الخميس ٢٨ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٧
بقلم شاكر فريد حسن

الشاعر الفلسطيني محمد علوش يتطلع للآتي

وصلني من صديقي ورفيقي الفلسطيني الجميل، الشاعر الرقيق والناقد القدير محمد علوش، ابن نزلة عيسى في الضفة الغربية، قضاء طولكرم، ديوانه الشعري الثالث "أتطلع للآتي"، وكان صدر له سابقاً ديوان "سترون في الطريق خطاي" وديوان"خطى الجبل".

محمد علوش هو أحد المبدعين الفلسطينيين الذين أعشق أشعارهم، ولا أمل منها مهما أعدت قراءتها، فهو ممن يعبرون عن مكنون الوطن وقضايا الشعب والناس، من خلال دوره كمثقف نوعي وكاتب سياسي ومبدع ملتزم وناقد أصيل له إسهامات شعرية ونقدية إبداعية، وكتابات سياسية تحتضنها الصحف والدوريات الثقافية المحلية والعربية والعالمية والمواقع الالكترونية المختلفة.

وهو صاحب رسالة ثقافية وأدبية، وموهبة شعرية، وذو شاعرية محلقة وديباجة متمكنة من اللغة والبيان والتعبير أي تمكن، ويدهشنا بلغته الشاعرية الناعمة، اللغة الرشيقة الموحية، فهي لغة من المألوف المتداول التي لا تفقد وهجها ولا صفة الشاعرية والإيحاء، وهو شاعر يصر على النزول إلى النبض والذوق الشعبي محتفياً بهموم الناس البسطاء الكادحين والمسحوقين، متعالياً على البلاط وشعر المناسبات وسلاطين الأدب وسدنة الثقافة، ومصراً على أن الشاعر الذي في قلبه وصميمه إنسان منحاز للطبقات الشعبية الكادحة الطامحة بالتغيير، التواقة للحياة الكريمة الشريفة السعيدة الرغيدة، والمتطلعة لمستقبل أفضل وأجمل.أما موسيقاه الداخلية فهي صافية وعذبة ورقراقة تنساب في الروح والوجدان، دون وسائط، بينما نجد مضامينه ومواضيعه وموتيفاته إنسانية ووطنية وسياسية مستوحاة من الواقع السياسي، وعذابات الجماهير، وأوجاع شعبه ومعاناته، وهموم وطنه، وتظل قصيدته شاهداً فكرياً وروحياً ووجدانياً وإنسانياً وفنياً على تواصل نكبتنا الحضارية وقضيتنا الوطنية ومأساتنا التراجيدية، وعلى عمق الجرح والقضية الطبقية في مجتمعنا الفلسطيني ومجتمعاتنا العربية والكون الإنساني.

بينما شكل القصيدة التي يعتمد عليها محمد علوش في خطابه الشعري فهي قصيدة النثر بكل ما تحمله من ثورة وتمرد على الشكل البنائي اللغوي والفني والهندسي للقصيدة التقليدية الكلاسيكية، رغم انه اعتمد التفعيلة وغنائية الشعر العمودي في قصيدته "وأتيت أعراس الخليل".

محمد علوش محاصر بالحزن في مدينته الفلسطينية، ومتأجج بالغضب في آن، لما آل إليه الوضع العربي السياسي، ثائراً على الحكام والأنظمة العربية المتخاذلة المتهادنة، معرياً حقيقة الواقع البائس، طامحاً وحالماً بالتغيير المنشود، متطلعاً إلى الآتي الجميل.

جاء ديوان محمد علوش في ١٣٥صفحة من الحجم المتوسط، ويحتوي على ٤٣ قصيدة تتنوع في موضوعاتها وألوانها، وجاء في الإهداء: "إليك طريقاً أخرى نحو الحرية للحلم الذي يجمعنا.. والى الأمل الذي يعطينا الأمل دائماً بغد أفضل".

قدم للديوان الشاعر والكاتب والناقد الفلسطيني محمد دلة، مؤكداً على أن محمد علوش "لم يأت إلى الشعر من عتمة الايدولوجيا أو من رتابة الموروث الشعري وخصوبته، هو هكذا جاء وحده مغامرة لغوية ملتصقة بأناه وأنا شعبه المعمد بصيرورة اللغة والتراب، فهو شاعر ينتمي بكامل ذاكرته المعشوشبة إلى المهمشين والمسحوقين، إلى تراتيل أناشيدهم الصباحية وحسهم الإنساني بالعدالة والتضامن وصناعة مستقبل أجمل".

قصائد الديوان تحمل في طياتها معاني الوطن والحب والإنسان ورائحة التراب وعبق الزعتر البري والسنديان الجليلي والياسمين الدمشقي، وأحلام الفقراء والمشردين، وتتراوح بين الوجدانية والتأملية والوطنية، وتحلق في سماوات الخيال البعيدة، فيكتب لمدينته الحزينة، ويعيش وجع الغربة، ويستمع إلى صرخات الفقراء، ويثور بوجه المال الوحشي، وينام على أصوات الباعة المتجولين في شوارع وأزقة مدينته الملأى بالناس الباحثين عن رغيف الخبز وكفاف يومهم، ويفيض حبر قلمه حتى يبلغ ذروة الجنون بعد أن تأجل النهار، باحثاً عن وطن في وطنه، ويخاطب المسحوقين الغلابى المشردين الذين "وحدهم من يصعدون إلى الله، ومن تفتح لهم باب السماء، وتصلي ملائكة المطر وتفرد لهم أجنحتها أمام لهيب الخيام".ويناجي حيفا التي تركب الموج وتنتظر لقاء العمر، دمعة دمعة، وشمعة شمعة، حيفا التي غيروا وجهها وملامحها ومعالمها وشوهوا جذوة التاريخ فيها، واغتصبوا ذاكرة المكان. ويرسل وردة إلى بيروت، الوردة المشتهاة، ونزيف الأرز، ووجع الضاحية، ودمع السماء الذي يروي روح الأرض، ويقف على حافة وضفاف الحلم ليعانق النوارس والأمواج الثائرة في بحر غزة الصمود والجرح المتواصل، التي سقطت في الصمت وحيدة في زمن الموت، ملفعة بالنشيد، تحرس العرين.

ويخاطب إخوته الذين تركوه جوعاً وعرياً وأسقطوه وخذلوه وشربوا نخب دمه، وغمروه بالنسيان، ويفتح باب الليل العالي صارخاً وهاتفاً للعودة، ويسكن البحر نخلاً، ويزرع في قميص الرمل آيات الأغنيات والصلوات، مشرعاً صدره للرصاص الذي يلتحم مع الموج والهديل، ويأتي إلى أمه أجمل ما في الكون، التي تزرع الأمل في قلبه ونفسه، أمه التي توقظ الحدائق كل صباح، وتعلق قنديل النهار على شجرة الخبز، وتشق الحلم رغيفاً، وتبعث الرماد في عيون المستحيل، ويأتي إلى أعراس الخليل ليحتسي وجع النبيذ عنباً، ويمشي في وديانها وجبالها صوب ما كتبته يد التاريخ يستمطر الشهبا، متطلعاً إلى الآتي بكل ثقة وإيمان، معانقاً فجر الغزالة التي تحرس الكرم والمواسم والفرح، حالماً بالشمس التي ينسج خيوطها غزالاً في صهيل الجنوب، وغزالاً تطارده القصيدة العلوشية.

ديوان محمد علوش يحفل بالجمالية الشعرية والصور الأنيقة الفاتنة، وبالأخيلة والأوصاف والتشابيه والمحسنات البديعية، لزيادة عمق الجمالية والموسيقى الشعرية في جرس الكلمات العذبة، وتأتي مفرداته فصيحة وصوره خلابة منسجمة مع موضوع القصيدة بلا ابتذال، وبكل عفوية صادقة وشفافة.

محمد علوش شاعر غزير يواصل العطاء بتوهجه المضيء المشع بالدهشة والإبهار، انه شاعر موهوب متميز حقيقي، يملك ناصية الكلمة واللغة، ويقدم لنا باقات معطرة من الزهور الجميلة في بستانه الشعري العامر بكل ألوان وأنواع الورود والأزاهير.

تحية لك يا صديقي المعتق الرائع الشاعر والناقد والمناضل محمد علوش، وثق تماماً أن الغد دوماً أجمل، رغم الحلكة ودياجير ظلام الاحتلال، فلا تفقد الأمل وتطلع دائما إلى الآتي الجميل الذي تستشرفه قصائدك الخلابة ذات النكهة الفلسطينية الطولكرمية المميزة، مع خالص الحب والتقدير وتحيات الوفاء، والتمنيات لك بالمزيد من العطاء والإبداع في مساقات الشعر والنقد، ونحن في الانتظار دائماً.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى