الأربعاء ٢٥ أيار (مايو) ٢٠١١
بقلم ميمون حرش

الـقلـم المشاكس

ثريا جبران تناشد جلالة الملك التدخل للإفراج عن رشيد نيني

ذاك كان العنوان الذي تصدرته جريدة المساء في عددها 1439،ليوم الاثنين 9 ماي 2011، والحق أن ثريا جبران لم تكن الوحيدة التي ارتفع صوتها بضرورة الإفراج عن قلم مشاكس، وهب نفسه للدفاع عن المظلومين عبر منح الرؤية، لمن يفتقدها من قراء صحفنا في المغرب ، إيمانا من الجميع أن مغرب اليوم يجب أن يترفع ، ويثبت للعالم أن السلطة الرابعة بما لها من وزن هي من القوة والأمان بحيث يجب أن ٌتترك الأقلام النزيهة للتعبير في زمن حرية التعبير.

ورشيد نيني صحفي من العيار الثقيل،دأب على منح، فضلا عن المعلومة، المتعة بأسلوبه الشائق الماتع، ولا يختلف حوله اثنان بأنه استطاع بما يكتب عنه أن يسلط الأضواء عليه، من طرف أعدائه أكثر من الأصدقاء، وللتميز ضريبته، وهي غالية حتما، وهو يعرف ذلك جيدا، وكان في عموده الشهير "شوف تشوف" يذكر قراءه بأنه لن يزيغ عن هدفه قيد أنملة في منح هذه الرؤية عبر الخبر الجديد، والأخذ بيد كل من لا يتحسس طريقه جيدا...

لم يكن نيني يقترح الحلول لمشاكل كثيرة طرحها، بل كان يفضح، ويفضح ويعري الأشياء، كل الأشياء من خلال خبر يحرص فيه على الجدة،حتى يطرح الأشياء طرحا صحيحا يقيم به الدنيا ولا يقعدها ،وكان يهز بما يكتب عنه أركان بعض المسؤولين، ولم تكن هذه الأشياء عنده لتخرج من دائرة اهتمامه، الصغيرة قبل الكبيرة، ولم يكن ليهتم إلا بأمور لا تخطر على بال،ولأنها كانت في الظل فإنها غالبا ما وخزت، كما الإبر،عددا كثيرا من المسؤولين، أغلبهم ركب رأسه ، ونادى بصلب نيني، وإخراس قلم هو وفي كما الحصان مع الفارس في ميدان الوغى ..

من أين يأتي بهذه الأسرار كلها،و من أين يأتي بالفصاحة وهو يكتب عنها في الوقت الذي يتوه على أفواه غيره التعبيرُ على حد قول الشاعرة سعاد الصباح؟..

ومهما تنوعت مصادره، فهو صياد ماهر، كان يعرف كيف يسبح مع التيار ، وضد التيار، ولا ننكر له، ولا لمسائه ما أضافته من تنوير للرأي العام، غير أن موضوعات كثيرة في عموده، كانت تزيغ مرات عدة عن مسارها الصحيح،حين كان يركز على حياة بعض الأشخاص فيصول ويجول في كشف العورات تصل أحيانا حد القذف، ومن هذه الناحية، أرى أن أسوأ النقد ما يتخلى فيه الناقد عن الجوهر ليتجه إلى حياة الأشخاص، الحميمية خاصة.

ويوم مُنحت لثريا جبران، فنانتنا الكبيرة، حقيبة وزارة الثقافة، منابر عدة اعتبروا ذلك تكريما للفن في المغرب، وللمرأة عموما، ولعل أعظم شيء قرأه الجميع، في تتويج ثريا لوزارة الثقافة، وهي الفنانة الملتزمة، أن عهد منح الحقائب الوزارية للأسماء المخملية، التي تعيش في أبراج عاجية،ولا تنزل إلا بقطن في الأنوف مخافة عدوى "كحل الرأس" عبر الاحتكاك بهم، هذا العهد قد ولى في زمن المفهوم الجديد للسلطة،هذا العهد ولى مع أوراش عدة فتحها صاحب الجلالة يروم بها الإصلاح لبناء مغرب المؤسسات،لا تنتهك فيه الحريات،ولا تكمم فيه الأفواه، ولا تكسر فيه الأقلام، ولا يُصلب فيه أصحاب الآراء الحرة، ولقد فرحنا لحقيبة ثريا، وكما صفقنا كثيرا لثريا جبران على الركح حين كانت تمنحنا المتعة، التهبت الأكف لها بالتصفيق وهي وزيرة الثقافة..

بعد ذلك لقد خص لها رشيد نني، في عموده، كلمات ثقيلة ،وهي النحيلة عودا،العملاقة فنا، كانت تصل أحيانا حد السخرية من شخصها، ولولاه لما كان البعض ليعرف اسمها الحقيقي، ونحن حين كنا نقرأ ما كتبه عنها تساءلنا عن الأسباب الحقيقية، وراء هذا الخوض، ومهما كانت هذه الأسباب فهي لن تكون من القوة بحيث تبرر له ما كان يخوض فيه عنها وعن غيرها.

اليوم رشيد نيني يدفع ضريبة نجاحه، عبر اعتقاله، ومحاكمته ،لحتى نظن أن المحاكم عندنا تعدم دراسة ملفات أخرى غير إخراس هذا القلم المشاكس..

اليوم نيني ليس وحيدا ، قراؤه مثل حبات الرمل، تتشكل وترسم فما واحدا يصرخ ، و يقول إن هذا منكر...

ثريا جبران التي حملت هم الإنسان فوق الركح، يرتفع صوتها بضرورة الدفاع عن رشيد، وهي حتما رمت وراء الظهر كلام نيني القاسي عنها يوم كانت وزيرة للثقافة لأن الفن عندها، وعند كل الملتزمين أسلوب يلفظ القلب ما في أعماقه من حزن، وغضب..

إن الفنان الحقيقي هو الذي يحمل في ذاته وقلبه علة الآخرين،هو من يحس بألم المظلومين، ويعطيهم حبه ، وهو مستعد دوما أن يدفع من وقته، وفنه الثمن الباهظ كرمى لحرية الآخرين،ولفولتير voltaire الكاتب الفرنسي المجد كله حيث قال : " أنا أخالفك الرأي، ولكني مستعد لأن أدفع حياتي ثمنا للدفاع عن حرية رأيك".

ولقد كشفت أسماء وازنة عدة طالبت بالإفراج عن رئيس تحرير جريدة"المساء" الأكثر مبيعا في المغرب عن قدر من الحب لرشيد نيني، بادلوه الحب ليس لأنه وقف إلى جانب الحق فقط عبر كشف الكذب والنفاق، والرياء، إنما لأنه وصل إلى قمة المجد ، كان يوميا ، في عموده يقدم رحلة كفاح عبر كلمات لها وقع المسدسات تردي الظلم في مقتل، كلمات يتوجها الإخلاص، في خدمة الإنسان.

وقلم بهذا العيار الثقيل في كشف الحقائق كان بمثابة كلاشينكوف، كل طلقة منه لا تميت إنما تفتح العيون على مصراعيها لترى جيدا ما يقع هنا، وهناك في أحسن بلد في العالم ... ولأن في المغرب، كما في أي دولة متخلفة،بعض الرؤوس فيه مثل القوارير الحاوية لنباتات لا تكبر إلا بالحجم المتاح لها بسبب من الانضغاط، فإن أصحاب هذه العقول لم تكن تستوعب معنى أن تتغير الذهنيات، و ضرورة حتمية التغيير كانت دوما تُلفظ ليس وراء الموقد بل خارج المطبخ أصلا، إنهم لا يدركون أن حتمية التغيير يفرضها الواقع رغما عن أنوفهم بغية توفير هواء جديد، نقي ؛ وتوفير هذا الهواء هو ما يسعى إليه حملة الأقلام النزيهة أمثال رشيد نيني التي تضع في المقام الأول فضح مناكر الناس التي يوسوس لها الخناس لظلم الناس..

هذه الرؤوس التي تستمريء الأفكار الخردة آن الأوان أن تفهم أنَّ الــريــــــــــــــح لن تحولها، مهما كانت عاصفة،إلى ورقة في مهب الريح، لأنها ببساطة، كما قال ناظم حكمت، تعلمت أن تسوق الريح أمامها..

وأمامنا لا خلفنا يجب أن نكبر مثل العنقاء، حتى إذا عمد الحاقدون على إخراس الأقلام النزيهة، لن يطيقوا لنا عنادا..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى