الأحد ٢٩ نيسان (أبريل) ٢٠١٨

العودة الى التراث

الناصر خشيني نابل

عندما نحاول العودة الى التراث فاننا نجد فيه الكثير من الغث والسمين في ان واحد بحيث اختلط الجيد بالرديئ الى درجة كبيرة يصبح معها عملية الغربلة والتنقية للتراث عملية معقدة ومحفوفة بالمخاطر اذ بنيت عليها سياسات وثقافات واقتصاديات وعمران وعادات وتقاليد ترسخت في الاذهان الى درجة عالية من الوثوقية بحيث يحتاج الى جهد جهيد لتغيير كل ذلك لكن الامل يحدونا اننا في عصر الرقمنة والتسارع الآلي للمعلومة وتوفرها مما يمكن ان يخفف العبئ قليلا على المتصدين لهذه المعضلة الكبيرة التي تؤرق المثقفين والواعين بحقائق الاشياء دون ان نعير اي اهتمام بتجار الدين الذين يسعون الى ابقاء الوضع على ما هو عليه دون المس بمكانتهم وامتيازاتهم وسطوتهم الدينية والاجتماعية والمالية وهناك تكون المعضلة بحق لان المتصدي للسائد سيتعرض لا محالة لمصالح هؤلاء الحيوية وتبدا المعركة حامية الوطيس منذ البداية لانهم يمتلكون الاذرع القوية اعلاما ومالا وسلطة واقبالا جماهيريا وغير ذلك من عوامل بقائهم ولكن رغما عن ذلك انه مستقبل امة لا بد من الدفاع عنه بكل ما اوتينا من قوة ورباطة جأش واننا في سبيل الحقيقة الموضوعية والعلم وخدمة لمستقبل هذه الامة المنكوبة والمضطهدة والتي تعاني الامرين من شيوخ الفتنة والضلال لابد ان نقف للحق وننهي هذه المهزلة التي تتخبط فيها أمتنا منذ قرون عندما اعلن انه ليس في الامكان ابداع افضل مما كان وأن لنا أن نجتهد مجددا و ننفض الغبار عما لحق بتراثنا من خزعبلات وأباطيل لا يمكن للعقول السوية ان تصدق انها من ديننا.

من الأكيد ان التراث الاسلامي يتضمن جوانب ايجابية نبني عليها ونضيف اليها ونستلهمها للتطور والتقدم بمجتمعاتنا الى مصاف المجتمعات الراقية والمتطورة التي نهلت من تراثها كما فعلت الدول الغربية عندما انطلقت من الفكر الاغريقي والروماني بما فيه من ايجابيات وبنت عليه تقدمها اضافة الى ما اخذته عنا ولكن هناك ايضا في تراثنا جوانب سلبية نتيجة لظروف تاريخية واجتماعية وسياسية وثقافية فرضت ذلك النوع من التراث في ظروف معينة لكن الخطأ الذي وقعنا فيه اننا ظننا ذلك التراث دينا فحافظنا عليه وهنا الخطورة ان يتحول الانتاج الفكري البشري الى مقدس ونعتبره جزء من المقدس في حين انه مدنس لانه بشري ويخضع الى الظروف التي انتجته في حين ان الديني المقدس ورد ضمن الوحي الالاهي الموجود في القران الكريم وهو الاساس الذي استند عليه الأقدمون لصياغة افكارهم ومعتقداتهم ورؤاهم فصاغوا صياغة بشرية وليست دينا التفسير والحديث والفقه واصول الفقه وعلم الكلام والتصوف وعلوم اللغة والفن المعماري وأدوات العمل والقتال وغيرها من العلوم وسائر فنون الثقافة والأدب وكل مناحي الحياة التي كانت لها صلة جدلية بحياتهم وظروفها

وبالتالي فان الابقاء على تقديس ذلك التراث واعتباره جزء من الدين فانه خطا جسيم يتركنا نعيش على اطلال الماضي ونبقى سجناء لذلك الماضي التليد على اساس انه لا يمكن ابداع افضل مما كان ومن هنا تاتي فكرة انه لا يمكن البقاء عند محلك سر فالواجب يفرض علينا بحكم ما نمتلكه من ادوات التحليل والقدرات العلمية الفذة التي بحوزتنا والتطور العلمي الرهيب ان نتجاوز تلك الأطر التقليدية ونصنع لأنفسنا ثقافتنا الدينية عقيدة وعبادة ومعاملات وأخلاقا انطلاقا من الوحي الثابت وهو القرأن الكريم وبذلك نكون قد خرجنا من قيود الماضي وما فيه من سلبيات وتحررنا في ذات الوقت من الانبهار بالغرب وقيمه وثقافته التي تجعلنا منبتين عن واقعنا وهويتنا العربية الاسلامية ذات المضمون العقلي الذي اكد عليه القران في معظم ثنايا القران الكريم.

حوانيت الفتاوى الدينية في الوطن العربي

لقد انتشرت الفتاوى الدينية في وطننا العربي بشكل مذهل وصلت حد الابتذال اذ تصدى لهذا الأمر من ليسوا أهلا لذلك اذ عمدت عديد الدول الى تسمية مفتين واقامة مراكز للفتوى تنسجم مع سياستها العامة وبالتالي تطويع الدين لينسجم مع تلك السياسة حتى وان كانت خرقاء وتطيح بالدين وذلك أن الأصل في الفتاوى أن ينزل بها القرآن أو يخبر بها صلوات اللّه عليه وسلامه بجوامع كلمه مشتملة على فصل الخطاب، وهذه الأخيرة من السنة الشريفة فى المرتبة الثانية من كتاب اللّه تعالى، ما لم تنقل متواترة ليس لأحد من المسلمين العدول عن العمل بها أو القعود عن اتباعها، بل على كل مسلم الأخذ بها متى صحت امتثالا لقوله تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا الحشر 7، وقوله فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى اللّه والرسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا النساء 59، ومن بعده – صلى اللّه عليه وسلم – قام بالفتوى الفقهاء من الصحابة والتابعين، وقد أورد ابن حزم (الاحكام فى أصول الأحكام ج 5 ص 89 وما بعدها فى الباب الثامن والعشرين) رحمه اللّه تعالى، أسماء عدد كثير من الصحابة والتابعين الذين تصدوا للإفتاء، منسوبين إلى البلاد التى أفتوا فيها.

ولكن نجد مخالفة صريحة لهذا الأصل الذي أجمعت الأمة عليه منذ قرون وخرجت عن هذا الاجماع عديد الدول اذ استقر في أذهان الناس أن مؤسسات علمية مرموقة كالأزهر في مصر أو الزيتونة في تونس يؤخذ عنها العلم الشرعي والفتاوى دون جدل من الناس لكن السياسة فعلت فعلها واستبدل الحكام المؤسسات التقليدية للافتاء بمؤسسات أخرى موهومة وموبوءة لانها تخدم أجندة هذا الحاكم أو ذاك مثل ما فعلت دويلة قطر وبحكم ما تملكه من امكانيات مادية متأتية من بيع النفط العربي حيث لجأت الى استقدام يوسف القرضاوي الذي تخرج من الأزهر وكان أقصى طموح له أن يكون مؤذنا أو كاتب عقود فوفرت له كل الامكانيات المادية والاعلامية وسوقته عبر الجزيرة كعلم من أعلام المسلمين وكونت له جمعية علماء المسلمين لتجعله على رأسها وكانت كل فتاواه تتناغم مع السياسة القطرية الهادفة الى تفتيت الامة العربية وتقسيمها واثارة الفتنة بين المسلمين وعدم المساس بالكيان الصهيوني وكانت فتاواه لقتل القذافي وبشار الاسد وتدمير طرابلس ودمشق ولم نسمع عنه فتوى يدعو فيها الى الجهاد في فلسطين وتحريرها من الغاصبين الصهاينة بل سمعنا ما هو أخطر من ذلك عن طريق طليقته أسماء بن قادة الجزائرية حيث أشارت الى أن له صلات مع الصهاينة وأنه زار الكيان الصهيوني سرا وأنه يتكلم ويكتب باللغة العبرية بطلاقة واذا علمنا انه الان يعتبر من الأثرياء جدا فمن هنا نفهم أن مصالحه المادية دفعت به الى هذا الدرك اضافة الى علمه بوجود قواعد امريكية عسكرية ساهمت في تدمير العراق وقتل الآلاف من شعبها دون ان نسمع له فتوى بهذه المسألة الجوهرية.

أما في السعودية فان هذه المملكة التي أنشأها الأنقليز للعمل على حماية الكيان الصهيوني وتفتيت الوطن العربي والجميع يذكر جيدا كيف أنها وقفت في مواجهة عبد الناصر في الحرب اليمنية ووقفت الى جانب الامام البدر وما يمثله هذا الامام من قمة في التخلف والرجعية وكانت بذلك من أسباب هزيمة مصر في عام 1967 لان مجهودا عسكريا وماديا وبشريا وظفته مصر لتخليص اليمن من الرجعية التي يمثلها نظام الامام البدر فان السعودية بدورها وبحكم الوفرة المالية عملت على نشر المذهب الوهابي كبديل عن الدين الاسلامي الحق وأسست هيئة الافتاء العامة وكونت رابطة علماء الاسلام ومقرها بمكة كتوظيف للمكان للتاثير في النفوس بحيث ان هذه المؤسسات الافتائية لم ينتخبها أحد ولم تكن نتيجة لمؤسسات علمية عريقة كالأزهر أو الزيتونة وكانت في خدمة الحكام الذين لا يكادون يفقهون شيئا بما في ذلك حتى مستواهم التعليمي المتواضع جدا وقد راينا في خطبهم الرسمية والمتسمة بالقصر ولكن مع الاخطاء الفظيعة في النحو والصرف والتهجي بشكل مقزز فكيف لهؤلاء أن يمثلوا الدين الاسلامي انهم بجهلهم يقدمون نموذجا سيئا للاسلام والاسلام الحق بريئ مما يصنعون.

أما في تونس وبعد الثورة فقد استبعد قصدا علماء الدين المؤهلين علميا وعقليا لما يمكن اعتباره افتاء شرعيا وسمح لاناس مستوياتهم العلمية ضئيلة جدا ومعظمهم ليسوا من أصحاب الشأن كأن يكون الواحد منهم دهانا أو خضارا مع احترامي لهذه المهن لكن أن نمكن هؤلاء من الافتاء بمنع المرأة من السفر لوحدها الا بمحرم أو تحريم عصيدة الزقوقو في المولد النبوي أو المطالبة بتعدد الزوجات في الوقت الذي يشهد مجتمعنا حالة مزرية من البطالة والتهميش الا يفكر امثال هؤلاء المتسلقين على الدين في القضايا الجوهرية لشعبنا ام ان همهم خدمة أجندات مشبوهة لابعاد الناس عن قضاياهم الجوهرية واهتمامهم بقضايا هامشية حتى لا يحدث التغيير النوعي المطلوب بعد الثورة وافراغها من مضامينها الحقيقية

وبناء عليه فاننا ننبه الشباب العربي الى ضرورة الانتباه الى مخاطر المتاجرة بالدين والحذر من الدعوات الضالة لهؤلاء التجار من مثل مشروعية الجهاد في سوريا والصمت المريب عن الجهاد في فلسطين وكأن سوريا أضحت بلد الكفر والصهاينة المحتلين للأرض الفلسطينية تحولوا الى حمائم سلام انها دعوات مسمومة تغلف لكم بغلاف الدين الا فانتبهوا لمن تأخذوا عنه الدين انها مسألة في غاية الخطورة اذ هي عبارة عن فتح حوانيت للتجارة بالدين خاصة وانها تدر على اصحابها ملايين الدولارات على حساب الشباب العربي والمسلم فلنعمل جميعا على الاطاحة بهكذا تجارة فاسدة بالدين.

الفتاوى السلطانية والمتاجرة بالدين

ان الفتاوى السلطانية والمتاجرة بالدين أي توظيف الدين لخدمة الأغراض السياسية ليس أمرا جديدا علينا في تاريخنا العربي والاسلامي اذ انطلقت فعاليات هذا الأمر منذ الفتنة الكبرى اذ يكفي التذكير بانحياز عمرو بن العاص الى معاوية بن أبي سفيان في مواجهة علي بن أبي طالب وكذلك أبو هريرة وغيرهما من الصحابة بحيث وصل الأمر الى حد تبادل التهم بين من كانوا ضمن فريق واحد ومثال ذلك ما حصل بين علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس الذي كان واليه على البصرة فعلي يتهم ابن عباس بالاستيلاء على أموال من بيت مال المسلمين وابن عباس يتهم عليا بالولوغ في دماء المسلمين من أجل السلطة.

ثم كان ما كان من الفرق الاسلامية التي وظفت الدين من أجل خدمة أغراضها السياسية اذ نشأت بداية نشأة سياسية و رأت في الدين جانبا مغريا لا بد من استغلاله قهرا للخصوم واقامة للحجة عليهم وانتصارا للتوجه الفكري والعقدي والمذهبي الذي يقود هذه الفرقة أو تلك ولكن الذي نحن متأكدين منه أن هذه الفرق لم تستفد كثيرا من هذا التوظيف وخسرت كثيرا عبر تلك الخصومات الفكرية أو الدموية التي شهدها تاريخ العرب والمسلمين.

ولكن في نفس الوقت أريد أن أشير الى أن الفقهاء الأربعة المشهورين ضمن فرقة أهل السنة والجماعة وهي تقريبا تمثل المرجعية الرسمية للدين الاسلامي فهؤلاء الفقهاء لم يكونوا في يوم من الأيام مفتين للسلطان ومن هنا كانت لهم مكانة مرموقة لدى جماهير الأمة ومن ثم كان استمرار فقههم وتوجهاتهم الفكرية لانها تعبير عن نبض الامة وانسجاما مع ما ثبت من مواقف الدين الاسلامي بعيدا عن املاءات السلطة وقد تعرض الاربعة الى سجون السلطات وتعذيبها ومضايقتها لهم فكانوا بحق وعاظا صادقين مع الأمة وفي مواجهة السلطة.

أما اليوم فما اسهل توظيف الدين والتجارة فيه التي تدر الملايين من الدولارات اضافة الى الشهرة عبر الفضائيات والتنقل والاقامة في أفخم النزل لحضور الندوات والمؤتمرات مقابل الترويج للحاكم حتى وان كان شبه أمي كما هو حاصل لمعظم حكام الخليج حيث انهم حتى لا يحسنون قراءة نص مكتوب بخطوط كبيرة ومع ذلك فان فقهاء السلطان يمجدونهم ويعطونهم هالة من القداسة الدينية تحت عنوان طاعة أولي الأمر وكان المفروض على هؤلاء تقوى الله والبعد عن هذا النفاق لأن ذلك الأمر عاقبته وخيمة جدا ومخالفة صريحة جدا لقوله تعالى: قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ سورة التوبة – اية 24

وهنا يجب التحذيرالشديد لأن التجارة في مثل هذا الموضوع خطيرة جدا فعلى سبيل المثال فتوى سياسية واحدة اودت بحياة 150 ألف مسلم في ليبيا، ومليون ونصف المليون في العراق، وأفغانستان الآلاف من القتلى. وفي سوريا اليوم تجاوز العدد 500 ألف ولا يزال مفتيو السلطان يواصلون تصديهم لتوجية دفة الأمور لصالح الحكام ومصادر تمويلهم ولو أدى بهم الأمر الى الافتاء بقتل العرب والمسلمين وتحليل استدعاء قوات الناتو لتدمير هذا البلد أو ذاك والتغاضي عن الصهاينة في فلسطين المحتلة وتهويدهم للقدس فان هذا الأمر ليس مهما عندهم لأن الحكام يريدون للصهاينة البقاء أبدا محتلين لفلسطين لآن ذلك هو الضمان الوحيد لبقائهم على كراسي الحكم.

وأما مفتيو السلطان فيستفيدون فوائد جمة بحيث تكون لهم السيارات الفخمة جدا وكذلك القصور الفخمة والاموال الطائلة الى حد ان احدهم طلق اكثر من زوجة لرفض اولاده مشاركة امراة اجنبية في المليارات التي سيتركها لهم بعد ان بلغ من العمر عتيا ولا يزال يفتي للسلطان

مع استبعاد غيرهم من العلماء النزهاء وتصغير شأنهم حتى لا يشعر بهم أحد وقد أصبحت الفضائيات تعمد الى خلق نجوم معينة وطمس علماء حقيقيين بحيث تغيرت المعادلة رأسا على عقب ولكن ألا يعلم أولئك المشايخ أن الله قال لهم في محكم تنزيله: يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم (10) تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون (11) يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم (12) وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين (13) صورة الصف.

ورغم كل هذه الصورة القاتمة لا يخلو الامر من وجود مشايخ ورجال دين مسلمين يرفعون الرأس عاليا ويخافون الله ويقولون كلمة الحق ولا يخشون لومة لائم وهذه نعمة والحمد لله، وخاصة ان الاسلام عظيم والمسلمون فيهم العظماء الذين يرفعون هذا الدين عاليآ بما يرضي الله والأمة ورأينا الكثير منهم قالوا كلمة الحق وعروا وكشفوا وعاظ السلاطين والبائعين ضمائرهم بدينهم بفتات من الدنيا ومضيعين على أنفسهم جنة عرضها السماوات والأرض.

الايجابي والسلبي في تراثنا

من الأكيد ان التراث الاسلامي يتضمن جوانب ايجابية نبني عليها ونضيف اليها ونستلهمها للتطور والتقدم بمجتمعاتنا الى مصاف المجتمعات الراقية والمتطورة التي نهلت من تراثها كما فعلت الدول الغربية عندما انطلقت من الفكر الاغريقي والروماني بما فيه من ايجابيات وبنت عليه تقدمها اضافة الى ما اخذته عنا ولكن هناك ايضا في تراثنا جوانب سلبية نتيجة لظروف تاريخية واجتماعية وسياسية وثقافية فرضت ذلك النوع من التراث في ظروف معينة لكن الخطأ الذي وقعنا فيه اننا ظننا ذلك التراث دينا فحافظنا عليه وهنا الخطورة ان يتحول الانتاج الفكري البشري الى مقدس ونعتبره جزء من المقدس في حين انه مدنس لانه بشري ويخضع الى الظروف التي انتجته في حين ان الديني المقدس ورد ضمن الوحي الالاهي الموجود في القران الكريم وهو الاساس الذي استند عليه الأقدمون لصياغة افكارهم ومعتقداتهم ورؤاهم فصاغوا صياغة بشرية وليست دينا التفسير والحديث والفقه واصول الفقه وعلم الكلام والتصوف وعلوم اللغة والفن المعماري وأدوات العمل والقتال وغيرها من العلوم وسائر فنون الثقافة والأدب وكل مناحي الحياة التي كانت لها صلة جدلية بحياتهم وظروفها

وبالتالي فان الابقاء على تقديس ذلك التراث واعتباره جزء من الدين فانه خطا جسيم يتركنا نعيش على اطلال الماضي ونبقى سجناء لذلك الماضي التليد على اساس انه لا يمكن ابداع افضل مما كان ومن هنا تاتي فكرة انه لا يمكن البقاء عند محلك سر فالواجب يفرض علينا بحكم ما نمتلكه من ادوات التحليل والقدرات العلمية الفذة التي بحوزتنا والتطور العلمي الرهيب ان نتجاوز تلك الأطر التقليدية ونصنع لأنفسنا ثقافتنا الدينية عقيدة وعبادة ومعاملات وأخلاقا انطلاقا من الوحي الثابت وهو القرأن الكريم وبذلك نكون قد خرجنا من قيود الماضي وما فيه من سلبيات وتحررنا في ذات الوقت من الانبهار بالغرب وقيمه وثقافته التي تجعلنا منبتين عن واقعنا وهويتنا العربية الاسلامية ذات المضمون العقلي الذي اكد عليه القران في معظم ثنايا القران الكريم.

وبناء على هذا يمكن ان نلاحظ ان موضوع الاضافة الى الدين من المواضيع الهامة في حياتنا اليومية لأنه يمس كل علاقاتنا و ممارساتنا في السياسة و المجتمع و الاقتصاد و سائر حركاتنا و سكناتنا حتى أنه يصاحبنا في أدق و أحرج مراحل حياتنا و لذلك لابد من الانتباه الى عدة أشياء عند الحديث عن هذا الموضوع علما وأن الكثير من الممارسات و العادات و التقاليد و التصرفات التي كنا نظنها من الدين و لكن عندما درسنا حقيقة الدين في الجامعة ة تبين لنا أنها عناصر أضيفت الى الدين من قبل من له مصلحة في هذه الاضافة عبر قرون عديدة اختلطت فيها عوامل الجهل بحقيقة الدين مع عوامل أخرى كالمصالح المادية أو الرغبة السياسية أو عوامل الوراثة للعادات و التقاليد البالية و الخشية من التغيير وبذلك تراكم على الدين كم هائل من الاضافات و الزوائد التي لا يمكن اعتبارها أساسا من الدين بل تصل في حالات عديدة الى مناقضة مبادئه فما هي اهمها حتى نتجنبها ونخلص الى دين الاهي صاف غير معقد ومستساغ يقبل به الذوق الرفيع و العقل السليم حتى يكون ديننا جديرا كما هو في حقيقته الموضوعية بأن يتبع ويكون دين البشرية جمعاء المحقق للأمن والطمأنينة في هذا العالم.

ونبدأ بمسألة العقيدة حيث أتى الدين بالتوحيد لله تعالى وألغى كل ند أو شريك له سواء كان بشرا أو غيره من المخلوقات و الأشياء التي ظل الناس يعبدونها الى يوم الناس هذا ويمكن الاشارة في هذا الصدد الى التوجه بالدعاء و طلب البركة من الأولياء و الصالحين و تقديم القرابين و النذور اليهم واقامة المهرجانات فيها فهذا كله خارج عن اطار الدين و سلوك يؤدي حتما الى الخروج عن القاعدة الأساسية في التوحيد و تقود حتما الى الشرك بالله تعالى وهناك حقائق جوهرية في ديننا يتغافل عنها الكثير من الناس وهي أنه لا وجود لواسطة بين الله وعباده في الدين الاسلامي فبامكان أي كان أن يتوجه مباشرة لله بالدعاء أو العبادة مباشرة دون انتظار اشارة من أحد وآيات عديدة تشير الى هذا المعنى.

اما في خصوص ما يمكن اعتباره اضافة الى الدين في العقيدة ما فعله الشيعة من دون الفرق الاسلامية جميعا عندما أقروا أن الامامة جزء من العقيدة الاسلامية وهم بذلك صادروا الحق الطبيعي للأمة في اختيار حكامها ومحاسبتهم لحساب ولاية الفقيه واعتبار أن الحكام يحكمون بقتضى التفويض الالاهي لهم وبذلك ندخل حلقة مفرغة من التسلط على رقاب الدين باسم الدين وكذلك الجماعات التي تقول بالحكم الالاهي المطلق وتكفر من لم يتفق معهم في هذا فانهم لا يفعلون شيئا سوى توظيف الدين لخدمة أغراضهم السياسية الدنيوية بعيدا عن حقيقة الدين الجوهرية التي تولي مكانة هامة للأمة في تسيير أمور حياتها بنفسها مباشرة و بعيدا عن التوظيف الديني و الذي من المفروض أنه قد تجاوزته الأحداث لكن للأسف مازال قائما لحد الآن.

وفي العبادات هناك الكثير من الخلط بين الجوهري و الثانوي في الدين بحيث يقدم ماهو سنة أومندوب على الواجب في كثير من الحالات ففي مسالة الختان وهي سنة مؤكدة و لكنها لا ترقى الى الواجب بأي حال من الأحوال فان الكثير من الناس يولونها أهمية اكبر من بعض الواجبات الدينية فينفقون الأموال الطائلة على مثل هذا الأمر و لا يؤدون مثلا فريضة الحج بدعوى ادخال أبنائهم الى الدين الاسلامي وفي بعض المناسبات الدينية كالأعياد وشهر رمضان فان الكثير من الناس يركزون على الطعام والموائد الملآنة بصنوف الطعام على حساب الجوهر وهو أداء العبادة فلماذا تحفل أسواقنا في مثل هذه المناسبات أكثر من اللازم لابد من ترشيد المسلمين أن العبرة بالعبادة ليس الشكل وانما هو الجوهر ولكن السائد حقيقة هو الشكل.

وفي العادات والتقالبد هناك اضافات عديدة منها عند الموت اقامة أربعينية الميت أو سنوية له و تقديم الطعام بشكل احتفالي فيه من مظاهر الترف و البذخ و التفاخر و المنافسة بين الناس حول من يبدع في هذا المجال أكثر بحيث تخرج هذه الممارسات عن جوهر الدين و اذا أضفنا اليها ما يفعله الناس من طقوس وممارسات في المقابرعند الزيارة فانك ترى الأعاجيب حتى من أناس محسوبين على التدين من المشايخ و القراء الذين لا يحترمون أبسط قواعد الدين في تصرفاتهم

وحدث ولا حرج عن العادات و التقاليد في الزواج والأجواء الاحتفالية بمثل هذه المناسبات حيث فيها الكثير من الخروج عن ضوابط الدين عن طريق التهريج و القيام بعادات وتقاليد لا علاقة للدين بها سوى تعسير عملية الزواج وجعله يكاد يكون منحصرا على الأغنياء و من الطبيعي عندئذ أن يكثر الفساد في المجتمع نتيجة لمثل هذه التصرفات. لذا لا بد من الانتباه الى مثل هذا الأمر حتى نمارس الدين بكل وعي و لانترك العادات و التقاليد التي أصبحت اليوم بمثابة السلطة القوية التي لا نقدر على مواجهتها في حين أنها تبعدنا كثيرا عن حقائق الدين و توقعنا غالبا في المحظور الذي ينبغي تجنبه حفاظا على ديننا من التبدل ونسيان جوهره في مقابل دين بديل وغريب.

الناصر خشيني نابل

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى