الثلاثاء ١ أيار (مايو) ٢٠٠٧
بقلم أشرف شهاب

الفنان جميل راتب: الإخراج عشقى الثانى

الفنان جميل راتب واحد من الفنانين الملتزمين الموهوبين الذين يجتذبون الجمهور لمتابعة أعمالهم. كما أنه يمتلك رؤية متكاملة لرسالة الفن ودوره فى التغيير. لذلك جاءت أعماله الفنية من النوع الذى يمتع الجمهور فنيا ووجدانيا. مثقف مطلع، ويمتلك حضورا قويا لدرجة أنك لا تمل من الحوار معه. فى العاصمة المصرية القاهرة كان لنا معه هذا الحوار.

- كيف كانت بدايتك مع التمثيل؟
 منذ نضوجى المبكر شاركت فى العديد من الأعمال المسرحية ضمن الأنشطة المدرسية، وكان عمرى وقتها لا يتجاوز التسعة عشر عاما. ووقتها حصلت على جائزة الممثل الأول، وأحسن ممثل على مستوى المدارس المصرية والأجنبية.

- ولكننا نعرف أن بدايتك الفنية كانت فى فرنسا.. عندما كان عمرك عشرين عاما..
 ليس صحيحا.. بدايتى الحقيقية كممثل كانت فى مصر وبالتحديد عام 1946، عندما شاركت فى فيلم "أنا الشرق". وكان هذا الفيلم يضم نخبة من كبار الفنانين من بينهم جورج أبيض وحسين رياض، وتوفيق الدقن. وكان من حسن حظى أن شاهد الكاتب والروائى الفرنسى الفيلم. فنصحنى بدراسة الفن فى باريس. وهكذا استكملت عشقى للفن فى فرنسا.

- نعرف أنك خلال وجودك فى فرنسا أسست مع مجموعة من الأصدقاء فرقة مسرحية.. وقمت بالتمثيل فى عدة أفلام..
 نعم، فور وصولى إلى فرنسا، بدأت فى الاتصال بمجموعة من المهتمين بالمسرح، وأسست مع مجموعة من الأصدقاء فرقة مسرحية هى فرقة "الكوميدى فرانسيز" عام 1951. وقدمنا بالفعل مجموعة عروض لكتاب كبار كيونسكو على مسارح صغيرة. وتوسعت أعمال الفرقة حتى بدأنا ننتقل للتمثيل على مسارح أكبر. وخلال ثلاثين عاما قضيتها فى فرنسا شاركت فى تمثيل حوالى 15 فيلما من بينها الفيلم الأمريكي "السيرك"، وقد تم تصويره فى فرنسا وهو من إخراج كارول ريد وبطولة جينا لولو بريجيدا، وتوني كيرتس، والبيرت لانكستر. كما مثلت فى فيلم "لورانس العرب" من إخراج ديفيد لين وكان من بطولة الفنان عمر الشريف بالإضافة إلى بيتر أوتول وأنتوني كوين. وعلى مدار حياتى فى فرنسا قدمت حوالى خمسين مسرحية. وقمت بأدوار أدوار البطولة فى عدد من المسرحيات الكلاسيكية لموليير، وشكسبير. كما قمت بإخراج عدد كبير من المسرحيات.

- وبعد عودتك إلى مصر؟
 عدت إلى مصر عام 1974 لأجد فى انتظارى عرضا من المرحوم صلاح جاهين للعمل فى المسرح. ورحبت بذلك، فقدمنى على الفور للمخرج الكبير المرحوم كرم مطاوع. وعملت معه فى مسرحية "دنيا البيانولا". وهى المسرحية التى لاقت نجاحا كبيرا كان السبب فى إعادة تقديمى للجمهور فى مصر. وقد غيرت هذه المسرحية مسار حياتى لأن نجاحها قدمنى لعدد كبير من المخرجين، وحولتنى من التركيز فى النشاط المسرحى إلى السينما والتلفزيون حيث عملت مع مخرجين كبار كصلاح أبو سيف وبركات وغيرهما. وهكذا وجدت نفسى نجما تليفزيونيا وسينمائيا فى مصر بدلا من أن أكون نجما مسرحيا فى فرنسا.

- قمت بإخراج عدد من المسرحيات فى مصر، لكنك توقفت بعد عدد قليل من الأعمال.. لماذا؟
 نعم.. طوال الوقت وأنا أقوم بالإخراج فى فرنسا وبعد عودتى إلى مصر، لأن الإخراج هو عشقى الثانى بعد التمثيل. فى عام 1980 قدمت مسرحية "الأستاذ" للكاتب الكبير سعد الدين وهبه على خشبة المسرح القومى، وبعدها مسرحية "شهر زاد" لتوفيق الحكيم ثم مسرحية "زيارة السيد العجوز" التى كانت إخراجا مشتركا مع الفنان محمد صبحى. أما سبب توقفى فهو أن الإخراج يحتاج للتفرغ الكامل. وفى تلك الفترة كنت مشغولا بالتمثيل، فوجدت أن من الصعب أن أوفر الوقت والمجهود الكافى للإخراج الجيد. وقررت التوقف والتفرغ للتمثيل.

- ولماذا لم تواصل فى المسرح كممثل؟
 لم يكن هذا اختيارى الشخصى بقدر ما كانت طبيعة الأدوار المطلوبة منى. لقد وجدت أن معظم العروض لا تناسبنى، وخصوصا تلك التى كانت فى إطار مسرح القطاع الخاص. وبعدها جاءت موجة الأفلام الشبابية الكوميدية، وأيضا وجدت أن الكوميديا الموجودة بها لا تتناسب مع طبيعتى وأفكارى. ومع ذلك فما زلت أرحب بالعمل المسرحى طالما توافرت فيه شروط الجودة والجدية.

- كيف يختار جميل راتب أدواره؟
 قبل كل شيء أدرس السيناريو ككل.. وأبحث عن القيمة الفنية التى يحملها، والقضية التى يناقشها. وفى المرحلة التالية يهمنى اسم المخرج والممثلين المشاركين فى العمل. وبجانب ذلك أقوم بدراسة دورى أنا فى العمل الفنى، وهل هو جيد، وجديد أم أنه مكرر. وبعد تفكير عميق أقرر قبول العمل من عدمه. ما يهمنى فى المقام الأول هو احترام عقل المشاهد، فأنا أبحث عن القيمة التى يحملها العمل كأولوية أولى، تأتى بعدها مسألة حجم الدور وطبيعته. وقد رفضت بالفعل عدة أدوار شعرت أننى لن أقدم جديدا من خلالها أو بسبب أن العمل لم يكن يحمل هموما مجتمعية أو لأنه لا يناقش قضية جادة. أبحث عن تكامل وانسجام بين الشكل والمضمون. بدليل أننى قدمت أدوارا صغيرة أتشرف بها فى العديد من الأفلام، كدورى فى فيلم "البرئ"، وهو فيلم سياسى يناقش قضية هامة، ورغم صغر حجم الدور إلا أننى أحببته بسبب اقتناعى بمضمون الفيلم ككل.

- تتحدث عن القيمة التى تحملها الأعمال الفنية، وهذه قضية شائكة.. ربما لو دققنا النظر فى الساحة الفنية سنجد القليل جدا من الأعمال التى تحمل قيما جادة أو تناقش قضايا..

 للأسف.. المعايير اختلفت. وأصبحت مستويات الأعمال التى نشاهدها أقل جودة. ومع أننى أقول أن الكثير من الأعمال تفتقد القيمة والمضمون الفنى، إلا أن هذا لا يعنى التعميم على الإطلاق. بل إن هناك محاولات جادة، ولكنها غير منظمة لتقديم رؤية مختلفة. ولن نخوض فى التفاصيل التى نعلمها جميعا والأسباب التى أدت لحدوث هذا التدهور. لكن يمكننى القول أننا بحاجة إلى إعادة تغيير شاملة فى المفاهيم، والتخطيط، والسياسات حتى يمكننا أن ننهض بالحركة الفنية فى مصر بعد أن تعرضت لتدمير شديد. أنظر مثلا إلى حال المسرح المصرى.. كل الأعمال التجارية الناجحة لا تحمل أى قيمة فنية. والمسرح لا يمكن أن يكون مسرحا حقيقيا ما لم يقدم للمشاهد المتعة البصرية والمتعة العقلية.. ونحن نفتقد ذلك إلا فى استثناءات قليلة كمسرح الفنان محمد صبحى، ومسرح الهناجر. وفيما عدا ذلك ستجد السيطرة للمسرح التجارى.

- ذكرت أنك اشتركت مع الفنان محمد صبحى فى إخراج مسرحية "زيارة السيد العجوز"، وعملت معه بعدها كممثل.. فكيف تراه كممثل ومخرج؟

 أتشرف بالعمل مع الفنان محمد صبحى لأنه يمتلك رؤية نقدية، وفى كل أعماله ستجد أنه يناقش قضية معينة. وهو ممثل ومخرج عبقرى ومبدع. ويتميز بقدرته على المزج بين الكوميديا والدراما الهادفة. ولهذا تجد أن له جمهور الخاص هو جمهور المسرح الملتزم. وقد بدأت علاقتى به كممثل فى مسلسل "رحلة المليون"، وتكررت أعمالى معه لأننا وجدنا أنفسنا نمتلك أفكارا ثقافية وسياسة مشتركة. وهناك انسجام تام بيننا فى أسلوب العمل. صبحى من الفنانين الذين يندر أن تجد لهم مثيلا هذه الأيام.

- تركز دائما على جدية المضمون والقيم التى يحملها العمل الفنى؟ هل أنت فنان أم سياسى؟
 الاثنان.. الفن والسياسة وجهان لعملة واحدة. وعلى الفنان أن يكون واعيا بقضايا وطنه والعالم، خصوصا وأن له دور مؤثر فى تشكيل وجدان الشعب. فالفن ليس مجرد مهنة أو بحث عن الشهرة.. الفن رسالة والفنان أمين على توصيل هذه الرسالة للمجتمع. وإن لم يقم بدوره على الوجه الأمثل فإنه يتحول إلى مجرد آلة أو دمية بلا روح. ولهذا السبب لم أكتف بدور الفنان بل عملت أيضا فى السياسة. بدأت اهتماماتى بالسياسة فى فرنسا. ووجدت نفسى أقترب من اليسار الفرنسى بسبب طبيعتى الكارهة للظلم وتعاطفى المستمر مع البسطاء والفقراء. ورغم أننى لم أنضم لأى حزب سياسى خلال وجودى فى فرنسا إلا أننى أعتبر نفسى سياسيا يساريا. لأننى مهتم جدا بقضايا الحرية والديمقراطية، واليسار يدعو للحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وعند عودتى لمصر نظرت إلى الساحة السياسية فوجدت أن أقرب الأحزاب إلى تفكيرى هو حزب التجمع. فأصبحت عضوا به.

- تم تكريمك فى ديسمبر 2005 خلال الدورة 29 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولى، وبعدها حصلت على وسام جوقة الشرف برتبة فارس من السفير الفرنسى فى مصر فى نوفمبر من العام الماضى.. فما هو الفارق بين التكريم الرسمى والتكريم الشعبى لك كفنان؟

 التكريم الشعبى يأتى عفوا ومن القلب ومن البسطاء. وحينها تشعر أنك نجحت فى الوصول إلى قلب وعقل جمهورك الذى تخاطبه. وهذا لا يقلل من أهمية التكريم الرسمى لأنه يأتى أيضا من النقاد. وبالتالى هناك تكامل بينهما بالنسبة لى لأن هذا يجعلنى أشعر أننى حزت إعجاب النقاد والجمهور وهى معادلة صعبة فى يومنا هذا. كما أن التكريم يجعلنى أشعر بوجود تقدير خاص لأعمالى. إلا أن الطريف فى الأمر أننى لم أكن أتوقع تكريمى. وعندما اتصلت بى إدارة مهرجان القاهرة السينمائى لإبلاغى بالخبر اندهشت وسألتهم ولماذا لا تقومون بتكريم الفنان المرحوم أحمد زكى؟ فردوا بأن سياسة المهرجان تقوم على تكريم الممثلين الأحياء. وعلى ما يبدو أنهم أرادوا اللحاق بى لتكريمى قبل وفاتى.

- نسأل الله لك طول العمر والصحة.. ونتمنى أن تمتعنا بالمزيد من الأعمال الفنية الجميلة.
 أشكركم وأتمنى لكم التوفيق.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى