الأحد ٢٢ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
بقلم حسين أبو سعود

بأية حال عدت يا عيد؟

هناك ارتباط قوي جدا بين العيد والامان اذ لا يعقل ان يخرج الناس الى اداء صلاة العيد تحت قصف الطائرات ولا يمكن للاباء ان يسمحوا لابنائهم بالخروج الى المراجيح وهناك خوف من التفجيرات العشوائية في كل مكان ، والتي لا تفرق بين امراة ورجل وطفل ، واكاد اجزم بان اعياد ايام زمان كانت اجمل من اعياد هذا الزمن الصعب، يوم كنا نستعد للعيد قبل مجيئه بايام بشراء الملابس الجديدة واهتمام النسوة بصنع الكليجة حيث يجتمعن كل يوم في دار لمساعدة اهلها في اعداد صواني الكليجة ثم طقوس الذهاب الى الفرن واعادة الكليجة المطبوخة في قدر او زنبيل ومحاولة استغفال الوالدة في الطريق واكل ما يمكن اكله من الكليجة الحارة الشهية ،وكم كان الواحد منا يتمنى لو تتاح لبنت الجيران الاثيرة فرصة المجئ الى البيت بحجة المساعدة في اعداد الكليجة لعله يحظى بنظرة او ابتسامة او لمسة ، وعلى ذكر الكليجة يقال بان صحفيا سأل احد المسئولين العراقيين في الخارج عن اماكن تواجد التمر فقال في الكليجة .

وفي ليلة العيد كنا لا نستطيع النوم بانتظار الصباح لنرتدي الملابس الجديدة ونذهب الى بيوت الاقارب للحصول على العيدية ، وكنا نخرج على شكل مجموعات تعلونا البشر والفرحة والانطلاق، ونذهب الى اقرب دكان لبيع السجاير فنشتري عددا من (جكائر المزبن) بواقع فلس واحد لكل سيجارة ، ويبدو ان التدخين كان جزءا اساسيا من طقوس العيد ، كما ان الذهاب الى السينما عدة مرات كان امرا لا بد منه في العيد ، وكانت افلام ايام زمان تزخر بالاثارة فكنا نصفر ونصفق للبطل وهو يأتي بالخوارق ، حتى نخرج من السينما مشحونين ونريد ان (نتعارك)مع اي احد نراه امامنا ، لا سيما اذا كان الفيلم عن ماشستي او هرقل او ابو جاسملر ، واما الافلام الهندية مثل سنكام او ام الهند فكانت تجري دموعنا الصافية على الوجنات مصحوبة بالانات والونات ، واما افلام المرح مثل لبنان في الليل ومرحبا ايها الحب فكانت تملأنا بالفرح والنشوة المفرطة لبعض الوقت ، كما كانت الافلام الصامتة لشارلي شابلن وطرزان توفر قسطا من المرح والانبساط باسعار اقل للفقراء .

وكانت شهيتنا للاكل تنفتح في العيد بشكل غير طبيعي وكنا لا نتوقف عن الاكل ولا سيما داخل وخارج السينما حيث المرطبات واللبلبي والباقلاء والكرزات والعلك والحامض حلو واللوزينة واللقم او الحلقوم وبيض اللقلق وشعر البنات وكرات الشامية الحمراء.

و لا انسى احد الاعياد في الستينات عندما فتحت عيني على اصوات المكبرات من الجوامع : الله اكبر الله اكبر الله اكبر ، لا اله الا الله والله اكبر ولله الحمد، وكان هذا الترديد الشجي بمثابة اعلان عن العيد ، وادرت نظراتي في ارجاء الغرفة فوجدت ان كل شئ متغير فالاثاث ليس اثاثنا ، يا الهي قد اكون احلم ! ، لا لا لست احلم ، فهذه الغرفة تشبه غرفة جارنا ابو فهد ، نعم انها هي ، فعلمت بعد ذلك بان سقف غرفتنا قد تهدم بفعل الامطار الغزيرة وكنت مع اخوتي الصغار نغط في نوم عميق بانتظار العيد ، فهرع الجيران وحملونا الى بيتهم دون ان نشعر بشئ ، انتقلنا بعدها الى بيت عمي وبقينا هناك لاشهر حتى تم بناء الغرفة من جديد، الا ان تلك الحادثة لم تنغص علينا عيدنا فعشنا كل لحظة من لحظاته في الذهاب الى السينما والتجول في الشوارع ولاسيما منطقة عرفة التي يذهب اليها اكثر اهالي كركوك في الاعياد، وكأني بانعدام الامن والامان في عراق اليوم لا ينهي الفرحة في قلوب الاطفال ، والتفجيرات العشوائية لن توقفهم من لبس الجديد والخروج الى المراجيح وترقب العيديات من الاهل والمعارف ، وعلى طاري العيد قال صاحب حملة حج لجماعته: اذا شديتوا حيلكم على المناسك راح نرجع الى الوطن قبل العيد انشاءالله حتى تعيدون بين اهلكم واحبابكم ، وكل عام وانتم بخير.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى