الخميس ١٨ آذار (مارس) ٢٠٢١
بقلم علي بدوان

اليرموك والطفولة التي تحمل الأسئلة

ولدت ورأيت نور الحياة، في مخيم اليرموك عام 1959، في الحارة الأولى منه، وانطلقت في طفولتي وفتوتي، في حياة المخيم وبين أناسه ومواطنيه، بين أزقته، وشوارعه، وحاراته، في قلب موزاييكه الملون بخريطة فلسطين ومدنها وقراها، فحفظت عن ظهر القلب أسماء المدن والقرى من جيراننا، ومن عموم أبناء اليرموك الذي ينتمون لمختلف مناطق فلسطين.

عشت زخارف الحياة فيه، الصور تتزاحم في مخيلتي، واضحة وضوح صور الانستجرام وروعة ألوانها، أجيال من أبناء فلسطين، كبار السن وأصحاب لباس القنباز الفلسطيني، وبعضهم أصحاب العقال، والبعض الأخر من المدينيين من أبناء المدن أصحاب الطقم الرسمي، ونسوة المخيم من مرتدي الزي الفلاحي الفلسطيني الى الزي المديني.

عشت زخارف اليرموك، في الإستماع لأحاديث الرجال من كبار السن ومن الشبان، وهم يتحدثون عن فلسطين وحياة فلسطين وتفاصليها اليومية، ويومياتها قبل النكبة والخروج ..
عشت زخارف وحياة الناس المليئة بالأمل، أمل العودة الى فلسطين، والتي كانت تنتظر وكلها متفائلة بيوم العودة القريب، حتى وإن طال الوقت قليلاً...

عشت زخارف الحياة في مخيم اليرموك: الإعاشة، طحين الأونروا، الخبز الفلسطيني، توزيع البطانيات، توزيع الحليب، مطعم الوكالة، مستوصف الأونروا (مستوصف محمد الخامس)، عيادة اللوثري، المسيرات (جندونا جندونا على الحدود ودونا)، المظاهرات، تشييع الشهداء، الإحتفالات والفعاليات الوطنية، معسكرات العمل الفدائي، ومعسكر الأشبال (معسكر الشهيد خالد أبو العلا)، المحيط السوري الشقيق والتفاعل والإختلاط الكامل معه، الشبان السوريين ومن كل مناطق سوريا والمنضوين بالعمل الفدائي الفلسطيني، شوارع المخيم ومسمياتها باسماء المدن والقرى الفلسطينية، ومسميات مدارس الوكالة كذلك. يافطات وصور الشهداء والملصقات الوطنية.

نشأت أجيالنا، مع ألوان المخيم، مع الكتابات والرسوم على الجدران، ومنها رسوم وكلمات ميلاد عيلبوني التي ملأت الجدران جوار اعدادية المالكية وسط المخيم ... عائدون ... سنعود ... فلسطين اليوم لاغداً ... يانسمة في هواء الجليل .... سنخرجهم من إناء الزهور وحبل الغسيل ... سنطردهم من هواء الجليل ...

وكتب الأخرون على الجدران بتوقيعاتهم، كفصائل وقوى ... اليمين يساوم واليسار يقاوم والشعب يرفض الهزائم.... خلف العدو في كل مكان .. من تل أبيب الى زيوريخ الى أثينا...
في ذلك الزمن، الزمن الجميل، الواعد، ولجت الى مدارس الأونروا عام 1966، فبدأت دراستي الإبتدائية في مدرسة صرفند التابعة لوكالة (الأونروا)، في الصف الأول الإبتدائي عام 1966، كان مدير المدرس الأستاذ محمد عطية (من لوبية قضاء طبريا)، ومربي الشعبة الصفية المرحوم الأستاذ أحمد أبو العينين من بلدة (سَلَمِه) قضاء يافا، وكان في حينها في عُمرٍ يقارب الستين عاماً.... وكان بالأساس مدرساً في مدينة يافا بفلسطين قبل النكبة...

في دروسه الأولى، وحتى الدائمة، كانت فلسطين حاضرة في أداء مربي الصف المدرس أحمد ابو العينين، ففي احدى تلك الدروس من النشاط اللاصفي في باحة المدرسة، جعلنا ننظر باتجاه الغرب حيث حديقة المدرسة، وحيث اتجاه فلسطين، وطلب منَّا أن نحاول استنشاق رائحة معينة ... وبعدها تبدأ الأسئلة.

السؤال الأول لكلِ واحدٍ منّا من أستاذنا أحمد أبو العينين: ماهي الرائحة التي استنشقتها ..؟
جائت إجاباتنا كتلاميذ متفرقة ومتعددة : رائحة الحديقة، رائحة الورق الأخضر الزكية، رائحة الورد، رائحة الزرع ...

كل الإجابات كانت خاطئة عند أستاذنا ...
استاذنا يجيب في النهاية على السؤال الذي وجهه الينا: إنها رائحة برتقال يافا، رائحة فلسطين التي تنتظركم عندما تصبحوا شباناً ...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى