الأربعاء ٢٦ نيسان (أبريل) ٢٠٠٦

المسيار.. وخراب الديار!

مرام عبدالرحمن مكاوي

تفاجأت كغيري من التوصيات الصادرة من مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة خلال الأسابيع الماضية، وسأتحدث هنا عن القضية التي أثارت جدلاً واسعاً: قضية ما سمي بزواج المسيار.

بداية ما هو زواج المسيار؟

حسب مجمع الفقه الإسلامي هو أحد الأمرين التاليين: "- إبرام عقد زواج تتنازل فيه المرأة عن السكن والنفقة أو بعض منها، وترضى أن يأتي الرجل إلى دارها في أي وقت شاء في الليل أو النهار.
أو - إبرام عقد زواج على أن تظل الفتاة في بيت أهلها، ثم يلتقيان متى رغبا سواء كان ذلك في بيت أهلها أو في أي مكان آخر، حيث لا يتوافر سكن لهما ولا نفقة".

وأوضح الدكتور صالح المرزوقي الأمين العام للمجمع أن هذين العقدين وأمثالهما صحيحان إذا توفرت فيهما أركان الزواج وشروطه وخلوه من الموانع (العربية - نت).

ومن هذه الموانع كما درسنا في الثقافة الإسلامية اشتراط عدم الإنجاب. وهكذا إذن فالمسيار هو زواج يفترض - مادام كلا الزوجين سليمين - أنه سينتج عنه أطفال، وهنا يأتي السؤال: من المخول للتحدث باسم الأطفال والتنازل عن حقهم في والدهم؟ عن حقهم في أن يكون لهم بيت؟ بل وحتى عن نفقتهم؟

أستطيع أن أرى طفلاً يقول " من خول أمي لتتنازل عن أبي أنا؟ ومن هو أبي هذا؟ الرجل الذي يأتي إلى بيت جدي في أي وقت..قد أكون فيه موجوداً أو في المدرسة أو نائماً..ويدخل مع أمي غرفة ويغلقان الباب خلفهما، ثم يخرج دون أن تكون لي علاقة به؟ لماذا لا يعيش معنا مثل بقية الناس؟ الآن له زوجة أخرى وأولاد آخرون؟ طيب وأنا؟ أليس رسولنا صلى الله عليه وسلم القائل: "اتقوا الله واعدلوا في أولادكم". فهل من العدل أن يخصص أبي لهم بيتاً.. وأن يبيت معهم فيه..وأن يكون دائماً معهم.. والاستثناء أن يغيب عنهم سويعات..بينما العكس صحيح في حالتي. هل سأحب أبي هذا؟ هل سأحب إخوتي هؤلاء؟ لا والله..فأنا بشر من لحم ودم.. طفلٌ (أو طفلة).. أريد أبي وأمي وأريد بيتاً وأسرة..أما في حالتي هذه فأنا لا أملك إلا أن أشعر بأنني ابن الخطيئة لا ابن زواج شرعي!".
حقيقة أنا لا أفهم كيف يمكن أن نتنازل عن دور الأب المهم في حياة الأطفال ونقره شرعاً لأجل المتعة. فأي جيلٍ هذا الذي لن يعرف أبناؤه صرامة الأب وحنانه ؟

الغريب أننا كثيراً ما عيرنا أصحاب المذاهب الأخرى بزواج المتعة، والذي على الرغم من رفضي التام له، لكنني أحترم فيهم تسمية الأشياء بأسمائها. وبالمناسبة لم يقل لنا العلماء هل كلامهم الذي يتحدث عن عقوبة من لا يعدل بين زوجاته سينطبق على من لديه زوجتان إحداهما مسيار (لا بيت ولا نفقة) والأخرى لها كل ذلك؟
وإذا تركنا الأطفال وذهبنا للزوج نفسه ولعلاقته بزوجته، لوجدنا أن هذا الزواج يزلزل كيان الأسرة، ويقلب المفاهيم الزوجية والأسرية. فمثلاً نحن نعرف أن الرجل هو الذي يوفر المسكن والملبس والمشرب وسائر النفقة، وبذلك استحق القوامة والتي تجعله رب الأسرة. والإسلام يحث المرأة على طاعة هذا الزوج في المقابل ما لم يأمر بمعصية، فعليها أن تستأذنه في الخروج، وألا تدخل بيته من لا يحب في غيابه، وأن ترعى نفسها وأولادها لأجله. فكيف تصبح هذه المفاهيم في زواج المسيار هذا؟ هل سقوط النفقة يوازيه سقوط القوامة؟ فالبيت ليس بيته بل بيتها، وبالتالي هي حرة فيمن تدخل بيتها (لا أتحدث طبعاً عن علاقات مشبوهة هنا). وهي حرة في الدخول والخروج فهو ليس موجوداً أصلاً، باختصار هذه علاقة جنسية ليس فيها التزامات، يطلق عليها في بلدان العالم العلمانية علاقة شراكة، ولا ترقى إلى الزواج المقدس حتى في البلاد الغربية.

أستغرب فعلاً أن يرضى الرجال ولا يثوروا على هذا الزواج الذي فيه إهانة للرجل كما للمرأة، والفرق بينهما أن الرجل ليس مضطراً، ومع ذلك فهو يتنازل عن كل حقوقه لأجل متعة، ولأجل التخلي عن المسؤولية، هذه المسؤولية التي جعلته رجلاً في المقام الأول، والرجولة غير الفحولة.

كيف يقبل رجلٌ عاقل بأن يتحول إلى آلة للمتعة مدفوعة الثمن من قبل امرأة؟ وكيف يقبل رجلٌ أن يصبح ضيفاً على زوجته وأهلها؟ وكيف يرتاح الرجل الغيور وهو متزوج بامرأة لا يستطيع أن يعلم أين هي في كل وقت؟

سمعتُ الشيخ الفاضل عبدالله بن منيع يرد على سؤال قبل سنوات عن زواج المسيار على القناة الأولى بقوله "هذا زواج يلجأ له الرجل الجبان..وإلا الرجل الواثق من نفسه له أن يعدد التعدد الشرعي ويعلنه أمام الله والناس".. وصدق الشيخ. نعم لقد أباح الإسلام أن يتزوج المرء مثنى وثلاث ورباع، مشترطاً العدل في النفقة والمبيت والمسكن والمعاملة ومستثنياً الهوى القلبي، فماذا يريد الرجال أكثر من ذلك؟

والإسلام لم ينزل لكي يلبي متعنا..بل ليعلمنا كيف نرشدها وننظمها..وإذا كان الرجال وبعض النساء لا هم لهم في الدنيا سوى الاستمتاع..فماذا أبقوا للآخرة؟ ولماذا يجب علينا أن نربت على ضمائرهم ونؤيد لهم أفعالهم؟

جانب آخر، ادخلوا إلى مواقع الزواج عبر الإنترنت، وتصفحوا المجلات والصحف التي تنشر إعلانات الزواج، وستجدون شباباً أعمارهم من ما بين (21 و29) ولم يسبق لهم الزواج (من السعودية خصوصاً) يريدون الزواج مسياراً. وطبعاً سيتزوجون من لديها القدرة المادية وهي غالباً ستكبرهم سناً..وهنا انقلاب آخر في حياتنا الأسرية..فإذا كان الشباب سيبيعون شبابهم وفحولتهم لنساء أكبر سناً وأكثر خبرة..فماذا سيحصل للشابات من نفس الفئة العمرية؟ آه..نعم سيتزوجن برجال انتهى عمرهم الافتراضي فيما يتعلق بالزواج وملحقاته، ويا له من مجتمع هذا الذي سيتشكل لدينا: شباب في العشرين لن تملأ عينه (غالباً) امرأةٌ في الخمسين، وفتاة في العشرين لن يحصنها رجلٌ في الستين!

وأرجو ألا يقال بأن هؤلاء شباب متعففون يريدون تحصين أنفسهم مع قلة ذات يدهم، لأن نبي الهدى أوصى الشباب غير القادر على الزواج بالصيام، وبعدم النظر للمحرمات ولم يبح لهم زواج المتعة أو المسيار.

هذا الشاب الذي عمره أربع وعشرون سنة هل ينوي البقاء مع هذه المرأة الأربعينية أو الخمسينية للأبد فعلاً؟ إذا كان الجواب بلا، فهو زواج متعة. ثم حتى إذا طلقها وتزوج بأخرى زواجاً طبيعياً فإنه يكون قد اكتسب عادات سيئة من زواجه الأول من عدم تحمل المسؤولية والاتكالية على الآخرين، وهما صفتان منتشرتان من قبل المسيار فكيف بهما بعده؟!

الزواج مؤسسة متكاملة قائمة على معانٍ سامية من المودة والرحمة والحب والاحترام وإنجاب الذرية والسكون النفسي والمادي والمعنوي، والمتعة وتحصين المرء لنفسه عنصران مهمان في المعادلة، لكنهما يظلان عنصرين فيها وليس كلها. كان الأحرى بعلمائنا الأفاضل أن يستعينوا ويستأنسوا برأي المتخصصين في علمي النفس والاجتماع قبل أن يعطوا هذا الزواج مباركتهم. وكان الأحرى بهم أن يبحثوا في كيفية حماية بيوتنا من الانهيار، وكيف نجعلها بيوتاً سعيدة، وكيف نرفع وعي الناس قبل وبعد الزواج، سواء فيما يتعلق بحرية الاختيار وكيفية الاختيار، أو بتوعية الفريقين الرجل والمرأة بحقوقهما وواجباتهما.

الزواج..استمرار..واستقرار..وحب وإيثار..أمورٌ لا أراها شخصياً متوفرة في هذه العلاقة المسماة زواج المسيار!

مرام عبدالرحمن مكاوي

عن الوطن السعودية


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى