الأربعاء ١٦ أيار (مايو) ٢٠١٨
بقلم إبراهيم أبراش

النكبة: من هنا تبدأ القضية

منذ هزيمة الجيوش العربية في حرب 1948 وما نتج عنها من تهجير 800.000 من الشعب الفلسطيني البالغ تعداده آنذاك 1,4 مليون نسمة قسرا من أراضيهم وقيام دولة الكيان الصهيوني، وهي الحرب التي سموها نكبة، منذ ذاك التاريخ والشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده يحيي هذه الذكرى وبكل أشكال التعبير عن الغضب وعن الإصرار على التمسك بحق العودة، بل إن العودة كانت كلمة السر والمحرك الأساس للثورة الفلسطينية المعاصرة والتي عنوانها منظمة التحرير الفلسطينية،فهذه الأخيرة قامت منتصف الستينيات وقبل احتلال إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة في يونيو 1967 للتعامل مع أصل القضية والأصل يعود لحرب 1948 وتداعياتها وليس لحرب 1967 وتداعياتها.

يعتبر اللاجئون الفلسطينيون حالة خاصة ومأساة إنسانية بكل معنى الكلمة، فلم يغادر هؤلاء وطنهم اختياريا بل نتيجة حرب ومجازر ارتكبتها العصابات الصهيونية ضد السكان المدنيين الآمنين الفلسطينيين لتجبرهم على ترك مدنهم وقراهم،ونتيجة هزيمة سبع جيوش عربية أمام العصابات الصهيونية، وللأسف ساهمت أطراف عربية في ترويج أكذوبة أن الفلسطينيين باعوا أرضهم أو تركوا وطنهم باختيارهم، وذلك لتتهرب الحكومات العربية من مسؤولياتها تجاه ما حدث للفلسطينيين، وبعض الدول العربية تُعيد تكرار هذا القول اليوم لتبرر التطبيع مع إسرائيل ولتمرير صفقة القرن.

يعود أصل قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى قرار أممي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة إيمانا من المجتمع الدولي بعدالة قضية اللاجئين وحقهم بالعودة وهو القرار رقم 194 (د-3) بتاريخ 11 كانون الأول/ ديسمبر 1948، ويقضي بإعادة اللاجئين والتعويض عليهم، ويعلن في الفقرة (11) منه ما يلي:

إن الجمعية العامة وقد نظرت في الحالة في فلسطين من جديد: " تقرر وجوب السماح للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش في سلام مع جيرانهم بأن يفعلوا ذلك في أقرب وقت ممكن عمليا، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة عن كل فقدان أو ضرر يصيب الممتلكات، ويتعين بمقتضى مبادئ القانون الدولي و عملا بروح الأنصاف على الحكومات أو السلطات المسئولة التعويض عنه ".

نتيجة لانحياز وعجز الأمم المتحدة عن تنفيذ قراراتها وإلزام إسرائيل بذلك، وخاصة القرار رقم (194) أنشأت وكالة الغوث الدولية "الأونروا" للاجئين الفلسطينيين عام 1949. ومن خلال هذا القرار الأممي يتأكد أن الفلسطينيين أجبروا على الخروج من بلادهم ولو كان الخروج أو الهجرة باختيار الفلسطينيين ما كانت الأمم المتحدة طالبت بعودتهم واستمرت بالتأكيد على حق العودة،وما كانت أسست مخيمات خاصة باللاجئين ووكالة الغوث.

على مدار سبعين عاما توالى صدور قرارات وتوصيات تؤكد على حق الفلسطينيين بالعودة أو البحث عن حل عادل لقضيتهم، ولأن قرار عودة اللاجئين الفلسطينيين رقم 194 قرار دولي فلا يمكن إلغائه إلا بقرار دولي. وهنا نُذَكِر بأن القرار الأممي 3379 الصادر عام 1975 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي يعتبر الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري لم يتم إلغائه إلا بالتصويت من نفس جهة الإصدار أي الجمعية العامة على قرار يلغي القرار الأول.

عشرات القرارات والتوصيات على مدار السبعين عاما بما فيها قرارات صادرة عن مجلس الأمن أكدت على حق العودة واعتبرت حق العودة جزءا من حق الفلسطينيين بتقرير مصيرهم على أرضهم، إلا أن هذه القرارات والتوصيات لم تجد طريقا للتنفيذ بسبب رفض إسرائيل وبسبب استعمال الولايات المتحدة لحق النقض في مجلس الأمن ضد أي قرار يلزم إسرائيل بالتنفيذ. وتؤكد الوقائع على الأرض بأن الرفض الإسرائيلي لعودة اللاجئين لا يعود لعدم القدرة على استيعابهم جغرافيا بل السبب هو رفض الاعتراف بأن الفلسطينيين هم أصحاب حق بفلسطين وهو ما يتعارض مع الرواية الصهيونية ومع سعي الصهاينة لإقامة دولة يهودية خالصة، فالإحصاءات تقول بأن 80% من اليهود في إسرائيل ما زالوا يعيشون فيما لا يتعدى 30% من مساحة إسرائيل بحدودها عام 48.

من المهم اليوم أن نستمر في إحياء ذكرى النكبة بكل وسائل التعبير المتاحة حفاظا على حق الشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين،وحفاظا على حق عودة اللاجئين لمدنهم وقراهم، وحفاظا على ذاكرة الكبار وتغذية ذاكرة الصغار بحقيقة ما جرى في سنة النكبة كأبشع جرائم القرن العشرين حيث ترتقي لجريمة التطهير العرقي، وكأبشع صور الاستعمار في العالم و لا تقل عن جرائم النازيين ضد اليهود، وحتى لا يفلت المجرم الصهيوني بجريمته.

ومن هنا تأتي مسيرة العودة التي كانت فكرتها الأولى عام 2011 من فلسطينيي الشتات على أن تنطلق مسيرات مليونية من كل أماكن الشتات وخصوصا من دول الطوق – الأردن، سوريا، لبنان، مصر – باتجاه الحدود مع الكيان الصهيوني ومن الداخل الفلسطيني وتعثرت الفكرة بسبب احداث فوضى الربيع العربي. تم إحياء الفكرة مجددا في ذكرى يوم الارض 30 مارس الماضي ولكن ونتيجة فوضى الربيع العربي والانقسام الفلسطيني أجهضت الفكرة الأولى وتركزت المسيرة على قطاع غزة تقريبا مع تداخل ملفات متعددة وخصوصا تداخل فكرة العودة والاحتجاج على قرار ترامب بنقل السفارة مع الحصار على غزة وقضايا أخرى من تداعيات الانقسام، دون وجود استراتيجية أو رؤية وطنية مشتركة للمسيرة من حيث تنظيمها واستمراريتها وأهدافها النهائية، الأمر الذي يثير القلق على ما ستؤول إليه هذه الفكرة العظيمة.

وفي النهاية لا بد من إبداء الملاحظات التالية على قضية اللاجئين في سياقها الوطني العام:
إن فشل المعالجات المجتزأة للقضية الفلسطينية وخصوصا بعد انكشاف حقيقة ومحدودية المواقف الدولية وما يتم تمريره من مشتملات صفقة القرن يتطلب العودة لأصل القضية والأصل لم يكن مع حرب 1967 ولا مع اتفاقية أوسلو بل في نكبة 1948 وقيام دولة إسرائيل.
فشل كل مشاريع التسوية وما ارتبط بها من مبادرات وتنازلات بخصوص قضية اللاجئين يتطلب تراجع القيادة الفلسطينية عن التزاماتها مع إسرائيل المترتبة على اتفاقية أوسلو وهي الاتفاقية التي غاب عنها قرار 194 الخاص باللاجئين.

إن فشل أو عجز الطبقة السياسية الفلسطينية عن تحقيق الأهداف الوطنية أو ما تسمى بالثوابت الوطنية لا يعني أن قضيتنا فاشلة أو غير عادلة بل الفشل في النخب والأحزاب.
ما يتعرض له اللاجئون في سوريا ولبنان من خطر الإبادة والتهجير الجماعي وفي الدول الأخرى من إذلال وإهانات غير منقطع الصلة بالمؤامرة على حق العودة وتصفية قضية اللاجئين.

إن جيلا جديدا لم يعاصر النكبة ولا تختزن ذاكرته ذكريات وطن وأرض وحياة كان يعيشها حرا وسيدا، هذا الجيل يتم سحقه في هموم الحياة اليومية وفي الصراعات السياسية بحيث بات همه إما تأمين حياة كريمة حيث يعيش أو التفكير بالهجرة مما تبقى من أرض الوطن ليلتحق بملايين اللاجئين والمهاجرين.

تراجع وتهميش دور اللاجئين الفلسطينيين في مراكز صناعة القرار الفلسطيني: منظمة التحرير الفلسطينية بمؤسستيها اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي، اللجنة المركزية لحركة فتح، الحكومة، وهو تهميش مقصود ومتعمد وخطير.

بغض النظر عما ستؤول إليه مسيرة العودة وخصوصا مع المساومات والضغوط التي تمَارَس على حركة حماس والقيادة الفلسطينية للحد من المسيرة وتمرير ذكرى النكبة دون مواجهات كبيرة مع الاحتلال، بالرغم من ذلك يجب أن تستمر الفكرة وتطويرها وإبداع طرق جديدة لإحياء الذكرى وللصدام مع الاحتلال.

الاهتمام الشعبي والرسمي الكبير بذكرى النكبة وحالة الرعب التي تنتاب كيان الاحتلال يؤكد على أنه وبالرغم من كل ما جرى للشعب الفلسطيني من نكبات ومؤامرات فإنه لم يتخلى عن حقه بالعودة وأن لا سلام في المنطقة والعالم دون التعامل مع جوهر القضية ومع نقطة البداية التي تعود لنكبة 1948.

يجب أن لا ننسى أن تعداد الشعب الفلسطيني يتجاوز 12 مليون ونصفه يعيش داخل أرض فلسطين وعدد هؤلاء يفوق عدد اليهود وهذه ورقة قوة يجب أن نُحسن توظيفها.

ضرورة تجنيب القضايا الكبرى كقضية العودة والقدس والمقاومة السلمية للاحتلال المشاحنات ومناكفات الانقسام السياسي والصراع على السلطة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى