قليل لا يكفي .
قلت بنبرة تعلوها الثقة : ـ سيحتسب لك به الكثير أنه نعمة للبعض وكذلك نقمة لبعض آخر وهو منه ، وله وإليه نحن لا نملك منه شيئًا .
نظرت إليّ مشدودة ثم قالت : ـ هل سيلتقي ، أعني الأحبة ؟
نعم سيلتقون ، أجبت : ـ في محبتهم لخالقهم وفي حرصهم على فعل الخيرات وفي مقدمتهم المتقون .
قالت بلهجة رقيقة : ـ اصحبيني معك .
ابتسمت لوجهها النحاسي وعينيها ذات الأهداب الكثيفة .
وأجبت : ـ لا أستطيع . بل كل فرد سيرحل وحيدًا .. مثلما جاء وحيدًا .
ابتعدت عنّي مسافات قصيرة ونظرت نظرات طويلة وغادرت الحجرة متلكئة بخطوات خائبة
لحظات مرت قضيتها ، أفكر فيها مسافة شهر أو أقل فصلت بيننا .
حتى قطع سبحي بكاء متواصل وأصوات متهدجة في الفناء المجاور مشيت بخطى مهرولة نحو مصدر الصوت والذي أخذ يعلو شيئا فشيئاً !
ولكم راعني . منظرها المسجى وقد دثر جسدها الصغير بقماش ناصع البياض .
نظرت إلى وجهها النّير الهادئ القسمات الناعمة نظرة أخيرة وطبعت على جبينها قبلة الوداع الأخير ثم أغلقت بابها كي ترتاح .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى