الاثنين ٢٦ شباط (فبراير) ٢٠١٨
بقلم ميساء البشيتي

بعد الموت أم قبله؟

بعد الموت أم قبله؟
أشعر كأنني بُعثت من جديد، كل الوجوه غريبة عني،
أين كانت هذه الوجوه؟ أين كان كل هذا الضجيج والصراخ مختبئ؟
أمضيت عمرًا في تنميق الكلمات ونثر الورد في صباحاتك، وحين اختفيت ساورني القلق فارتديت آخر حماقة لدي وخرجت للبحث عنك في شوارع الضباب.

زرت جميع المقاهي التي كنتَ ترتادها، تصفحت كل الوجوه التي كنتَ تقرؤها فلم أجد فيها شيئًاعنك! زرت البحر وسألته ببراءة تنم عن غباء شديد: هل ابتلعته؟
ضحك البحر مني وأجاب باستهزاء: لو كنت أنتِ ربما كنتُ ابتلعتك حتى تستريحي من عناء البحث عنه، لكن هو، لا، ليس لي شأن في ابتلاعه.
إذا أين اختفى يا بحر؟

خفت عليك، نعم، أنا خفت عليك، خشيت أن يكون الموت قد ارتكب حماقته الأخيرة وأخذك مني، لقد كان يحوم حولك متربصًا بك فخفت أن يذهب منه بعض عقله، ويرتكب حماقة يندم عليها العمر كله، ويأخذك مني إلى ذلك المكان الذي كنت دائمًا تخافه. ذهبتُ أهدد الموت وأتوعده، لكنني في ذات الوقت لم أيأس من البحث عنك بين سطور هذه الحياة، وبقيت أرتدي حماقتي على كل وجعها دون كلل أو ملل.

بالأمس فقدت الأمل وقلت في نفسي: لقد ودع هذه الحياة؛ فالموت أرخص شيء نحصل عليه هذه الأيام، وهو لم يعد يملك ثمن تذكرة العبور إلى الحياة فكيف أستبعد عليه أن يستسلم للموت ويذهب معه في مشواره البعيد إلى آخر هذه الحياة؟

اليوم عاد طيفك يتراقص خلف النافذة، لمحت وجهك مستبشرًا، بهيًا، ضاحكًا، متسائلًا كما عرفته أول يوم، لكنك لم تعرفني! استغربت، اندهشت ، ثم ضحكت طويلًا، طويلًا؛ من فرحتي بك نسيت أنني أرتدي حماقة أنتَ لم ترها عليَّ من قبل، لم تشاهدني بهذه الحماقة من قبل فكيف لك أن تعرفني؟ كيف لك أن تميزني من بين سلسلة الحماقات التي تلتف من حولك؟!

ما يهمني الآن أنك لم تذهب مع الموت، أنك أفشلت حيله وخدعه، ولم تستسلم له أبدًا.
عُد للاختفاء الآن، وأنا سأخلع عني هذه الحماقة وأعود لذاتي، أعود لمواجهة من ظهروا كالخفافيش في رحلة البحث عنك، رحلة اختفائك في مقابر الحياة،
حين ذهبتُ خلفك إلى سراديب الموت خرجت أصواتهم تمزق المدى، تصدح بموسيقا غريبة على مسمعي، كيف أسكتُ هذا الضجيج المنبعث منهم... وأتفرغ لحبك؟

كيف أسكت هذا النشاز، وأعود بك إلى الحياة، وأسمع صوتك من جديد يهمس بأذني بأنك مشتاق؟
كيف أرسلهم إلى الموت، وأعود بك إلى الحياة؟

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى