الاثنين ٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٣
بقلم حمدي كوكب

الشواهد الشعرية في التفاسير القرآنية

شواهد سورة الفاتحة وأوائل سورة البقرة

الشواهد الشعرية في خواطر الإمام الشعراوي الإيمانية

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، جعل القرآن الكريم خير دليل وشاهد، على صدق رسالة النبي الصادق الخاتم العابد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداَ عبده ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم .

وبعد

منذ زمن غير بعيد وتجذبني الشواهد الشعرية في التفاسير المختلفة والمتنوعة للقرآن الكريم، وقد وجدت أن هذه الشواهد تحمل بين خباياها درر مصونة مكنونة تحتاج إلى إخراج وتوضيح، فهناك الشواهد التي تحمل في كلماتها الحكمة والموعظة الحسنة، وهناك الشواهد التي كان سببها قصة واقعية شيقة، وكذلك شواهد تحمل في تعبيراتها صوراً بلاغية ومحسنات بديعية، مما شد عقل وانتباه المفسرين، إلى هذه الأبيات الشعرية، واستخدامها في تفاسيرهم وتقديمها كشواهد وأدلة على بلاغة الكلام وفصاحته، وتفسير البيان ودلالته.

من هنا رأيت أن يكون بحثي هذا أنموذجاً حول شرح هذه الشواهد ومقارنة تواجدها في التفاسير المختلفة، وتكرارها في توضيح الآيات القرآنية الكريمة، وتوضيح المعنى اللغوي الوارد في الآية، أو ضرب الأمثال بالشاهد لتقريب المعنى للقاريء.

ولما رأيت مسابقة البحث العلمي في شبكة الفصيح لعلوم اللغة العربية، أثرت أن أخص هذه المسابقة بهذا البحث المتواضع، كنواة صغيرة لكتابي الذي يحمل نفس الاسم، وكبداية محتملة لتنبيه أذهان الباحثين والدارسين إلى تناول هذه الشواهد بالشرح والتفسير، وبيان الأسباب التي جعلت المفسرين يستخدمون هذه الأبيات الشعرية دون غيرها من الأبيات.

فهذا البحث ما هو إلا نبذة أردت أن ينهج نهجها كل شغوف بالشعر العربي واستخداماتها، وأن يضيف إليها الباحثون العرب مما يكرمهم به الله ـ عز وجل ـ من صنوف وأنواع البحث المختلفة حول دراسة هذه الشواهد التي استخدمت فقط في القرآن الكريم.

وآمل من الله ـ عز وجل ـ أكون قد قدمت ما يخدم كتاب الله عز وجل، ولغة القرآن الكريم، وما تستفاد منه الأمة الإسلامية والعربية في أمور حياتها، وما يضيف إلى المكتبة الإسلامية دراسة جديدة لم يسبق إلى دراستها باحث عربي قديماً أو حديثاً، بنفس تلك الصورة في هذه الدراسة.

والله الموفق
المؤلف
أهداف هذه الدراسة

كما وضحت في المقدمة السابقة فإن أهداف هذه الدراسة تتمثل فيما يلي:

1ـ وضع نواة بحثية لدراسة وشرح الشواهد الشعرية في تفسير القرآن الكريم.
2ـ وضع نواة لذكر أسباب استخدام هذه الأبيات الشعرية بعينها في تفسير القرآن الكريم.
3ـ تنبيه الباحثين والدارسين العرب إلى استكشاف أمور جديدة، ونواح أخرى متعددة ومتنوعة من خلال دراستهم لهذه الشواهد.
4ـ شرح الشواهد الشعرية بما يقدم خدمة للقاريء العربي غير المتخصص في توضيح أمور قد تفيده خلال حياته، وإضافة خبرات الشعراء في الحياة وتوضيحها بما يعين القاري على اتخاذ نفس المنهج في الحياة أو الاقتباس منه.
5ـ تقديم نواة بحثية لطلاب العلم، ولمتخصصي الدراسات العليا، ورسائل الماجستير، والدكتوراة، حول استغلالهم لفكرة عمل الأبحاث التاريخية والتفسيرية والمقارنة والوصفية والتجريبية، حول هذه الشواهد.
6ـ تسيهل الصعوبات التي يجدها قاريء التفاسير القرآنية، أثناء قراءته للشواهد الشعرية في التفسير من حيث شرح الشاهد الشعري، وتوضيح معاني كلماته، واسم قائله.
7ـ استخراج القصص التي كانت سبباً في هذا البيت الشعري، وتقديمها للقاريء، وذكر كل تفاصيلها وأحداثها.
8ـ توضيح الصور البلاغية في الشواهد الشعرية التي تحمل في طياتها صورة بلاغية قد لا يعرفها القاريء.
9ـ تقصي الحقائق حول الشاهد الشعري، ونصه، واسم قائله، وعدد مرات استخدم المفسر لهذا الشاهد، ومقارنته بمن سبقوه من المفسرين .
10ـ الدراسة الشاملة لهذه الشواهد، ووصفها، والحكم عليها، ومقارنة النص الذي ذكره المفسر بنصوصها الأصلية.
11ـ تحليل الشواهد الشعرية على أسس علمية، بهدف التوصل إلى معلومات جديدة تساعد في فهم المعنى الذي من أجله استخدم المفسر هذا الشاهد الشعري.
12ـ المساهمة في إثراء المكتبة الإسلامية والعربية ببحث جديد ومتنوع المواضيع من حيث أنه يشمل الشاهد الشعري المتنوع الذي يحمل بين طياته قصة، أو حكمة، أو معنى جديداً، أو صورة بلاغية غير معروفة للقاريء العادي.
13ـ حث الباحثين وتشجيعهم على استغلال هذه الشواهد في عمل الكتب المختلفة والمتنوعة حول هذه الشواهد.
14ـ تنفيذ هذا البحث في صورة كتاب قام الباحث حالياً في تنفيذ ذلك بصورة متوسعة عن هذا البحث النواة في هذا المجال.
15ـ فتح باب جديد لتقديم دراسات بحثية مختلفة ومتنوعة حول هذه الشواهد.

منهج البحث

يعتمد هذا البحث على المنهج الوصفي، الذي يصف الشاهد الشعري، وطرق استخدامه عند المفسر، ووصف الطرق المختلفة التي استخدم بها المفسر هذا الشاهد الشعري، كما يعتمد البحث على مقارنة الشواهد واستخدامها عند المفسرين السابقين أو المعاصرين، وكذلك توضيح انفراد المفسر من عدمه بالشاهد محل الدراسة، في إشارة قصيرة إلى أن المفسرين قد استخدموا هذا الشاهد من قبل أم لا، دون المقارنة الكاملة في الشرح نظراً للالتزام بخطة البحث الموضوعة من أجل هذه المسابقة.

الشاهد (1) العبودية والربوبية

يقول الشاعر:
حسب نفسي عزا بأنني عبد
_يحتفي بي بلا مواعيد رب
_هو في قدسه الأعز ولكن
_أنا ألقى متى وأين أحب

استخدم المفسر هذا الشاهد الشعري أثناء تفسيره لأية " الحمد لله رب العالمين" في سورة الفاتحة من القرآن الكريم، وجاء هذا الشاهد الشعري؛ عندما ذكر المفسر آيتين جليلتين تدلان على استجابة الله ـ سبحانه وتعالىـ للدعاء،الآية الأولى هي قول الله عز وجل: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الذين يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ.والآية الثانية هي قول الله ـ سبحانه وتعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الداع إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ

والشاهد الشعري يبين قيمة الحمد والشكر تجاه المولى ـ عز وجل ـ حيث بابه مفتوح في جميع الأوقات لمن ناداه ودعاه، فما أجمل وأفضل أن تكون عبداً لله ـ عز وجل ـ تلقى من أحببت في كل وقت وحين. وحيث أن سورة الفاتحة نص قرآني كريم بين العبد وربه، فقد ذكر المفسر في شاهده الشعري ما يدل على العبودية، وما يدل على الربوبية .

وهو أول شاهد شعري يستخدمه المفسر في خواطره الإيمانية، والشاهد الشعري الوحيد الذي ذكره في تفسيره وخواطره حول سورة الفاتحة، كذلك لم يذكره غيره من المفسرين الذين سبقوه؛ فلم يستخدموا هذا الشاهد في تفاسيرهم.

الشاهد (2) النفس والناس

يقول الشاعر:
إذا أنا لم آت الدنية خشية
_من الناس كان الناس أكرم من نفسي
_كفى المرء عارا أن يرى عيب نفسه
_وإن كان في كُنٍّ عن الجن والأنس

البيتان السابقان هما الشاهد الذي استخدمه المفسر في خواطره حول قول الله ـ عز وجل ـ في الآية القرآنية الكريمة: أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ

يوضح المفسر في البيتين السابقين رأي الإنسان في نفسه، ويوضح من خلالهما أن المنافق صورته حقيرة أمام نفسه. يقول المفسر: " والتمزق الذي عند المنافق أنه يريد أن يخفي عيوبه عن الناس.". فالإنسان القويم هو الذي يستطيع المواجهة والبعد عن كل العيوب التي تضر بذاته أولاً وبالمجتمع ومن حوله.

وبهذا الشاهد يوضح المفسر صورة المنافقين الذين يلاقون الناس بوجه أمام أعينهم، ثم بعد تركهم يظهرون بوجه آخر، وبأسلوب متنوع ومتعدد يختلف ويتبدل تبعاً للأهواء وللنفس المنافقة. وقد وضح المفسر بهذا الشاهد مقارنة بين النفس والناس. فعلى الإنسان أن يكون واضحاً بين نفسه وبين الآخرين.

وهو أول شاهد شعري يستخدمه المفسر في خواطره حول سورة البقرة، كما أن هذا الشاهد لم يستخدمه المفسرون السابقون؛ فقد تفرد به المفسر في خواطره وفي شواهده الشعرية.

الشاهد (3) ضرب الأمثال

يقول الشاعر:
إن القلوب إذا تنافر ودها
_مثل الزجاجة كسرها لا يشعب
(أي لا يجبر)

ذكر المفسر هذا الشاهد، ضمن خواطره حول قول الله ـ عز وجل ـ في الآية القرآنية الكريمة: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ
ويوضح المفسر بهذا الشاهد كيفية ضرب الأمثال، فالقلوب عندما تتنافر مثلها تماماً مثل الزجاج المكسور، فالبيت شاهد على ضرب مثال: مسألة غيبية غير محسوسة (وهي تنافر القلب) بمسألة واقعية محسوسة وهي (الزجاج المكسور). وبهذا الشاهد يُقرِب المفسر صورة ضرب الأمثال ويوضحها للناس، حيث أن الآية القرآنية الكريمة تضرب مثالاً على صفات التمزق عند المنافقين، وهي صفة غير محسوسة ولكنها موجودة بينهم.

وقد تفرد شيخنا الجليل، والمفسر بهذا الشاهد الشعري، فلم يستخدمه الذين سبقوه في شواهدهم الشعرية في تفاسير القرآن الكريم.

الشاهد (4) قصة مدح الخليفة

يقول المفسر:
" ولقد أراد أحد الشعراء أن يمدح الخليفة وكانت العادة أن يشبه الخليفة بالأشخاص البارزين ذوي الصفات الحسنة، فقال:
إقدام عمرو في سماحة حاتم
_في حلم أحنف في ذكاء إياس

وكل هؤلاء الذين ضرب بهم الشاعر المثل كانوا مشهورين بهذه الصفات، فعمرو كان مشهوراً بالإقدام والشجاعة، وحاتم كان مشهوراً بالسماحة، وأحنف يضرب به المثل في الحلم، وإياس شعلة في الذكاء؛ وهنا قام أحد الحاضرين وقال: الأمير أكبر من كل شيء ممن شبهته بهم. فقال أبو تمام على الفور:
لا تنكروا ضَرْبي لَه مَنْ دُونَهُ
_مثلاً شَرُوداً في النَّدَى والباسِ

فاللهُ قَدْ ضَربَ الأقلَّ لنوره
_مثلاً من المِشْكَاةِ والنّبْراسِ

فأعجب أحمد بن المعتصم والحاضرون من ذكائه وأمر بأن تضاعف جائزته".

والأبيات الشعرية في قصة مدح الخليفة: شاهد يستخدمه المفسر في توضيح ضرب الأمثال بالأشياء المختلفة والمتنوعة، وهي الشاهد في خواطره حول قول الله ـ عز وجل ـ في الآية القرآنية الكريمة: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذي استوقد نَاراً فَلَمَّآ أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ

فيوضح المفسر كيف يكون ضرب الأمثال للناس بالأبيات الشعرية السابقة الواردة في قصة مدح الخليفة، وقد قال التبريزي في شرح البيت الأخير: أي لا تنكروا قولي إقدامه كإقدام عمرو، وهو أشجع منه، وذكاؤه كذكاء إياس، وهو أذكى منه، لأن الله تعالى قد شبه نوره بما هو أقل منه، إذ كان المشبه به من أبلغ ما يعرفه الناس ضوءا، فقال: (مثل نوره كمشكاة)، وهي الكوة ليست بنافذة، والنبراس: المصباح.
وكان أبو تمام أنشد أحمد بن المعتصم هذه القصيدة، وليس فيها هذان البيتان، فقال يعقوب بن إسحاق الكندي(3) - وكان يخدم أحمد: الأمير أكبر في كل شئ مما شبهته به، فعمل هذين البيتين، وزادهما في القصيدة من وقته، فعجب أحمد وجميع من حضره من فطنته وذكائه، وأضعف جائزته.

وقد ذكر المفسر هذا الشاهد الشعري في قصة الخليفة بعد أن وضح معنى ضرب الأمثال وبعد أن ذكر عدة آيات قرآنية كريمة تتحدث عن ضرب الأمثال، وجاء هذا الشاهد الشعري بعد أن ذكر المفسر آية سورة النور، التي يقول فيها الله ـ عز وجل : الله نُورُ السماوات والأرض مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المصباح فِي زُجَاجَةٍ الزجاجة كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يضيء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ على نُورٍ يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ الله الأمثال لِلنَّاسِ والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ

استخدم المفسر هذا الشاهد الشعري في مواضع عديدة ، في خواطره حول القرآن الكريم، فقد استخدمه تسع مرات في تفسيره لآيات قرآنية كريمة مختلفة وفي عدد من السور.

يشرح المفسر الشاهد السابق عندما يعيده كشاهد في خواطره حول الآية «17» من سورة التوبة، والتي يقول فيها المولى ـ عز وجل: مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ يقول المفسر شارحاً الشاهد الشعري السابق: « وهناك قصة مشهورة للشاعر أبي تمام حين كان يمتدح أحد الخلفاء فقال:
إقدام عمرو في سماحة حاتم
_في حلم أحنف في ذكاء إياس

وهكذا جاء الشاعر بأولئك الذين اشتهروا بالإقدام والشجاعة كعمرو، وبالسماحة والكرم كحاتم، وبالحلم كأحنف بن قيس، وبالذكاء كإياس، وقال الشاعر ممتدحا الخليفة: إنك قد جمعت كل هذه الصفات، التي لم تجمع في واحد من خلق الله من قبل. ولكن أحد المحيطين بالخليفة قال: كيف تمدح الأمير بصفات موجودة في رعاياه، والأمير فوق كل ما وصفت، فهو أشجع من عمرو، وأكرم من حاتم، وأحلم من أحنف، وأذكى من إياس.
وأعطى الله الشاعر بصيرة ليرد على ارتجال ويقول:
لا تنكروا ضَرْبي لَه مَنْ دُونَهُ
_مثلاً شَرُوداً في النَّدَى والباسِ

فاللهُ قَدْ ضَربَ الأقلَّ لنوره
_مثلاً من المِشْكَاةِ والنّبْراسِ

أي: أن الشاعر قال مثلا فقط وليس تحديدا. »

أما في الآية «3» من سورة يونس والتي يقول فيها المولى عز وجل : «إ ِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ » فإن المفسر يذكر الشاهد الشعري السابق ولكن في قصة شعرية أخرى يقول المفسر: « وأن كل صفة من صفاته يأتي تمثيلها ليقرب المعنى فقط ولا يعطي حقيقة المعنى؛ لأنه سبحانه ليس كمثله شيء. وهكذا فسبحانه له استواء يليق بذاته، لا كاستواء البشر. والشاعر أبو تمام حين جاء ليمدح الخليفة المعتصم، نظر إلى الصفات التي اشتهر بها بعض القوم، «فحاتم» على سبيل المثال كان قمة الكرم و «عنترة» هو قمة الشجاعة، «والأحنف بن قيس» قمة الحكمة، فقال الشاعر أبو تمام عن الخليفة:
إقدام عمرو في سماحة حاتم
_في حلم أحنف في ذكاء إياس

وهكذا صار الخليفة مَجْمع فضائل؛ لأنه أخذ إقدام عمرو، وكرم حاتم، وحلم الأحنف، وذكاء إياس. ولكن حاسد الشاعر قال: إن الأمير فوق كل من وَصَفْتَ، فهؤلاء جميعاً بالنسبة للخليفة صغار. وقال أحد الشعراء:
وشبهه المدَّاح في البأس والنَّدى
_بمَنْ لو رَآهُ كان أصغَر خادِمِ
_ففي جَيْشِه خَمسُون ألْفاً كَعنْتر
_وَفي خَزَائِنه ألفِ حاتمِ

وحين سمع الشاعر الأول ذلك، وكانت قصيدته الأولى «سينية» ، أي: أن آخر حرف في كل أبياتها هو حرف السين، فجاء بأبيات أخرى من نفس بحر القصيدة الأولى: وقال:
لا تنكروا ضَرْبي لَه مَنْ دُونَهُ
_مثلاً شَرُوداً في النَّدَى والباسِ
_فاللهُ قَدْ ضَربَ الأقلَّ لنوره
_مثلاً من المِشْكَاةِ والنّبْراسِ

كذلك في تفسير الآية «74» من سورة النحل، والتي يقول فيها المولى ـ عز وجل: «فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» يستخدم المفسر نفس الشاهد ولكن بشرح متغير قليلاً عما سبق، يقول: « فأبو تمام حينما أراد أن يمدح الخليفة شبَّهه بمشاهير العرب في الشجاعة والكرم والحِلْم والذكاء، فقال:
إقدام عمرو في سماحة حاتم
_في حلم أحنف في ذكاء إياس

فاعترض على هذا التشبيه أحد حُسَّاد أبي تمام، وقال له: كيف تُشبّه الخليفة بأجلاف العرب؟ ففي جيشه ألف واحد كعمرو، ومن خَزَنته ألف واحد كحاتم. . ولكن يخرج أبو تمام من هذا المأزق، ويُفلِت من هذا الفخ الذي نصبه له حاسده، قال على البديهة:
لا تنكروا ضَرْبي لَه مَنْ دُونَهُ
_مثلاً شَرُوداً في النَّدَى والباسِ
_فاللهُ قَدْ ضَربَ الأقلَّ لنوره
_مثلاً من المِشْكَاةِ والنّبْراسِ

كذلك أيضاً في خواطر المفسر حول الآية«32» من سورة الكهف، والتي يقول فيها المولى ـ عز وجل : « وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا» يقول المفسر: « وضَرْب المثل يكون لإثارة الانتباه والإحساس، فيُخرجك من حالة إلى أخرى، كذلك المثَل: الشيء الغامض الذي لا تفهمه ولا تعيه، فيضرب الحق سبحانه له مثلاً يُوضِّحه ويُنبِّهك إليه؛ لذلك قال: واضرب لهُمْ مَّثَلاً وسبق أن أوضحنا أن الأمثال كلام من كلام العرب، يردُ في معنى من المعاني، ثم يشيع على الألسنة، فيصير مثلاً سائراً، كما نقول: جود حاتم، وتقابل أي جَوّاد فتناديه: يا حاتم، فلما اشتهر حاتم بالجود أُطلِقَتْ عليه هذه الصفة. وعمرو بن معد اشتُهِر بالشجاعة والإقدام، وإياس اشتُهِر بالذكاء، وأحنف بن قيس اشتهر بالحلم». ثم يذكر المفسر الأبيات الشعرية.

وفي تفسير الآية «48» من سورة الأنبياء، والتي يقول فيها المولى ـ عز وجل: « وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ » يذكر المفسر البيت الأول فقط من الشاهد الشعري السابق ليبين أن العرب كانت تضرب الأمثال في الفراسة والذكاء بإياس بن معاوية.

أما في خواطره حول الآية 27 من سورة الروم والتي يقول فيها المولى عز وجل: « وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » فالمفسر يذكر قصة الشاهد الشعري كاملة كما ذكرتها كتب الأدب، يقول المفسر: « ولهذا المثل قصة شهيرة في الأدب العربي، فقد فطن إليها أبو تمام في مدحه أحد الخلفاء، وحين أراد أنْ يجمع له مَلَكات العرب ومواهبهم من الجود والشجاعة والحِلْم والذكاء، قال مادحاً:
إقدام عمرو في سماحة حاتم
_في حلم أحنف في ذكاء إياس

وقد اشتهر عمرو بن معدي كرب بالشجاعة والإقدام، واشتهر حاتم الطائي بالكرم، وأحنف بن قيس بالحلم حتى قيل «أحلم العرب» فلا يُغضِبه شيء أبداً، ولا يُخرجه عن حِلْمه، حتى أن جماعة قصدوا أنْ يخرجوه عن حِلْمه، فتكون سابقة لهم فتبعوه في الطريق، وأخذوا يهزءُون به وهو يضحك، حتى قارب من الحي، فنظر إلى هؤلاء الفتية وقال: أيها الفتية، لقد قربنا من الحيِّ، فإنْ كان في جوفكم استهزاء بي فافرغوا منه؛ لأنهم لو ظفروا بكم لقتلوكم.
أما إياس بن معاوية فكان مَضْرب المثَل في الذكاء، وهكذا جمع أبو تمام لممدوحه خلاصة ما تعرفه العرب من مواهب. وهنا قام له واحد من خصومه وقال: أتُشبِّه الخليفة بأجلاف العرب، فمَنْ يكون هؤلاء إذا ما قُورِنوا بأمير المؤمنين؟
وهذا الاعتراض مأخوذ من قول الشاعر:
وشبهه المدَّاح في البأس والنَّدى
_بمَنْ لو رَآهُ كان أصغَر خادِمِ
_ففي جَيْشِه خَمسُون ألْفاً كَعنْتر
_وَفي خَزَائِنه ألفِ حاتمِ

فلما قيل لأبي تمام: كيف تشبه الخليفة بأجلاف العرب أحجم هنيهة ثم رفع رأسه، وقال:
لا تنكروا ضَرْبي لَه مَنْ دُونَهُ
_مثلاً شَرُوداً في النَّدَى والباسِ
_فاللهُ قَدْ ضَربَ الأقلَّ لنوره
_مثلاً من المِشْكَاةِ والنّبْراسِ

ومع دقَّة الاستشهاد وطرافته إلا أن خصومه اتهموه بأن ذلك ليس ارتجالاً لوقته، إنما هو مُعدٌّ لهذا الموقف سلفاً، وبعض الدارسين للأدب يقول بذلك وقاله لنا مدرس الأدب، لكن يُروَى أنهم لما أخذوا الورقة التي مع أبي تمام لم يجدوا فيها هذه الأبيات، ثم على فرض أن الرجل أعدَّها قبل هذا الموقف فإنها تُحسَب له لا عليه، وتضيف إليه ذكاءً آخراً؛ لأنه استدرك على ما يمكن أنْ يُقال فاستعد له».

كذلك أيضاً في تفسيره للآية 58 من سورة الروم، والتي يقول فيها المولى عز وجل : « وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ ». يذكر المفسر الشاهد الشعري السابق، ويذكر الأبيات ونجده في خواطره هنا يقف إلى جانب الشاعر، ويصفه بالذكاء، يقول المفسر: « وسبق أنْ ذكرنا ما كان من مدح أبي تمام لأحد الخلفاء:
إقدام عمرو في سماحة حاتم
_في حلم أحنف في ذكاء إياس

فقال أحد حُسَّاده على مكانته من الخليفة: أتشبه الخليفة بأجلاف العرب؟ فأطرق هنيهة، ثم أكمل على نفس الوزن والقافية:
لا تنكروا ضَرْبي لَه مَنْ دُونَهُ
_مثلاً شَرُوداً في النَّدَى والباسِ
_فاللهُ قَدْ ضَربَ الأقلَّ لنوره
_مثلاً من المِشْكَاةِ والنّبْراسِ

الأعجب من هذا أنهم أخذوا الورقة التي معه، فلم يجدوا فيها هذين البيتين، وهذا يعني أنه ارتجلهما لتوّه، وقد قلت: والله لو وجدوا هذه الأبيات مُعدة معه لما قلَّل ذلك من شأنه، بل فيه دلالة على ذكائه واحتياطه لأمره وتوقعه لما قد يقوله الحساد والحاقدون عليه». فالمفسر يقول" وسبق أن ذكرنا" مما يوضح أن المفسر قد استخدم هذا الشاهد كثيراً في خواطره.

وفي الآية 43 من سورة الأحزاب، والتي يقول فيها المولى ـ عز وجل: « هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا» نجد أن المفسر يذكر قصة الشاهد الشعري السابق كاملة، وبذلك يكون المفسر قد وضح كيف يكون ضرب الأمثال، وبين لنا بصورة قريبة وواضحة المقصود بالأمثال، وأنها مجرد توضيح وتبيين وتفسير للشيء حتي يستطيع الإنسان فهم ما لا يستطيع إدراكه.

ولم يتفرد المفسر بهذا الشاهد في تفسيره وخواطره، فقد استخدمه من قبله النسفي في تفسيره أيضاً حول آية سورة النور. وكذلك استخدمه الخطيب في تفسيره أيضاً لنفس الآية.

الشاهد (5) الخَلْفُ والخليفة

يقول الشاعر
ذهب الذين يعاش في أكنافهم
_وبقيت في خلف كجلد الأجرب

استخدم المفسر هذا الشاهد الشعري، أثناء تفسيره لقول الله ـ عز وجل ـ في الآية القرآنية الكريمة: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ

هذا البيت الشعري قد قاله لبيد في الذم، بعد أن ذهب أهل السماحة والجود والكرم، ويوضح لنا المفسر معنى هذا البيت في تفسيره؛ لكن في موضع غير هذا الموضع يقول: "الشاعر هنا يبكي موت الكرماء وأهل السماحة، فلم يعد أحد من الذين كان يعيش في رحاب كرمهم وسماحتهم؛ فقد ذهب الذين يُعاش في أكنافهم أي جوارهم؛ لأن هذا الجوار كان نعمة أيضاً. وحين يجاور رجل ضُيِّق وقُدِر عليه رزقه رجلاً طيباً عنده نعمة، فتنضح عليه نعمة الرجل الطيب. والشاعر هنا قال: «وبقيت في خَلْفٍ كجلد الأجرب» أي أن جلده قريب ولاصق لكنه جلد أجرب".

وعن بيت لبيد هذا ذكر القرطبي في تفسيره:
َقَالَ الشَّعْبِيُّ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ! ذَمَّتْ دَهْرَهَا، وَأَنْشَدَتْ بَيْتَيْ لَبِيدٍ:
ذَهَبَ الَّذِينَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِمْ
_وَبَقِيتُ فِي خَلَفٍ كَجِلْدِ الْأَجْرَبِ
_يَتَلَذَّذُونَ مَجَانَةً وَمَذَلَّةً
_وَيُعَابُ قَائِلُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَشْغَبِ

فَقَالَتْ: رَحِمَ اللَّهُ لَبِيدًا فَكَيْفَ لَوْ أَدْرَكَ زَمَانَنَا هَذَا! فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَئِنْ ذَمَّتْ عَائِشَةُ دَهْرَهَا لَقَدْ ذَمَّتْ (عَادٌ) دَهْرَهَا، لأنه وجد في خزانة (عاد) بعد ما هَلَكُوا بِزَمَنٍ طَوِيلٍ سَهْمٌ كَأَطْوَلِ مَا يَكُونُ مِنْ رِمَاحِ ذَلِكَ الزَّمَنِ عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ:
بِلَادٌ بِهَا كُنَّا وَنَحْنُ بِأَهْلِهَا
_إِذِ النَّاسُ نَاسٌ وَالْبِلَادُ بِلَادُ

الْبِلَادُ بَاقِيَةٌ كَمَا هِيَ إِلَّا أَنَّ أَحْوَالَهَا وَأَحْوَالَ أَهْلِهَا تَنَكَّرَتْ وَتَغَيَّرَتْ.

تتحدث الآية القرآنية الكريمة عن الخليفة في الأرض، بينما يتحدث الشاهد الشعري عن الخلف، وأراد المفسر أن يوضح لنا الفرق في المعنى،فـ(الخلْف بسكون اللاّم): الأولاد، و(الخلَف بفتح اللام): الْبَدَل ولداً كان أو غيره، وقيل: (الخلَف بالفتح): الإنسان الصالح. و(الخلْف بالجزم): الإنسان الطالح؛ وبذلك فإن لكمة( الخلَف، بالفتح): تستخدم في المدح، بينما كلمة( الخلْف، بالسكون): تستخدم في الذم، وهذا ما ذهب إليه الفراء.

وجاء في معجم العين (الخليفة): من استخلف مكان من قبله، ويقوم مقامه، والجن كانت عمارَ الدنيا فَجَعَلَ الله آدم وذُريَّتَه خليفةً منهم، يعمرونها، وذلك قوله- عز أسمه-:« إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً».

وذكر المفسر هذا الشاهد بعد أن ذكر الآية «59» من سورة مريم، في سياق خواطره حول سورة البقرة؛ ليوضح الفرق بين المعنيين لكلمة(خلف)، يقول المفسر: « والله سبحانه وتعالى يخبرنا أن البشر سيخلفون بعضهم إلى يوم القيامة، فيقول جل جلاله: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ الصلاة واتبعوا الشهوات فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً. ولكن هذا يطلق عليه خَلْفٌ. ولا يطلق عليه خليفة».

ثم يذكر لنا المفسر الفرق بين المعنيين لكلمة (خلف) يقول: « والخَلَف أو الخَلْف أو الخليفة هو من يأتي بعد ذلك، ويقال: فلان خليفة فلان، ومن قبل قرأنا أن سيدنا موسى قال لسيدنا هارون: اخلفني فِي قَوْمِي أي كن خليفة لي، إلا أنك حين تسمع «خَلْفُ» بسكون اللام، فاعلم أنه في الفساد، وإن سمعتها «خَلَفٌ» بفتح اللام فاعلم أنه في الخير، ولذلك حين تدعو لواحد تقول: اللهم اجعله خير خَلَف لخير سلف. وهنا يقول الحق:فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ والحديث هنا عن أنهم هم الفاسدون والمفسدون ».

وهذا البيت اتخذه المفسر شاهداً ثلاث مرات عبر خواطره حول القرآن الكريم، الأولى في الآية «30» من سورة البقرة، والثانية في الآية«169» من سورة الأعراف، والمرة الأخيرة في الآية «59» من سورة مريم.

ولم ينفرد المفسر بهذا البيت كشاهد في خواطره، فقد استخدم المفسرون من قبله نفس هذا البيت في تفاسيرهم.

ففي تفسير الآية«169» من سورة الأعراف، استخدم العديد من المفسرين هذا الشاهد في تناولهم بالشرح والتبيين لتوضيح الفرق بين استخدام كلمتي(خلَف) و(خلْف)، فقد استخدمه كل من: الطبري، القرطبي، الثعالبي، ابن عطية، الخازن، أبو حيان، أبو العباس، النيسابوري، شمس الدين، الشوكاني، وطنطاوي.

وفي تفسير الآية«59 » من سورة مريم، اتخذه شاهداً كل من : الماوردي، الرازي، الشنقيطي، أبو حفص، الصابوني.
واتخذه الثعالبي شاهداً في تفسيره حول سورة النساء ضمن حديث أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ عندما ذكرت بيتي لبيد،وكذلك في تفسيره حول سورة الأعراف وسورة الرعد.

وانفرد كل من: القاسمي في اتخاذ هذا البيت شاهداً في تفسيره للآية«40 » من سورة إبراهيم، فلم يستخدم المفسرون السابقون هذا البيت في تفسير هذه الآية، كما انفرد محمد رشيد رضا بهذا البيت كشاهد في تفسيره للآية «45» من سورة هود، كما انفرد به القرطبي في تفسيره للآية«58» من سورة النساء.

الشاهد (6) مرجع العلم

يقول المفسر: ويحضرني قول الشاعر أحمد شوقي حين قال:
سبحانك اللهم خير معلم
_علمت بالقلم القرون الأولى
_أرسلت بالتوارة موسى مرشدا
_وابن البتول فعلم الإنجيلا
_وفجرت ينبوع البيان محمدا
_فسقى الحديث وناول التنزيلا

وكان شوقي يصوغ في أبياته أن كل علم هو منسوب إلى الله وحده

استخدم المفسر هذا الشاهد الشعري، في خواطره حول القرآن الكريم، وتفسيره لقول الله ـ عز وجل في الآية القرآنية الكريم: قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ

وفي هذا الشاهد يوضح المفسر أن مرجع العلوم جميعها هو الله ـ عز وجل ـ وهو معلم الملائكة والبشر والخلق أجمعين، وقد اعترف الملائكة بأن مرجع العلم هو الله ـ سبحانه وتعالى ـ وأنهم لا علم لهم، فإذا كان هذا هو حال الملائكة تجاه العلم، وأنهم لا يعلمون، فإن حال البشر يؤكد كذلك أنهم لا يعلمون إلا ما علمهم الله ـ عز وجل .

واستخدم المفسر هذا الشاهد الشعري في تفسير آيتين من القرآن الكريم في سورتين مختلفتين، الآية الأولى هي آية سورة البقرة السابقة، والآية الأخيرة هي الآية«160 » من سورة الأعراف، والتي يقول فيها الله ـ سبحانه وتعالى:وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ

ويرى المفسر أن الشاعر وُفق في اختيار جملة( فسقي الحديث)، ليبين الفرق في تنزيل القرآن الكريم ومناولته من الله ـ عز وجل ـ لنبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ والفرق بين الحديث النبوي الشريف، وأن الشاعر في البيت الأول يتحدث عن العلم بصفة عامة في جميع القرون الأولى، ثم خص الوحي والكتب السماوية في البيت الثاني وذكر وحي الله ـ عز وجل ـ لسيدنا موسى ـ عليه السلام ـ ووحيه لسيدنا عيسى ـ عليه السلام ـ ثم خص البيت الثالث وافرده لنبينا وحبيبنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول المفسر: « ثم جاء لسيدنا محمد وقال:
وفجرت ينبوع البيان محمداً
_فسقى الحديث وناول التنزيلا

وهنا توفيق رائع في العبارة حين قال: «فسقى الحديث» ، فالحديث سقيا أما القرآن فمناولة من الله لخلقه»

وانفرد المفسر بهذا الشاهد الشعري في تفسيره، فلم يستخدمه السابقون، ولا المعاصرون من المفسرين، في توضيحهم لمعاني القرآني الكريم، وهو الشاهد الشعري الأول الذي يستخدمه المفسر لشاعر من شعراء العصر الحديث.

الشاهد (7) المعري بين إنكار البعث وإثباته

يقول المفسر: ويقول المعرّي في آخر حياته:
زعم المنجّم والطبيب كلاهما
_لا تحشر الأجساد قلتُ إليكما
_إن صــــــحّ قــولـكــمـــا فلسْـت بخـاســــر
_أو صــــح قـولـي فـالـخـســارُ عـليكـمـــا

ذكر المفسر هذا الشاهد الشعري، في خواطره حول قول الله ـ عز وجل ـ في الآية القرآنية الكريمة: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
ويوضح المفسر من خلالهما أن المكذب بالآخرة إنسان خاسر، وعلى النفس البشرية أن تستعد للقاء الله ـ عز وجل ـ وأن تترك كلام الملحدين والمكذبين وأصحاب الادعاءات الكاذبة من المنجمين المضللين، فهنا يوضح الشاعر أن الخسران لمن هم يشككون في البعث في الآخرة، فالذي يؤمن بالبعث والحشر لن يضره إيمانه شيئاً إذا لم يوجد هناك بعث، أما إذا وجد بعث فإنه قد آمن من قبل بذلك فسينفعه إيمانه، ويوضح الشاهد أن الخاسر الوحيد هو: الذي ينكر الحشر والبعث، يقول المفسر: « أي أن المؤمن بالبعث إن لم يكسب فلن يخسر، أما أنتم أيها المنكرون فخاسرون. »

ويصنف المفسر حكمة قولية في خواطره حول هذا الشاهد يقول فيها: « أنتم إنْ لم تخسروا فلن تكسبوا شيئاً، ونحن إنْ لم نكسب لن نخسر. »

أما في الآية «39 » من سورة النساء، والتي يقول فيها المولى ـ عز وجل: وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا فإن المفسر يذكر هذا الشاهد الشعري، ضمن قصة حول بيت شعري آخر لنفس الشاعر ليوضح قضية الإيمان بالبعث والحشر، وينفي عن الشاعر ما اتهموه به من أن المعري كان لا يؤمن بالبعث والحشر في أول حياته، يقول المفسر: « ولذلك فهذه المسألة أخرجت «المعرّي» عما اتهموه به من أنه ينكر البعث، صحيح أنه في أول حياته قال:
تحطمنا الأيام حتى كأننا
_زجاج ولكن لا يُعاد لنا سَبْكُ

فقالوا: إن قوله «لا يعاد له سبك» معناه أنه ينفي قدرة الحق على أن يبعثنا مرة ثانية، مع أنه من الممكن أن يتأول فيها، أي لا يعاد لنا سبك في حياتنا هذه، ونحن لا نرى من مات يعود مرة ثانية. ونقول كذلك: إن هذه قالها في أول حياته. ولكنه قال في آخر الأمر:
زعم المنجّم والطبيب كلاهما
_لا تحشر الأجساد قلتُ إليكما
_إن صــــــحّ قــولـكــمـــا فلسْـت بخـاســــر
_أو صــــح قـولـي فـالـخـســارُ عـلـيـكـــمـــا

فهو يطلب من الطبيب والمنجم أن يكفا عن إفساد العقول بالشك. وهب أنه اعتقد ألا بعث، وواحد آخر اعتقد أن فيه بعثاً، نقول له: إما أن يجيء بعث فيكذب من قال: لا بعث، وإما ألا يجيء بعث، فإذا لم يجيء البعث، ما الذي ضر من آمن بالبعث؟ وإذا جاء البعث فمن الذي خسر؟ سيخسر من أنكره، إذن فالذي ينكر البعث يخسر ولا يكسب، لكن من قال: إن هناك بعثاً لا يخسر، وهكذا. »
كذلك في خواطره حول القرآن الكريم في الآية«74» من سورة النساء، والتي يقول فيها المولى ـ عز وجل: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا يعود المفسر ليذكرنا بنفس قصة الشاهد الشعري التي ذكرها سابقاً يقول المفسر: « و«المعرى» قبل أن يهديه الله وكان متشككاً قال:
تحطمنا الأيام حتى كأننا
_زجاج ولكن لا يُعاد لنا سَبْكُ

فقالوا: إنه ينكر البعث، فما دام قد جاء بمثل يقول فيه إن الإنسان كالزجاج إن تحطم فلن يستطيع أحد أن يعيده إلى سيرته الأولى، قال ذلك أيام تكبر الفكر، وهذه تأتي في أيام الغرور، ثم جاءت الأحداث لتلويه وتضرب في فكره وينتهي إلى الإيمان، لكن أكان ضامناً أن يعيش حتى يؤمن؟ فلماذا لم يخلص نفسه من مرارة تجربة الشك؟ ولكنه بعد أن آمن قال: «هأنذا أموت على عقيدة عجائز أهل نيسابور. ربنا حَقُّ وربنا سميع وربنا بصير وقال:
زعم المنجّم والطبيب كلاهما
_لا تحشر الأجساد قلتُ إليكما
_إن صــــــحّ قــولـكــمـــا فلسْـت بخـاســــر
_أو صــــح قـولـي فـالـخـســارُ عـلـيـكـــمـــا

أي إن صحّ قولكما على أنه لا بعث وقمت أنا بالأعمال الطيبة في الدنيا، فماذا أكون قد خسرت؟ إنني لن أخسر شيئاً، وإن صحّ قولي وفوجئتم بالآخرة والبعث فأنا الذي يكسب والخسران والبوار والعذاب عليكما، إذن فإيماني إن لم ينفعني فلن يضرني، وكلامكما حتى لو صح - وهو غير صحيح ولا سديد - فلن يضرني. »

أيضاً في تفسير الآية 82 من سورة النساء، والتي يقول فيها المولى عز وجل أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا يعود المفسر ليذكرنا بنفس الشاهد، ولكن بطريقة جديدة، يقول المفسر: فالقرآن كتاب كبير به أربع عشرة ومائة سورة، بالله هاتوا أي أديب من الأدباء كي يكتب هذا، ثم انظروا في فصاحته، إنّكم ستجدونه قويا في ناحية وضعيفا في ناحية أخرى، وبعد ذلك قد تجدونه أخل بالمعنى، وقال كلمتين هنا ثم جاء بما يناقضهما بعد ذلك! مثلما فعل أبو العلاء المعري عندما قال:
تحطمنا الأيام حتى كأننا
_زجاج ولكن لا يُعاد لنا سَبْكُ

وكان أيام قوله هذا: ينكر البعث.
وعندما رجع إلى صوابه بعد ذلك قال:
زعم المنجّم والطبيب كلاهما
_لا تحشر الأجساد قلتُ إليكما
_إن صــــــحّ قــولـكــمـــا فلسْـت بخـاســــر
_أو صــــح قـولـي فـالـخـســارُ عـلـيـكـــمـــا

إذن فالتناقض يأتي مع صاحب الأغيار الذي كان له رأي أولاً ثم عدلته التجربة أو الواقع إلى رأي آخر. لكن ربنا سبحانه وتعالى لا يتغير ومعلومه لا يتغير فهو الحق، إذن فالتناقض يأتي إما من واحد يكذب؛ لأن الواقع لم يحكمه، وإما من واحد هو في ذاته متغير، فرأى رأياً ثم عدل عنه، فيكون متغيراً. لكن الحق سبحانه وتعالى لا يتغير. »

أما في خواطره حول الآية 38 من سورة المائدة، والتي يقول المولى ـ عز وجل فيها: «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ » فيذكر المفسر أن كلمة (حكيم) لها في حياته قصة، هذه القصة تدور حول أبي العلاء المعري،عندما كان المفسر في إحدى مراحل التعليم ، يقول المفسر: وكلمة «حكيم» لها في حياتنا قصة، كنا ونحن في مقتبل حياتنا التعليمية نحب الأدب والشعر والشعراء، وبعد أن قرأنا للمعري وجدنا عنده بعضا من الشعر يؤول إلى الإلحاد، فزهدنا فيه وخصوصا عندما قرأنا قوله في قصيدته:
تحطمنا الأيام حتى كأننا
_زجاج ولكن لا يُعاد لنا سَبْكُ

وأخذنا من ذلك القول أنّه ينكر البعث؛ فقلنا: يغنينا الله عنه. ولكن صديقنا الشيخ فهمي عبد اللطيف - رَحِمَهُ اللَّهُ - رأى المعري في الرؤيا وكان مولعا بالمعري، فجاء إلى ذات صباح ونحن في الزقازيق وقال لي: يا شيخ لقد رأيت المعري الليلة في الرؤيا وهو غاضب منك أنت لأنك جفوته. فقلت: أنا جفوته لكذا وكذا وأنت تعلم السبب في ذلك. وقال الشيخ فهمي عبد اللطيف: هذا ما حصل. وقلت لنفسي: يجب أن أعيد حسابي مع المعري، وجئنا بدواوينه «سقط الزند» و «لزوم ما لا يلزم» . ووجدنا أن للرجل عُذراً في أن يعتب علينا؛ لأن آفة الناس الذين يسجلون خواطر أصحاب الفكر أنهم لا ينظرون إلى تأريخ مقولاتهم، وقد قال المعري قوله الذي أنكره عليه وقت أن كان شابا مفتونا بفكره وعندما نضج قال عكسه. وكثير من المفكرين يمرون بذلك، مثل طه حسين والعقاد، بدأ كل منهما الحياة بكلام قد يؤول إلى الإلحاد ولكنهما كتبا بعد النضج ما يحمل عطر الإيمان الصحيح؛ لذلك لا يصح لمن يحكم عليهم أن يأخذهم بأوليات خواطرهم التي بدأوها بالشَّك حتى يصلوا إلى اليقين. وجلست أبحث في المعري الذي قال:
تحطمنا الأيام حتى كأننا
_زجاج ولكن لا يُعاد لنا سَبْكُ

فوجدته هو نفسه الذي قال بعد أن ذهبت عنه المراهقة الفكرية:
زعم المنجّم والطبيب كلاهما
_لا تحشر الأجساد قلتُ إليكما
_إن صــــــحّ قــولـكــمـــا فلسْـت بخـاســــر
_أو صــــح قـولـي فـالـخـســارُ عـلـيـكـــمـــا

كأنه عاد إلى حظيرة الإيمان:
وكذلك قال المعري:
يد بخمس مئين عسجد وُدِيَتْ
_ما بالها قُطِعَت في ربع دينار

وقال بعد ذلك:
تناقض مالنا إلا السكوت له
_وأن نعوذ بمولانا من النار

وقلت للشيخ فهمي عبد اللطيف: للمعري حق في العتاب وسأحاول أن أعاود قراءة شعره، والأبيات التي أرى فيها خروجا سأعدلها قليلا. وعندما جئت إلى ذلك البيت. قلت: لو أنه قال - وأنا أستأذنه -:
لحكمةٍ ما لنا إلا الرضاء بها
_وأن نعوذ بمولانا من النار

فَلكل شيء حكمة.

بذلك يكون المفسر قد استخدم هذا الشاهد سبع مرات خلال خواطره حول القرآن الكريم، المرة الأولى في تفسيره لآية سورة البقرة سابقة الذكر، وفي تفسيره للآية «39» من سورة النساء، والآية«74» من سورة النساء، والآية«82» من سورة النساء ، والآية«28» من سورة المائدة، والآية«16» من سورة طه، والآية«75» من سورة القصص .

هذان البيتان في هذا الشاهد هما محاورة شعرية للمعري، يحاور فيها المنجم والطبيب حول قضية الحشر في الآخرة، والإيمان باليوم الآخر، ويرد زعمهما الكاذب، اللذان يزعمان فيه أن الأجساد لا تحشر، ثم يوضح لهما أنهما هما الخاسران تجاه هذا التحدي، ونذكر هنا هذه الأبيات للمعري:
قال المنجم والطبيب كلاهما
_لا تبعث الأموات قلت إليكما
_إن صح قولكما فلست بخاسر
_أو صح قولي فالخسار عليكما
_أضحى التقى والشرّ يصطرعان في
_الدنيا فأيهما أبرّ لديكما
_طهرت ثوبي للصلاة وقبله
_جسدي فأين الطهر من جسديكما
_وذكرت ربي في ضميري مؤنساً
_خـلـدي بـذاك فـاوحـــشـــــا خــلـديــكـــمــــا
_وبكرت في البردين أبغي رحمة
_منه ولا تريان في برديكما
_إن لم تعد بيدي منافع بالذي
_آتي فهل من عائد بيديكما
_برد التقيّ وأن تهلهل نسجه
_خير يعلم الله من برديكما

الشاهد (8) الأثر الحقيقي للضرب

يقول المفسر: « ولكن الله سبحانه وتعالى أراد بضربة واحدة من العصا أن ينفلق الحجر. . ولذلك يقول الشاعر:
أيا هازئاً من صنوف القدرْ
_بنفسك تعنف لا بالقدرْ
_ويا ضاربا صخرةً بالعصا
_ضربْتَ العصا أم ضربْتَ الحجرْ

استخدم المفسر الشاهد السابق في خواطره الإيمانية حول الآية«60» من سورة البقرة، والتي يقول فيها المولى عز وجل: « وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ »

يقول المفسر في خواطره حول قول الله عز وجل:اضرب بِّعَصَاكَ الحجر« لنا معها وقفة، الإنسان حين يستسقي الله، يطلب منه أن ينزل عليه مطرا من السماء، والحق تبارك وتعالى كان قادرا على أن ينزل على بني إسرائيل مطرا من السماء. ولكن الله جل جلاله أراد المعجزة، فقال سأمدكم بماء ولكن من جنس ما منعكم الماء وهو الحجر الموجود تحت أرجلكم، لن أعطيكم ماء من السماء، ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يُرِي بني إسرائيل مدى الإعجاز، فأعطاهم الماء من الحجر الذي تحت أرجلهم. ولكن من الذي يتأثر بالضرب: الحجر أم العصا؟ . . العصا هي التي تتأثر وتتحطم والحجر لا يحدث فيه شيء. . ولكن الله سبحانه وتعالى أراد بضربة واحدة من العصا أن ينفلق الحجر».

فالذي يهزأ من أنواع القدر المذهلة والمحيرة للعقول، إنه في نهاية الأمر إنما يُعنف نفسه لا أكثر.
فالقدر وعجائبه لا تنتهي، فانظر إلى ضارب الصخرة بالعصا؛ مَن هو الضارب ومن هو المضروب؟ إن العقل يقول: إن العصا هي التي تتكسر وتتأثر من شدة صلابة الحجر، فلا يمكن للعصا أن توهن الحجر وتضعفه، ولكن الله ـ عز وجل ـ في الآية السابقة جعل الحجر هو الذي يتأثر من فعل العصا، فسبحانه عز وجل، قادر على كل شيء.

وفي الآية«11» من سورة الكهف، والتي يقول المولى ـ عز وجل ـ فيها: « فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا» استخدم المؤلف نفس الشاهد الشعري السابق في خواطره حول هذه الآية، ووضح أن الشاعر تحدث عن المعترضين عن القدر، وبين المفسر أن المقصود بالضرب هو اللمس الشديد المباشر بالشيء بقوة أعلى وأعنف من الشيء الملموس أو المضروب.

كذلك في الآية «58» من سورة الروم ، استخدم المفسر نفس الشاهد الشعري السابق في خواطره حول الآية القرآنية الكريمة التي يقول فيها المولى ـ عز وجل : «وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ».

ويشرح المفسر من خلال هذا الشاهد الشعري أن المهمة الأساسية للضرب هي الألم، أي أن مهمة الضارب هي أن يحدث ألماً في المضروب، ولا توجد مهمة أخرى غير هذه المهمة، في الوقت ذاته ألا يتوجع الضارب من إجراء هذا العمل، أما إذا تألم الضارب فكأنه قد ضرب نفسه، وهذا ما قاله الشاعر في بيته الشعري.

وقد تفرد المفسر بهذا الشاهد في تفسيره وخواطره حول الآيات الثلاث التي فسرها واستخدم البيتين الشعريين السابقين شاهداً أثناء خواطره، فلم يأتِ بهذا الشاهد أي مفسر من السابقين أو المعاصرين.

أما الآيات الثلاث التي استخدم المفسر الشاهد الشعري السابق في تحليلها، فقد سبق الإشارة عنها، وهي: الآية«60» من سورة البقرة، الآية«11» من سورة الكهف والآية «58» من سورة الروم.

الشاهد (9) « القوم» كلمة خاصة بالرجال

يقول الشاعر العربي:
وما أدري ولست أخال أدري
_أَقَوْمٌ آل حصنٍ أم نساءُ

استخدم المفسر الشاهد الشعري السابق، أثناء تفسيره لقول الله ـ عز وجل ـ في الآية القرآنية الكريمة:«وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ».

يبين المفسر من هذا الشاهد الشعري أن معنى كلمة« قوم» هو: رجال، وهذا ما ذكره الشاعر في بيته من أن القوم هم الرجال لأنهم يقومون بتوفير كل ما تحتاجه وما تستلزمه الأسرة.

وأراد الشاعر في هذا البيت الشعري أن يشجع شباب ورجال قبيلته على القتال، والبيت من الإعنات وهو: أن يسأل الشاعر سؤالاً ويعرف إجابته، ولكن هذا السؤال يتوقعه الشاعر من غيره، أو يريد أن يعرفه لغيره، ويستخدمه الشاعر في شتى أغراض الشعر العربي من مدح وذم وتحقير وتعظيم.

بذلك فإن لفظ « قوم» قد دل على الذكور والرجال فقط دون الإناث والسيدات، وهناك من يرى غير ذلك؛ بينما يوضح المفسر أن القوم هم الرجال، ويرجع سبب استخدم هذا اللفظ للرجال «لأنهم يقومون على شئون أسرهم ونسائهم». إذن فالقوامة للرجال، وعلى الرجال أن يقوموا بكل الشئون التي تحتاج إليها المرأة، وفي ذلك يقول المفسر:« والمفروض أن المرأة سكن لزوجها وبيتها وأولادها وهي في هذا لها مهمة أكبر من مهمة الرجال». لأنه عرف عند العرب الجاهليين أن النساء لا تحارب ولا تستطيع أن تواجه الخصم في المعركة الحربية القبلية قديماً، وبذلك فإنه لم يكن لها في أيام العرب القديمة يوم نصر أو يوم دفاع. من هنا استخدم العرب لفظ« القوم» للرجال خاصة أنهم هم الذين يواجهون القبائل الأخرى وحل مشكلات القبيلة.

في موضع آخر يوضح لنا المفسر سبب خصوصية كلمة قوم بالرجال يقول:« وكلمة «قوم» إذا سمعتها ففيها معنى القيام، والقيام هو أنشط حالات الإنسان. وكما أوضحنا من قبل نجد أن الإنسان إما أن يكون قائما وإما أن يكون قاعدا وإما مضطجعا وإما مستلقيا وإما نائما، ونجد أن الراحات على مقدار هذه المسألة، فالقائم هو الذي يتعب أكثر من الآخرين؛ لأن ثقل جسمه كله على قدميه الصغيرتين، وعندما يقعد فإن الثقل يتوزع على المقعدة. وإذا اضطجع فرقعة الاحتمال تتسع. ولذلك يطلقونها على الرجال فقط؛ لأن من طبيعة الرجل أن يكون قواماً، ومن طبيعة المرأة أن تكون هادئة وديعة ساكنة مكنونة. فالقوم هم الرجال. ومقابل القوم هنا «النساء» . إذن فالنساء ليس من طبيعتهن القيام».

ولعل الآية القرآنية الكريمة في سورة الحجرات جعلت المعنى أوضح وأقرب على الأذهان عندما ذكرت كلمة القوم خاصة بالرجال وذكرت كلمة النساء خاصة بالسيدات، وذكر المفسر أيضاً تلك الآية الكريمة أثناء تفسيره لمعنى كلمة القوم، ليوضح المعنى ويقربه إلى العقول البشرية، يقول المولى عز وجل:« لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عسى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عسى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ »

وفي تفسيره للآية 93 من سورة التوبة، والتي يقول فيها المولى عز وجل : « إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» يستخدم المفسر الشاهد الشعري السابق ويقول: «وقلنا من قبل: إن القعود مقابل للقيام، والقيام من صفات الرجولة؛ لأن الرجل قَيَّم على أهله. والقعود للنساء، والخوالف ليست جمع خالف، وإنما هي جمع «خالفة» ، ولا يجمع بها إلا النساء، وكذلك كلمة «القواعد» يقول سبحانه: « والقواعد مِنَ النسآء».

كذلك في تفسيره للآية 105 من سورة الشعراء، والتي يقول فيها المولى عز وجل : « كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ » يقول المفسر موضحاً معنى الكلمة : « القوم: هم الرجال خاصة، وسُمُّوا قوماً؛ لأنهم هم الذين يقومون بأهم الأشياء، ويقابل القوم النساء، كما جاء شرح هذا المعنى في قوله سبحانه: « ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عسى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عسى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ» فالرجال هم القوم؛ لأنهم يقومون بأهم الأمور، وعليهم مدار حركة الحياة، والنساء يستقبلْنَ ثمار هذه الحركة، فينقونها بأمانة ويُوجِّهونها التوجيه السليم».

بذلك يكون المفسر استخدم الشاهد السابق ثماني مرات، وفسر به الآية«67» من سورة البقرة، والآية«117» من سورة النساء، والآية«11» من سورة المائدة، والآية«59» من سورة الأعراف، والآية«46» من سورة التوبة، والآية«93» من سورة التوبة، والآية«30» من سورة الفرقان، والآية«105» من سورة الشعراء.

ولم يتفرد المفسر بهذا الشاهد الشعري في تفسيره، حيث قد استخدمه كل من النسفي ، وإسماعيل حقي، في تفسيرهما.

الشاهد (10) معنى التمني

يقول المفسر: « ولذلك قالوا إن من معاني التمني اختلاق الأشياء، الشاعر الذي قال:
أَلا لَيْتَ الشَّبابَ يعودُ يوماً
_فَأُخْبِرُهُ بما فَعَلَ المَشِيبُ

هل الشباب يمكن أن يعود؟ طبعاً مستحيل، هذا شيء لن يحدث، والشاعر الذي قال:
لَيْتَ الكواكبَ تَدْنُو لِي فَأَنْظمَهَا
_عُقُودَ مَدْحٍ فَما أَرْضَى لَكُمْ كَلِمِ

استخدم المفسر الشاهد الشعري السابق، في خواطره حول الآية 78 من سورة البقرة، والتي يقول فيها المولى ـ عز وجل :« وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ».

استخدم الشاعر كلمة خاصة بالتمني، وهي أداة النصب (ليت) ويرى العسكري أن: « التَّمَنِّي معنى فِي النَّفس يَقع عِنْد فَوت فعل كَانَ للمتمني فِي وُقُوعه نفع أَو فِي زَوَاله ضَرَر مُسْتَقْبلا كَانَ ذَلِك الْفِعْل أَو مَاضِيا... وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي التَّمَنِّي التَّقْدِير»

ويرى المفسر أن التمني هو حب حدوث الشيء،يقول: « لكن ما الأماني؟ إنها تطلق مرة بدون تشديد الياء ومرة بتشديد الياء، فإن كانت التخفيف تكون جمع أمنية. وإن كانت بالتشديد تكون جمع أمنية بالتشديد على الياء، الأمنية تجدها في القرآن الكريم في قوله تعالى: لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ولا أَمَانِيِّ أَهْلِ الكتاب مَن يَعْمَلْ سواءا يُجْزَ بِهِ هذه بالنسبة للجمع، أما بالنسبة للمفرد في قوله تعالى: وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تمنى أَلْقَى الشيطان في أُمْنِيَّتِهِ ما هي الأمنية؟ الأمنية هي الشيء الذي يحب الإنسان أن يحدث ولكن حدوثه مستحيل، إذن لن يحدث ولن يكون له وجود».

و«التَّمَنِّي حَدِيثُ النَّفْسِ بِمَا يَكُونُ وَبِمَا لَا يَكُونُ». ويشرح المفسر بيت عمارة اليمني الذي يقول فيه:
لَيْتَ الكواكبَ تَدْنُو لِي فَأَنْظمَهَا
_عُقُودَ مَدْحٍ فَما أَرْضَى لَكُمْ كَلِمِ

يقول المفسر شارحاً: «هل النجوم ستنزل من السماء وتأتي إلى هذا الشاعر. . ينظمها أبيات شعر إلى حبيبته، إذن من معاني التمني الكذب والاختلاق» و« التمني عادة أن تطلب شيئاً يستحيل أو لم تجر به العادة» ويشرح المفسر الشاهد الشعري قائلاً:
أَلا لَيْتَ الشَّبابَ يعودُ يوماً
_فَأُخْبِرُهُ بما فَعَلَ المَشِيبُ

تمنىّ الشاعر أن يعود الشباب يوماً فهل هذا يتأتى؟ إنه لا يتأتى. أو أن يقول قائل: ليت الكواكب تدنو لي فأنظمها، هل يمكن أن يحدث ذلك؟ لا. ولكن هذا القول يدل على أن هذا الشيء محبوب وإن كان لم تجر به العادة، أو هو مستحيل» وهذا «لون من الطلب يدل على أن الطلب محبوب، لكنه لا يقع وقد يقع»، « والتمني في بعض صوره هو طلب المستحيل غير الممكن للإشعار بأن طالبه يحب أن يكون».

والتمني يدل عل حب الشيء، ولكن هذا الشيء قد يكون من المستحيل أن يقع، فلا يرجع الشباب إلى الشيخ العجوز، ولن تدنو الكواكب إلى الشاعر كي ينظمها حبات عقد لحبيبته، وتستخدم كلمات دالة على ذلك منها كلمة ( ليت)، و«ليت» تعني التمني وهو مستحيل ولا يُتَوَقّع، ونحن نتمنى لنظهر أن هذا أمر محبوب لنا، لكننا نعلم أنه مستحيل، مثلما قال الشاعر العجوز:
أَلا لَيْتَ الشَّبابَ يعودُ يوماً
_فَأُخْبِرُهُ بما فَعَلَ المَشِيبُ

إنه يعلم يقيناً أن الشباب لن يعود ولكن قوله يدل على أن الشباب فترة محبوبة».

ويختلف الرجاء عن التمني، فقد وضحنا أن التمني لن يحدث، أما الذي يحدث فهو الرجاء، بمعنى أن الرجاء قد يحدث ويقع بالفعل، يقول المفسر: « فإظهار الشيء المحبوب له لونان: لون يتأتى، ولون لا يتأتى، فالذي يتأتى اسمه (رجاء) ، والذي لا يتأتى نسميه (التمني)»، « والرجاء هو طلب شيء محبوب متوقع، والتمنى طلب شيء محبوب إلا أنه غير ممكن الحدوث، ولكن تعلن بتمنّيك أنه أمر تحبه».فالرجاء « طلب فعل ممكن الحدوث».

وقد استخدم المفسر الشاهد السابق في تفسيره ثماني مرات، حيث استخدمه في تفسير الآية سابقة الذكر وهي الآية«78» من سورة البقرة، وفي تفسير الآية«32» من سورة النساء، والتي يقول المولى عز وجل فيها: « وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا»، وكذلك استخدمه المفسر في تفسير الآية«80» من سورة النساء، والتي يقول فيها المولى عز وجل:« مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا»،وفي تفسير الآية«27» من سورة الأنعام، والتي يقول فيها المولى عز وجل: « وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»، وفي تفسير الآية«304» من سورة الأعراف، والتي يقول فيها المولى ـ عز وجل: « وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»، وفي تفسير الآية«102» من سورة التوبة، والتي يقول فيها المولى ـ عز وجل : « وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ »، وفي تفسير الآية«7» من سورة يونس، والتي يقول فيها المولى ـ عز وجل : « إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ»، وفي تفسير الآية«79» من سورة الإسراء، والتي يقول فيها المولى ـ عز وجل: « وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا».

وتفرد المفسر بهذا الشاهد في تفسيره،فلم يستخدمه أحد من المفسرين السابقين، ولم يتناولوا هذا الشاهد ضمن تفاسيرهم.

وقد تناول المفسر في هذا الشاهد معنى كلمة التمني، والفرق بينها وبين كلمة الرجاء، كذلك وضح أن هناك كلمات تدل على التمني مثل كلمة(ليت) وكلمات تدل على الرجاء مثل كلمة( عسى).

ونهج المفسر منهجه التذكيري الذي يكرر فيه الشواهد الشعرية ليذكرنا بما سبق أن فسره في المعنى المماثل للكلمة التي يشرحها في خواطره حول القرآن الكريم.

الشاهد (11) الأماني بين الحقيقة والخيال

يقول المفسر: « يقول الشاعر
مُنَى إِنْ تَكُنْ حقاً تَكُنْ أَحْسَنَ الْمنَى
_وَإِلاّ فَقَدْ عِشْنَا بِهَا زَمَناً رَغْدَا

يعني الأماني لو كانت حقيقة أو تستند إلى الحقيقة فإنها أحسن الأماني لأنها تعيش معك، فإن لم تكن حقيقة يقول الشاعر: قد عشنا بها زمنا رغدا .
أماني من ليلى حسان كأنما
_سقتنا بها ليلى على ظمأ بردا

وقوله تعالى: تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ تبين لنا أن الأماني هي مطامع الحمقى لأنها لا تتحقق».

استخدم المفسر الشاهد السابق في خواطره حول الآية القرآنية الكريمة التي يقول فيها المولى ـ عز وجل : « وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ».

قمت بتقديم هذا الشاهد عن موضعه الأصلي؛ حتى يكتمل شرح معنى كلمة (التمني)، ولأن هذا الشاهد يتكامل مع الشاهد السابق في تفسير كلمة (الأمنية والتمني). والموقع الصحيح لهذا الشاهد كما جاء في ترتيب "تفسير الشعراوي" هو الشاهد رقم (14) من خلال العد الرقمي الترتيبي للشواهد الشعرية التي استخدمها المفسر. ولكني قدمت هذا الشاهد وجعلته يلي الشاهد السابق مباشرة لما رأيت أنه يشرح نفس مغنى الكلمة التي في الشاهد المذكور.

يوضح الشاهد السابق أن التمني يشوبه الكذب والصدق، ولذلك قال الشاعر أن أمانيه تحققت فهي أحسن الأماني في حياته، وإن لم تتحق لأن الأماني لا تتحقق فإنه قد عاش بأمنياته هذه أجمل الأوقات من خلال أفكاره وأحلامه نحو هذه الأمنيات.
لذلك يصفون الأماني بالحقيقة في أحيان قليلة جداً، وفي أغلب وأكثر الأحيان يصفون الأماني بالكذب لأنها لا تتحقق، وهي مجرد أهواء يريدها الإنسان، وهناك البعض القليل أيضاً يصف الأماني بالصدق، ولكنه الصدق الخيالي داخل الذهن فقط.

يقول المفسر: « ما هي الأماني؟ هي: أن تعلق نفسك بأمنية وليس لهذه الأمنية سند من الواقع يوصلك إلى تحقيق هذه الأمنية، ولكن إذا كان التمني قائما على عمل يوصلك إلى تحقيق الأمنية فهذا شيء آخر، بعض الناس يقول التمني وإن لم يتحقق فإنه يروح عن النفس، فقد ترتاح النفس عندما تتعلق بأمل كاذب وتعيش أياما في نوع من السعادة وإن كانت سعادة وهمية، نقول إن الصدمة التي ستلحق بالإنسان بعد ذلك ستدمره؛ ولذلك لا يكون في الكذب أبدا راحة، فأحلام اليقظة لا تتحقق لأنها لا تقوم على أرضية من الواقع وهي لا تعطي الإنسان إلا نوعا من بعد عن الحقيقة».

وهناك أقوال في عالمنا العربي توضح حقيقة الأماني ومعناها، منها قول العامة: " الأماني مهنة المفاليس"، حيث أن هذا المفلس لا شيء له إلا التمني دون عمل أو فائدة أو نتاج يخطو به خطوة إلى الأمام أو يقدمه نحو الواقع بشيء يتميز به.

لذلك يقول المفسر: « والأماني هي أن ينصب الإنسان في خياله شيئاً يستمتع به من غير أن يخطو له خطوة عمل تقربه من ذلك، ومثال ذلك الإنسان الذي نراه جالساً ويمني نفسه قائلاً: سيكون عندي كذا، وكذا وكذا ولا يتقدم خطوة واحدة لتحقيق ذلك، أي أنه استمتع بهذه الأماني في أحلام اليقظة سواء أكانت هذه الأحلام امتلاك قصر أم سيارة أم غير ذلك. وكل أمنية لا تحفز الإنسان إلى عمل يقربه منها هي أمنية كاذبة، ولذلك يقال: (إن الأماني بضاعة الحمقى) والشيطان يمني الإنسان بأنه لا يوجد بعث ولا جزاء».
وقد ذكر المفسر هذا الشاهد مرتين في خواطره حول القرآن الكريم، الأولى في الآية الكريمة سابقة الذكر، والآخيرة في الآية«119» من سورة النساء، والتي يقول فيها المولى ـ عز وجل :« وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا».

ولم يتفرد المفسر بهذا الشاهد، حيث استخدمه أبو حفص النعماني في تفسيره.

الشاهد (12) معنى كلمة اليتيم

يقول شوقي رَحِمَهُ اللَّهُ:
لَيْسَ الْيَتِيمُ مَنِ انْتَهَى أَبَوَاهُ مِنْ
_هَمِّ الْحَيَاةِ وَخَلَّفََاهُ ذَلِيلاَ
_إِنّ الْيَتِيمَ هُوَ الَّذِي تَلْقَى لَهُ
_أُمَّاَ تَخَلَّتْ أَوْ أَباًً مَشْغُولاَ

يتحدث الشاهد السابق عن تخلي الوالدين عن ابنهما، الأم التي تهمل الجانب التربوي، والأب الذي يهمل مسئولية الإرشاد والتوجيه،

وقد استخدم المفسر الشاهد السابق أثناء تفسيره لقول الله ـ عز وجل: « وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ» .

ويشرح المفسر الشاهد السابق موضحاً معنى كلمة اليتيم، ومَن هو اليتيم؟ يقول: « واليتيم هو: من فقد أباه وهو طفل لم يبلغ مبلغ الرجال؛ هذا في الإنسان. أما في الحيوان فإن اليتيم من فقد أمه؛ لأن الأمومة في الحيوان هي الملازمة للطفل، ولأن الأب غير معروف في الحيوان ولكن الأم معروفة. اليتيم الذي فقد أباه فقد من يعوله ومن يسعى من أجله ومن يدافع عنه. والله سبحانه وتعالى جعل الأم هي التي تربي وترعى، والأب يكافح من أجل توفير احتياجات الأسرة؛ ولكن الحال انقلب الآن ولذلك يقول شوقي رَحِمَهُ اللَّهُ:
لَيْسَ الْيَتِيمُ مَنِ انْتَهَى أَبَوَاهُ مِنْ
_هَمِّ الْحَيَاةِ وَخَلَّفََاهُ ذَلِيلاَ
_إِنّ الْيَتِيمَ هُوَ الَّذِي تَلْقَى لَهُ
_أُمَّاَ تَخَلَّتْ أَوْ أَباًً مَشْغُولاَ

إن اليتيم يكون منكسرا لأنه فقد والده فأصبح لا نصير له، فإذا رأينا في المجتمع الإسلامي أن كل يتيم يرعاه رعاية الأب كل رجال المجتمع، فذلك يجعل الأب لا يخشى أن يترك ابنه بعد وفاته، إذن فرعاية المجتمع لليتيم تضمن أولاًـ حماية حقه، لأنه إذا كان يتيماً وله مال فإن الناس كلهم يطمعون في ماله، لأنه لا يقدر أن يحميه. هذه واحدة. والثانية ـ أن هذا التكافل يُذْهِب الحقد من المجتمع ويجعل كل إنسان مطمئنا على أولاده» .

لذلك فالإنسان الذي يترك أولاده دون تربية، ودون رعاية كاملة، هم بمثابة الأيتام، بل قد يكون الأيتام أفضل منهم من حيث أنهم قد يجدوا من يرعاهم، ويكفلهم، بل وقد يرعاهم المجتمع.

فاليتيم ليس من هو يحرم من الأمومة والأبوة، بل أيضاً من يحرم من التربية والرعاية الموجهة إلى الطرق القويمة للتنشئة الصحيحة في المجتمع المتحضر الذي يقوم على ركني العلم والإيمان. واليتيم هو المنفرد من الأشياء، فكل منفرد يتيم،وجمع كلمة اليَتيمُ أيْتامٌ ويَتامى.

والشاهد الشعري من القصيدة المشهورة (قم للمعلم) لأمير الشعراء، والتي مطلعها:
قُـم لِـلـمُـعَـلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا
_كـادَ الـمُـعَـلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا

أَعَـلِـمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي
_يَـبـنـي وَيُـنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا
_سُـبـحـانَـكَ الـلَهُمَّ خَيرَ مُعَلِّمٍ
_عَـلَّـمـتَ بِـالقَلَمِ القُرونَ الأولى
_أَخـرَجـتَ هَذا العَقلَ مِن ظُلُماتِهِ
_وَهَـدَيـتَـهُ الـنـورَ المُبينَ سَبيلا
_وَطَـبَـعـتَـهُ بِـيَـدِ المُعَلِّمِ تارَةً
_صَـدِئَ الـحَـديدُ وَتارَةً مَصقولا
_أَرسَـلـتَ بِالتَوراةِ موسى مُرشِداً
_وَاِبـنَ الـبَـتـولِ فَـعَلَّمَ الإِنجيلا
_وَفَـجَـرتَ يَـنبوعَ البَيانِ مُحَمَّداً
_فَـسَـقـى الحَديثَ وَناوَلَ التَنزيلا

من خلال هذا الشاهد يوضح المفسر اهتمام الإسلام باليتيم، والاعتناء به، وكفالته، وتربيته، وتوجيهه، وأن كل الرجال في المجتمع بمثابة أب له من حيث الرعاية والاهتمام، وذلك لأن الذي يتولى أمر الرعاية والكفالة هم الرجال، ويعطي القرآن الكريم لليتيم اهتماماً اجتماعياً خاصاً .

أما الشاهد الشعري، فقد استخدمه المفسر في خواطره حول القرآن الكريم ثلاث مرات، الأولى في تفسير الآية «83» من سورة البقرة، والتي يقول فيها المولى ـ عز وجل : « وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ». وكذلك في تفسير الآية «32» من سورة الأنعام، والتي يقول فيها المولى ـ عز وجل: « وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ»، وكذلك في تفسير الآية «107» من سورة الكهف، والتي يقول فيها المولى ـ عز وجل: « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ».

وتفرد المفسر بهذا الشاهد الشعري، فلم يسبقه غيره في اتخاذ هذه الأبيات كشاهد شعري في تفسير معنى اليتيم، وكذلك لم يستخدمه المفسرون في كتبهم وتفاسيرهم المتنوعة سواء في تفسير تلك الكلمة أو غيرها.

الشاهد (13) حب الجنة

يقول المفسر: وعبد الله بن رواحة كان يحارب وهو ينشد ويقول:
يا حبذا الجنة واقترابها
_طيبة وبارد وشرابها

استخدم المفسر هذا الشاهد الشعري، في خواطره حول الآية القرآنية الكريمة، التي يقول فيها المولى ـ عز وجل: « وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ». حيث تحدى القرآن الكريم اليهود بأن يتمنوا الموت، وبالفعل لم يتمنوه ولو حتى جدلاً. وهنا يذكر المفسر ويوضح الفرق بين الذين يتمنون الموت ويحبون الجنة، وبين الذين يفرون من الموت ويخافونه، وقد تحداهم القرآن حتى بأن يذكروا الموت في أمنية ولو من باب الرياء.

والشاهد السابق هو جزء من أبيات شعرية قالها الشاعر الصحابي الجليل عبد الله بن رواحه، وهو يقاتل الروم، حيث قال في هذه الأبيات:
يا حبـذا الجنـة واقترابـها
_طيبـة وبـارد شرابهـا
_والروم روم قد دنا عذابـها
_كافـرة بعيدة أنسابـها
_عليّ إذا لاقيتها ضرابـها

والأبيات السابقة كانت شاهداً شعرياً أنشد به الصحابة وهم يرون أمام أعينهم الجنة، ففي غزوة مؤتة عندما استشهد زيد بن حارثة أخذ «الراية جعفر بن أبي طالب وتقدم فقاتل حتى إذا ألجمه القتال نزل عن فرسه فعرقبه وهو يقول:
يا حبـذا الجنـة واقترابـها
_طيبـة وبـارد شرابهـا
_والروم روم قد دنا عذابـها
_كافـرة بعيدة أنسابـها

فقطعت يمينه فأخذ الراية بشماله فقطعت شماله فاحتضن بصدره واستشهد وقتل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة»

فالأبيات السابقة استخدمت في شعارات الحرب، وأنشدها الصحابة في معاركهم مع الأعداء، وتدل على حب الشهادة في سبيل الله ـ عز وجل ـ كذلك استخدمت الأبيات السابقة كدليل لحب الجنة.

وقد استخدم المفسر الشاهد السابق مرة واحدة في تفسيره عامة وخواطره حول القرآن الكريم، وذلك في الآية سابقة الذكر، وهي الآية«95» من سورة البقرة، والتي يقول فيها المولى ـ عز وجل: « وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ».

حيث لم يذكر المفسر هذا الشاهد بعد ذلك خلال خواطره.
ولم ينفرد المفسر باستخدام هذا الشاهد الشعري في تفسيره فقد استخدم أبو حيان هذا الشاهد الشعري في تفسيره، وكذلك استخدمه المراغي في تفسيره، وكذلك استخدمه ابن عاشور التونسي في تفسيره.

الشاهد (14) طباق السلب

يقول المفسر : « واقرأ قول الشاعر:
رُزِقُوا وما رُزِقٌوا سَمَاحَ يد
_فكأنهم رُزِقُوا وما رُزِقُوا
_خُلِقُوا وما خُلِقُوا لمكرُمَةٍ
_فكأنهم خُلِقُوا وما خُلِقُوا

استخدم المفسر الشاهد السابق في تفسير الآية «103» من سورة البقرة، والتي يقول المولى ـ عز وجل ـ فيها: « وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ».

وهذا الشاهد من المحسنات البديعية، التي تسمى (طباق السلب) أي أن يذكر الشاعر أو المؤلف الشيء ثم ينفيه، ومنه قول الله ـ عز وجل : « فلا تخشو الناس واخشون »، وطباق السلب هو جمع بين الكلمة وضدها في المعنى، مما يعطي جمالاً في اللفظ والتعبير، والشاهد السابق يؤكد فيه الشاعر هجاء الذي عنده المال وسعته ولكنه يمضي عمره كله في غير الكرم والجود، فكأنه ما أُعطي المال ولا الحياة، حيث جمع الشاعر بين الكلمات وضدها، ومنه قول أبي فراس:
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر
_أما للهوى نهي عليك ولا أمر

حيث ذكر الشاعر كلمتين متضادتين من طباق السلب هما كلمة (أمر) وكلمة (نهي).

وكذلك قول أبي الطيب:
ولقد عرفت وما عرفت حقيقة
_ولقد جهلت وما جهلت خمولا

وقد ذكر المفسر هذا الشاهد الشعري مرة واحدة خلال خواطره في تفسير القرآن الكريم، وبيّن أن الذي أوتي العلم سيكون حجة عليه هذا العلم يوم القيامة وليته لم يؤتيه إذا لم يعمل به ويعلمه.

ولم يتفرد المفسر بهذا الشاهد حيث استخدمه كل من: محمد رشيد رضا في تفسيره، ومحمد سيد طنطاوي في تفسيره.

الشاهد (15) أسباب الموت

والشاعر يقول:
إن نام عنك فكل طب نافع
_أو لم ينم فالطب من أسبابه

استخدم المفسر الشاهد الشعري السابق في تفسيره للآية القرآنية الكريمة، التي يقول فيها المولى ـ عز وجل: « وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ »،

فأسباب الموت متعددة وقد يكون الطب أحد أسباب الموت، ويشرح لنا المفسر هذا الشاهد الشعري يقول: « أي إن لم يكن قد جاء الأجل، فالطب ينفعك ويكون من أسباب الشفاء، أما إذا جاء الأجل فيكون الطب سببا في الموت، كأن تذهب لإجراء عملية جراحية فتكون سبب موتك، فالإنسان لابد أن يتمسك بالإسلام وبالمنهج ولا يغفل عنه أبدا، حتى لا يأتيه الموت في غفلته فيموت غير مسلم،والعياذ بالله». فالموت واحد، ولكن أسبابه متعددة، ويقف الإنسان حائراً أمام هذه القضية العظيمة التي حيرت عقول العلماء والفلاسفة عبر الأزمان المختلفة.
ولكن السبب الحقيقي للموت هو انقضاء الأجل، ونهاية المرحلة العمرية في هذه الدنيا الدنية، ثم ما يأتي بعد ذلك من أسباب يقال عنها هي سبب الموت إنما هي في حقيقتها أمر تجعل هذا الجسد ينتهي أمره وتخرج منه روحه؛ لتنتقل إلى العالم الآخر.

ويبقى الموت الحقيقة الكبرى في هذه الحياة التي لا يستطيع أن يواجهها مواجه، حتى أن أكثر الناس علماً وقفوا عاجزين أمام هذه الحقيقة، فما استطاع الفراعنة أن يفعلوا شيئاً تجاه هذه الحقيقة، فقط استطاعوا الاحتفاظ بالجسد تحنيطاً ليكون شاهداً ودليلاً على النهاية الحتمية لكل إنسان حتى وإن احتفظوا بجسده فلم تعد له فائدة تذكر! ما فائدة الأجساد المحنطة؟ وعما تختلف هذه الأجساد عن العظام التي في القبور؟

إن الله ـ عز وجل ـ أعطى سر التحنيط للفراعنة فقط كمرحلة وقتية بعدها يختفي هذا السر، من أجل تحنيط جسد فرعون مصر فقط ، ليبقى جسد فرعون وبدنه ليكون لمن خلفه آية، ثم أخفى الله ـ عز وجل ـ سر التحنيط حتى لا تختلط الأجساد التي أراد الله ـ عز وجل ـ أن تكون هي الآية للأمم اللاحقة، يقول سبحانه وتعالى: « فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ »،

هذا هو جسد فرعون ها هو مازال أمامكم لكن أين حركته؟ وذهابه وإيابه؟ وأحاسيسه؟ وكل أفعاله؟ أين هو هذا الفرعون ها هو جسد محنط أمام أعينكم؟ أين هو وقد قال: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي، وقال:أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى، أين هو هذا الفرعون الذي قال ذلك؟ ها هو أمام أعينكم ! جسداً محنطاً لا يتحرك، آية لكل الأمم اللاحقة، لماذا لم يعد يتحرك؟ لقد جرت عليه حقيقة الموت كما تجري على كل إنسان، إذن لقد سقطت عنه الألوهية هذا الفرعون لأن الإله لا يموت.

يقول المفسر: « الله سبحانه وتعالى أخفى موعد الموت ومكانه وسببه،ليكون هذا إعلاما به ويتوقعه الناس في أي سن وفي أي مكان وفي أي زمان، ولذلك قد نلتمس العافية في أشياء يكون الموت فيها ».

ويذكر المفسر مع هذا الشاهد أن الموت ليس بيد الإنسان فالمنتحر قد يشعل في نفسه النار ولكنه لا يموت رغم أن النار تكون قد حرقت جسده وشوهته كثيراً لكن الموت ليس بيد الإنسان، لم يأت الأجل بعد، مهما حاول الإنسان المنتحر التخلص من حياته فإن الأمر ليس بيده، وهكذا المنتحر غرقاً وغيرهم.

وقد استخدم المفسر هذا الشاهد ثلاث مرات في تفسيره وخواطره حول القرآن الكريم شاهداً حول أسباب الموت، فقد استخدمه المفسر شاهداً أثناء تفسيره للآية «132» من سورة البقرة، سابقة الذكر، وكذلك شاهداً في الآية «145» من سورة آل عمران، والتي يقول فيها المولى ـ عز وجل: « وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ »، وشاهداً في الآية«61» من سورة الأنعام، والتي يقول فيها المولى ـ عز وجل : « وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ».

ولم يذكر المفسر اسم الشاعر في الشاهد السابق أثناء تفسيره لآية سورة البقرة، بينما ذكر اسم الشاعر لنفس الشاهد في تفسيره للآيتين التاليتين في خواطره وهما الآية «145» من سورة آل عمران والآية«61» من سورة الأنعام. كما ذكر مع الشاهد السابق بيتين آخرين لنفس الشاعر من نفس القصيدة.

وتفرد المؤلف بهذا الشاهد ، فلم يذكره غيره من المفسرين السابقين، أو المعاصرين.

والشاهد من قصيدة طويلة لأمير الشعراء أحمد شوقي، يقول فيها:
في المَوتِ ما أَعيا وَفي أَسبابِهِ
_كُلُّ اِمرِئٍ رَهنٌ بِطَيِّ كِتابِهِ
_أَسَدٌ لَعَمرُكَ مَن يَموتُ بِظُفرِه
_عِندَ اللِقاءِ كَمَن يَموتُ بِنابِهِ
_إن نامَ عَنكَ فَكُلُّ طِبٍّ نافِعٌ
_أَو لَم يَنَم فَالطِبُّ مِن أَذنابِهِ
_داءُ النُفوسِ وَكُلُّ داءٍ قَبلَهُ
_هَمٌّ نَسينَ مَجيئَهُ بِذَهابِهِ
_النَفسُ حَربُ المَوتِ إِلّا أَنَّها
_أَتَتِ الحَياةَ وَشُغلَها مِن بابِهِ

وقصيدة شوقي هذه تتحدث جميع أبياتها عن الموت في حكمة شعرية، وضح فيها الشاعر أن من يموت بظفر الأسد، كمن يموت بنفس ناب هذا الأسد، فالموت واحد ولكن الأسباب متعددة ومتنوعة، وإن كان الإنسان ينظر إلى أسباب الموت وتبهره وتشده وتدهش عقله كثرة الأسباب وتنوعها لكن النهاية الحتمية والحقيقة الواضحة الجلية هي انتهاء المرحلة العمرية لهذا الإنسان.

فعلى الإنسان أن يستعد لهذا اليوم الذي يفارق فيه الدنيا،وأن يعمل صالحاً لآخرته، لأنه لن يعود إلى هذه الدنيا ثانية .

الشاهد (16) الحق والقوة

يقول الشاعر:
السيف إن يزهى بجوهره
_وليس يعمل إلا في يدي بطل

استخدم المفسر الشاهد السابق في تفسير الآية القرآنية الكريمة، التي يقول فيها المولى ـ عز وجل : « الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ »، ويوضح من خلاله المفسر أن الحق لا بد له من قوة تحميه وتدافع عنه، تمامًا مثل وجود السلاح فإذا كان هذا السلاح لا توجد قوة تستخدمه. فما فائدة السلاح ؟ هكذا الحق يحتاج إلى القوة التي تظهره وتوضحه أمام الأعين، كذلك السلاح يحتاج إلى قوة تستخدمه بمهارة وذكاء.

يقول المفسر:« فما فائدة أن يكون معك سيف بتار، دون أن توجد اليد القوية التي ستضرب به، ونحن غالبا نكون مضيعين للحق لأننا لا نوفر له القوة التي ينتصر بها».

وقد ذكر المفسر هذا الشاهد مرة واحدة في تفسيره وخواطره حول القرآن الكريم، كذلك قد انفرد المفسر بهذا الشاهد الشعري، فلم يستخدمه المفسرون في تفاسيرهم.

الشاهد (17) غلاء الأسعار

قال إبراهيم بن أدهم:
وإذا غلا شيء عليَّ تركته
_فيكون أرخص ما يكون إذا غلا

استخدم المفسر الشاهد السابق في تفسير الآية القرآنية الكريمة، التي يقول فيها المولى ـ عز وجل: « وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ».

وهذا الشاهد يوضح لنا كيفية مواجهة الغلاء والأسعار المرتفعة، فبكل بساطة رأى إبراهيم ابن أدهم أنه لا حاجة له للأشياء المرتفعة الأسعار الآن، وقد تركها إلى حين رخصها فيشتريها، فبذلك يكون قد اشتراها أرخص من غيره، وهذه هي الطريقة المثلى والفعالة في مقاومة الاحتكار والمحتكرين، وأيضاً في مواجهة الغلاء وارتفاع الأسعار.

ويذكر المفسر قصة تبين كيف لنا أن نواجه الغلاء والارتفاع المستمر في الأسعار؟ وهذه القصة قيل أنها لإبراهيم بن أدهم، ولكن المفسر لم يذكر صاحب القصة. يقول المفسر:« وقديماً قالوا لأحدهم: قد غلا اللحم، فقال: أَرْخِصوه، قالوا: وكيف لنا ذلك؟ قال: ازهدوا فيه.
وقد نظم ذلك الشاعرُ فقال:
وإذا غلا شيء عليَّ تركته
_فيكون أرخص ما يكون إذا غلا

ولا تَقُلْ: النفس توَّاقة إليه راغبة فيه، فهي كما قال الشاعر:
وَالنفْسُ رَاغِبةٌ إِذَا رغَّبْتَها
_وَإِذَا تُرَدّ إلى قَلِيل تَقْنَعُ

وفي حياتنا العملية، قد يعود الإنسان من عمله ولمَّا ينضج الطعام، ولم تُعَد المائدة وهو جائع، فيأكل أيَّ شيء موجود وتنتهي المشكلة، ويقوم هذا محل هذا، وتقنعُ النفسُ بما نالتْه».

وحول مواجهة الغلاء يذكر الراغب الأصفهاني قصة تقول:«اشتهت امرأة مزيد يوماً عليه جراداً فقالت: اشتر لي فإن مدّاً منه بدرهم. فقال: لو جاء الدجال بزلزلة المدينة وأنت ماخض بالمسيح، تنتظرين أن تأكلي الجراد وتضعي الحمل ما اشتريته بهذا السعر».

وواجه الشعراء هذا الغلاء فتمثلوا بالشاهد السابق:
وإذا غلا شيء عليَّ تركته
_فيكون أرخص ما يكون إذا غلا
_أيغلو علي وعندي غيره
_إني إذاً مثل الحمارِ أو اجهلا

إذن لكي نواجه هذا الغلاء علينا مقاطعة الشيء المرتفع الثمن، والبحث عن المثيل الذي هو أرخص عنه، وهذا ليس مواجهة للغلاء فقط بقدر ما هو مواجهة للاحتكار.

وقد استخدم المفسر هذا الشاهد الشعري مرتين خلال خواطره حول القرآن الكريم، الأولى في الآية سابقة الذكر، والأخيرة في الآية«30» من سورة النحل، والتي يقول فيها المولى ـ عز وجل: « وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ».

الشاهد (18) سر بكاء الطفل عند الولادة

يقول الشاعر:
لما تؤذن الدنيا به من صروفها
_يكون بكاء الطفل ساعة يولد

استخدم المفسر هذا الشاهد الشعري أثناء تفسيره وخواطره حول الآية القرآنية الكريمة التي يقول فيها المولى ـ عز وجل: « إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ».

وفي هذا الشاهد الشعري يوضح الشاعر سر بكاء الطفل وصراخه أثناء ولادته، ويختلف المحللون لسر هذه الصرخة التي يهدأ بعدها الطفل، وهنا نعرض بعض الآراء حول سر صراخ الطفل عند ولادته، تجاه تفسير هذا الشاهد الشعري الذي نحن بصدده.

يقول المفسر: « وساعة يولد الولد، ويخرج من بطن أمه يتنبه إلى حياته وإلى ذاتية وجوده بعد أن كان ملتحما بذاتية أمه فهو يصرخ، إنه يبدأ حياته بالصراخ، ولذلك فالذين ينتظرون مولد الطفل عندما يستمعون لصرخته يطمئنون».

يرى المفسر أن سبب صراخ الطفل عند ولادته هو بدأ مرحلة جديدة في حياته، يعتمد فيها هو على نفسه، بعد أن كان معتمداً في حياته داخل الرحم على أمه.
ويرى المفسر أن سر هذه الصرخة هو إقبال هذا المولود على حياة قد تتكون مليئة بالمتاعب والمقاسي، بعد أن كان في راحة، ورغد في الحياة داخل الرحم من حيث أنه لا يشعر بالبرد ولا بالحر ولا بالجوع ولا بالعطش، فقد توفر داخل هذا الرحم جنة كاملة يعيش فيها في نعيم، وكأنه خرج من هذه الجنة مثلما خرج سيدنا آدم من الجنة الحقيقية الفعلية إلى الأرض، هكذا يشعر المولود.

يقول المفسر: « كأن الوليد يقبل على شيء فيه نكد، ولا يلتفت إلى ما في اتساع الدنيا ورغد العيش فيها. وإلا فما يبكيه وإنها لأوسع ما كان فيه وأرغد؟ فكأن صرخة الوليد هي صرخة الانتقال من رحم الأم إلى مواجهة الحياة».

والزمخشري في تفسيره ينفي أن يكون سبب صراخ الطفل وصياحه عند ولادته هو مس أو نخس من الشيطان، ويبعد تمامًا القول بذلك، ولا يرضى به تحليلاً لصراخ الطفل، يقول الزمخشري: « وأما حقيقة المس والنخس كما يتوهم أهل الحشو فكلا، ولو سلط إبليس على الناس ينخسهم لامتلأت الدنيا صراخا وعياطا مما يبلونا به من نخسه».

إذن فتفسير صراخ الطفل عندما يولد بمس من الشيطان،لم يأخذ به الزمخشري، يقول الزمخشري:« وَمَا يُرْوَى فِي الْحَدِيثِ: «مَا مِنْ مولود يُولَدُ إِلَّا وَالشَّيْطَانُ يَمَسُّهُ حِينَ يُولَدُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُ إِلَّا مَرْيَمَ وَابْنَهَا» فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ».

ويرى عبد الكريم يونس الخطيب أن سر البكاء عند ولادة الطفل هو أنه يرى بعينيه ما سيواجهه في هذه الدنيا من متاعب ومشاق خلال رحلة حياته فيصرخ على الفور بعد أن ترتسم الصورة الكاملة لرحلة حياته أمام عينيه في هذه الدنيا الفانية.

يقول الخطيب:« أما الإنسان، فإنه يعيش فى المستقبل أكثر مما يعيش فى الواقع، حتى إنه ليرى بعين الغيب فى يوم مولده، ما هو مقبل عليه من آلام ومكابدات فى مستقبل حياته».

ويرى المفسر أن سبب صراخ الطفل عند ولادته هو حاجته إلى الغريزة من طعام وغذاء ورضاعة فبعد أن انقطع غذاؤه من الحبل السري فإنه يصرخ لحاجته للغذاء، ولأمور حياته الغريزية الطبيعية الأخرى .

يقول المفسر:«كانت حياة الطفل في بطن أمة رتيبة وغذاؤه من الحبل السري، لكنه ساعة ينفصل من أمه تنقطع صلته بجهاز تحضير الغذاء في رحم الأم، وفقد المدد الغذائي في لحظة خروجه من بطن أمه ولم يأته مدد الرضاعة بعد؛ فالرضاعة من مدد الدنيا، ولا يأخذها إلا إذا أخذ أقل نسبة من الهواء ليدير الرئة.....إنها صرخة الغريزة، تماماً مثل ما تسهو أُمه عنه وجاء موعد رضعته فهو يصرخ».

وقد استخدم المفسر الشاهد الشعري السابق مرة واحدة في تفسيره وخواطره حول القرآن الكريم، وذلك في الآية«173» من سور البقرة، سابقة الذكر.

ولم يتفرد المفسر بهذا الشاهد الشعري، فقد استخدم هذا الشاهد كل من الزمخشري، وأبو حيان، وعبد الكريم الخطيب،ومحي الدين درويش.

ويرى ابن الرومي في بيته السابق أن سبب صرخ الطفل عند ولادته؛ هو أنه يشاهد ما سيلاقي في هذه الدنيا من آلام ومتاعب، يقول ابن الرومي:
لما تؤذن الدنيا به من صروفها
_يكون بكاء الطفل ساعة يولد
_وإلا فما يبكيه منها وإنها
_لأفْسَحُ ممَّا كان فيه وأرْغَدُ
_إذا أبصرَ الدنيا اسْتَهلَّ كأنه
_بما سوف يلقى من أذاها يُهَدَّدُ
_وللنفس أحْوال تظلُّ كأنها
_تشاهِد فيها كلَّ غيب سيُشهَدُ

وقصيدة ابن الرومي التي منها الأبيات السابقة تقع في 280 بيتاً.

الشاهد (19) المال أداة وليس غاية

يقول الشاعر:
لا أبالي توفير مالي لدهري
_منفقا فيه في رخاء وبأس
_إن يكن في يدي وليس بقلبي
_فهو ملكي وليس يملك نفسي

استخدم المفسر الشاهد الشعري السابق، في خواطره حول الآية القرآنية الكريمة التي يقول فيها المولى ـ عز وجل : « لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ».

يرى الشاعر أن المال الذي في يده هو أداة يستخدمها لقضاء مصالحه، هذه الأداة يمتلكها هو، ليعطيها لغيره، وغيره يستخدمها أداة ليقضي بها مصالحه،ويعطيها للآخر، وهكذا.

فالمال ليس له مكانة في القلب، حيث لا يمثل المال السعادة ولا يشتريها، ولا يستطيع المال كأداة مادية إلا أن يشتري الأشياء المادية تماماً، مثلما هو مادة يشتري المادة، لكن لا يمكن للمال أن يشتري المعنويات، لكن قد يرفع المال المعنويات ويحفزها لكنه في النهاية أداة ضعيفة ووهنة لا تمثل للإنسان العاقل شيئاً في قلبه.

كثيرون يحبون المال، وَجَمعَ قارون من الأموال ما جعله ينسى أن المال هبة من عند الله ـ عز وجل ـ فقال قارون أنه على علم بكيفية جمع المال، قال الله عز وجل على لسان قارون: « قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي » .

أين قارون؟ وأين أمواله؟ وثرواته؟ التي كانت مفاتيح حجراتها يصعب على مجموعة من الرجال حملها !

وليس معنى هذا الكلام أن نُبذر، فنحن مسئولون عن المال ، من أين أتى؟ وفيما أنفق؟ من هنا يجب علينا اتخاذ المال وسيلة وأداة لقضاء المصالح، لا غاية نسعى للوصل إلى اكتنازها وجمعها والاحتفاظ بها.

ولا يمكن إنكار أهمية المال كوسيلة وأداة، هذه الأداة الضعيفة قد تستطيع أن تعطيك من الأشياء هيكلها لكن لا تستطيع أن تعطيك الجوهر المطلوب.

وقد استخدم المفسر الشاهد السابق مرة واحدة في خواطره حول القرآن الكريم، في الآية سابقة الذكر.

أيضاً تفرد المفسر بهذا الشاهد، فلم يذكر المفسرون السابقون أو المعاصرون هذا الشاهد في تفاسيرهم للقرآن الكريم.

الشاهد (20) قصة قريط الشاعر

يقول الشاعر:
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم
_طاروا إليه زرافات ووحدانا

والثاني يقول:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم
_في النائبات على ما قال برهانا

استخدم المفسر الشاهد السابق في خواطره حول الآية القرآنية الكريمة، التي يقول فيها المولى ـ عز وجل: « يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ » .

وقصة الشاهد الشعري السابق، هي: أن الشاعر قريط بن أنيف قائل البيتين السابقين، كان من قبيلة بلعنبر،وأحد رجالها وشعرائها، وذات مرة أغار عليه لصوص من قبيلة بنى شيبان فسرقوا منه ثلاثين بعيراً علناً جهاراً أمام عينيه، فاستنجد قريط الشاعر الذي نهبت أغنامه استنجد بقومه كي يعينوه على استرجاع ما سرق منه، فلم ينجدوه ولم يساعدوه، ولم يعيروه اهتماماً، فترك قومه وذهب إلى قبيلة ابن مازن ـ وهم بنو عمه ـ واشتكى لهم حاله، وموقف قومه منه، وكيف تركوه وخذلوه، ولم ينجدوه؟ فقام على الفور رجال بني مازن وأغاروا على قبيلة بني شيبان السارقة، وأخذوا منهم غصباً جهاراً نهاراً مائة بعير، عوضاً عن الثلاثين بعيراً التي سرقت من الشاعر؛ ثم أعطوا هذه المائة بعيراً للشاعر وصاروا معه حتى أوصلوه إلى قومه قبيلة بلعنبر سالماً غانماً.

والشاعر يسخر من قومه وكثرة عددهم، ويمدح قوماً آخرين في البيت الأول وهم بنو مازن الذين ساعدوه.

والبيتان السابقان من قصيدة للشاعر في الحماسة يقول فيها:
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي
_بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا
_إذا لقام بنصري معشر خشن
_عند الحفيظة إن ذو لوثة لانــا
_قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم
_طاروا إليه زرافات ووحدانــا
_لا يسألون أخوهم حين يندبهم
_في النائبات على ما قال برهانـا
_لكن قومي إن كانوا ذوي عدد
_ليسوا من الشر في شيء وإن هانا
_يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة
_ومن إساءة أهل السوء إحسانا
_كأن ربك يخلق لخشيتــه
_سواهم من جميع الناس إنســانا
_فليت لي بهم إذا ركبــوا
_شنّوا الإغارة فرسانا وركبــانا

يقول المفسر شارحاً الشاهد الشعري السابق حول بني مازن: « أنهم لا يسألون أخاهم: «لماذا نحارب؟» ، وإنما يحاربون بلا سبب ولأي سبب، فالحمية الرعناء تدفعهم للقتال بلا سبب. وفي مقابل ذلك كانت عندهم نخوة للحق، فعندما يرون شخصا قد ظلمه غيره؛ تأخذهم النخوة، ويأخذون على يد الظالم ».

ولم يستخدم المفسر هذا الشاهد الشعري سوى مرة واحدة في خواطره حول القرآن الكريم، في الآية القرآنية الكريمة سابقة الذكر.

كذلك لم ينفرد المفسر بهذا الشاهد الشعري، حيث استخدم المفسرون السابقون هذا الشاهد في تفاسيرهم، فقد استخدمه: الزمخشري، وأبو العباس السمين الحلبي، وأبو حفص النعماني، ومحمد رشيد رضا، وعبد الكريم الخطيب،والطاهر التونسي

الخلاصة

قد وجد هذا البحث أن الشواهد الشعرية المستخدمة عند كل المفسرين المعاصرين هي من الشعر المقفى الموزون، ولم يلجأ المفسر الإمام إلى استخدام الشواهد من الشعر الحر المنتشر وذائع الصيت في هذا الزمن، ولكنه اتخذ منهج السابقين في اتخاذ الشواهد الشعرية من الشعر العمودي الموزون المقفى، وهذا يعطينا صورة أن الشعر الحر لا يصح اتخاذه شاهداً شعرياً في الدراسات اللغوية أو التفسيرية، هذا وقد شرح الإمام المفسر الشواهد الشعرية في حين استخدامها كما ربط التفسير بالشرح، وبين ووضح للقاريء العادي معاني الكلمات والألفاظ بصورة مبسطة وواضحة.

أهم النتائج

بعد هذا البحث المتواضع، توصلت تلك الدراسة إلى النتائج التالية:
1ـ عدم وجود دراسات كافية حول الشواهد الشعرية في تفسير المفسر الإمام محمد متولي الشعراوي.
2ـ المفسر يكرر بعض الشواهد الشعرية في تفسيره وخواطره حول القرآن الكريم، عند تفسيره لآيات أخرى تحمل نفس المعنى.
3ـ استخدم المفسر بعض الشواهد الشعرية التي استخدمها المفسرون السابقون.
4ـ انفرد المفسر بشواهد شعرية لم يستخدمها السابقون أو المعاصرون من المفسرين.
5ـ في بعض الشواهد الشعرية يذكر المفسر اسم الشاعر، وفي البعض الآخر لا يذكره.
6ـ تنوعت الشواهد الشعرية عند المفسر فشملت شواهد شعرية بلاغية، وأخرى قصصية، وأخرى تفسر معان لغوية.
7ـ تنوعت الشواهد الشعرية عند المفسر فشملت أشعاراً من مختلف العصور الشعرية: العصر الجاهلي، الإسلامي، العباسي، الأموي، الحديث.
8ـ استخدام المفسر للشواهد الشعرية ، منهج استخدمه جميع المفسرين السابقين والمعاصرين.
9ـ المفسر يشرح في بعض الأحيان الشاهد الشعري ويبين قصته ويذكرها. وفي بعض الأحيان الأخرى يكتفي بذكر الشاهد الشعري.
10ـ المفسر من أبرز المفسرين في العصر الحديث ومع ذلك لم يلجأ إلى استخدام الشعر الحر كشاهد شعري في خواطره.
11ـ الشعر الحر لا يصلح شاهداً شعرياً في التفسير القرآني الكريم.
12ـ الشواهد الشعرية في تفسير القرآن الكريم يجب أن تكون من الشعر العمودي الموزون المقفى.
13ـ جميع التفاسير القرآنية الكريمة المعاصرة لم تهتم بالشعر الحر كشاهد شعري.
14ـ لا توجد أهمية للشعر الحر في الدراسات البحثية التي تتناول الشواهد الشعرية في كتب السابقين والمعاصرين اللغوية والتفسيرية.
15ـ دراسة الشواهد الشعرية ليست وليدة العصر الحديث فقد شرح أبو جعفر النحاس أبيات سيبويه. وغيره الكثير من الأقدمين.

التوصيات والمقترحات العلمية

توصي الدراسة بما يلي:
1ـ الاهتمام بدراسة الشواهد الشعرية في التفاسير القرآنية.
2ـ مقارنة الشعر العمودي المقفى بالشعر الحر المنثور في استخدام كل منهما في الشواهد اللغوية أو التفسيرية.
3ـ عمل كتاب يشرح الشواهد الشعرية عند المفسر الإمام محمد متولي الشعراوي.
4ـ الاهتمام بدراسة كتب التفاسير واستخراج ما بها من حكم ومواعظ وارشادات وتوجيهات وقصص وأمور دينية مفيدة لكل المسلمين.
5ـ الالتزام باتخاذ الشاهد الشعري من الشعر المقفى الموزون في الدراسات البحثية ورسائل الماجستير والدكتوراة، وعدم اللجوء إلى استخدام الشعر الحر كشاهد شعري في هذه الدراسات.
6ـ التوثيق العلمي للشواهد الشعرية المستخدمة في الدراسات البحثية من حيث ذكر اسم الشاعر وسبب البيت وعصره وكل ما يتعلق بالشاهد الشعري من أمور تيسيراً على القاريء المتخصص الذي يريد الإلمام بموضوع الدراسة.
7ـ البعد كل البعد عن الشعر الحر في الدراسات البحثية.
8ـ تنويع الشواهد الشعرية في الدراسة البحثية بحيث تشمل جميع العصور الأدبية المختلفة، لتوضيح التطور والتقدم الذي حدث في مجال الدراسة من عدمه.
9ـ الشرح المبسط السريع للشاهد الشعري في هامش وحاشية الدراسة البحثية، حتى لا يلجأ القاريء إلى البحث عن شرح واف للبيت الشعري المتخذ شاهداً، وحتى لا يترك القاريء الدراسة التي يقرأ فيها ويلجأ لغيرها توضح له معنى البيت الشعري.
10ـ مقارنة الشاهد الشعري بمثيله عند الشعراء الذين استخدموا نفس الكلمات، بل وأحياناً نفس المعنى، لتقريب المعنى للقاريء.

المراجع
1ـ القرآن الكريم.
2ـ تفسير الشعراوي، الخواطر،المؤلف: محمد متولي الشعراوي (المتوفى: 1418هـ)،الناشر: مطابع أخبار اليوم.
3ـ سير أعلام النبلاء، تأليف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748هـ) تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الثالثة، 1405 هـ / 1985 م
4ـ المحاضرات في اللغة والأدب، الحسن بن مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ).
5ـ : لسان العرب، محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى (المتوفى: 711هـ)،دار صادر – بيروت، الطبعة: الثالثة - 1414 هـ
6ـ اللباب في علوم الكتاب، أبو حفص سراج الدين عمر بن علي بن عادل الحنبلي الدمشقي النعماني (المتوفى: 775هـ)، المحقق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان، الطبعة: الأولى، 1419 هـ -1998م
7ـ غريب الحديث، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276هـ)،المحقق: د. عبد الله الجبوري، الناشر: مطبعة العاني – بغداد، الطبعة: الأولى، 1397
الكتاب: البدء والتاريخ
8ـ المطهر بن طاهر المقدسي (المتوفى: نحو 355هـ)، مكتبة الثقافة الدينية، بور سعيد
9ـ حياة الصحابة،محمد يوسف بن محمد إلياس بن محمد إسماعيل الكاندهلوي (المتوفى: 1384هـ)،حققه، وضبط نصه، وعلق عليه: الدكتور بشار عوّاد معروف، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان،الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 1999 م
10ـ رجال حول الرسول، خالد محمد خالد ثابت (المتوفى: 1416هـ)،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان،الطبعة: الأولى، 1421 هـ - 2000 م
11ـ البحر المحيط في التفسير، أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي (المتوفى: 745هـ)،المحقق: صدقي محمد جميل، دار الفكر - بيروت، 1420 هـ
12ـ تفسير المراغي، أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371هـ)، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة: الأولى، 1365 هـ - 1946م
13ـ التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد»
المؤلف : محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى : 1393هـ)،الناشر : الدار التونسية للنشر – تونس، 1984 هـ
14ـ تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)، محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني الحسيني (المتوفى: 1354هـ)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1990 م
15ـ اللباب في علوم الكتاب، أبو حفص سراج الدين عمر بن علي بن عادل الحنبلي الدمشقي النعماني (المتوفى: 775هـ)، المحقق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض، دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان، الطبعة: الأولى، 1419 هـ -1998م
16ـ الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ)،دار الكتاب العربي – بيروت.الطبعة: الثالثة - 1407 هـ
17ـ البحر المحيط في التفسير، أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي (المتوفى: 745هـ)، المحقق: صدقي محمد جميل، دار الفكر – بيروت، الطبعة: 1420 هـ
18ـ التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم يونس الخطيب (المتوفى: بعد 1390هـ)، دار الفكر العربي - القاهرة
19ـ إعراب القرآن وبيانه، محيي الدين بن أحمد مصطفى درويش (المتوفى : 1403هـ)، دار الإرشاد للشئون الجامعية - حمص - سورية ، (دار اليمامة - دمشق - بيروت) ، ( دار ابن كثير - دمشق - بيروت)، الطبعة : الرابعة ، 1415 هـ
20ـ الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، أبو العباس، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين الحلبي (المتوفى: 756هـ)، المحقق: الدكتور أحمد محمد الخراط، دار القلم، دمشق.

شواهد سورة الفاتحة وأوائل سورة البقرة

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى