الثلاثاء ٢٨ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٠
بقلم أميرة فايد الناحل

بللورات فرحي

ها أنا أنصت كعادتي، أصيخ السمع إلى هسيس سريانها في ممرات التخلق الأول. أتوجه إلى قطبي الدنيا لائذة بحلم يستعر لأمومة تتأجج في قوائم الإنتظار.
كانت الرحلة عسيرة في شعاب متفرقة. غير مثمرة،أرهقت روحينا وذهنينا، ومواردنا المتواضعة.

كان مكمن الصعوبة في عدم وجود سبب لجدبنا.، أقروا بفتوة كتائب إقتحامه، وأشادوا بأهليتها وكفاءتها. أما عن عنقود بللوراتي فلا بأس بقدراته، ولا ضير من إعانته،
بمحفزات جبارة، تضاعف أعدادها- بجنون أحيانا- وتحسن من خصائصها ..

يصعب علي أن أخرس هذا العواء الشهري الذي ينهش في جدار روحي، يشتد ضراوة عاما إثر عام، ينحت كياني بتضاريس ومعالم مغايرة.

جهاز سونار في منتصف دورة عادتي، يكشف للبصر طريقا وعرة، لكنها نافذة ؛طالما تلفح بظلمة الحجب، يصفعها ببرودة اليقين، يئد نيران الشك.

قال أحدهم:ربما يثير قلقك نظام كونك،يشل أنظمتك، ويهاجم بللوراتك الوليدة ؛ فتضمر وتشيخ.

من في هذا العالم الفظ لن يستهجن حمي الكشف،تجتاح عقلي الموتور بملاحقة المعرفة، في موعد تقاطر بللورات فرحي العقيمة، إلى قفاري الموؤودة، تلفظها أحشائي، لمكبات القمامة ؛ حين لا يوافيها من تهيأت بصبر ودأب لإستقباله.

أتشاغل بهوس المعرفة عن الإنتظار البليد،يحيطني بسياج من حمم وصقيع، استغرقتني تفاصيلها حتي تماهى الهدف منها، غاية ضبابية موغلة في الإستحالة. صار رصد تلك المسارات والمسالك جرف هلاكي، وواحة أماني، صرت أرنو إليها كالذبيحة.

كأس الحرمان مترعة وسخية، تسقيك حد الظمأ وحافة اليأس، لكن لا تخلع عنك معطف الرجاء الشائك كظهر قنفذ.

ينبذك الغرباء في ركن الشائهين الموسومين بالحرمان، يتفاداهم العابرون، يخفون عنهم ما يملكون من زينة، أو يتمتمون في وجوههم بآيات الحفظ، أو يخالونهم صندوق نذور ؛ فيلقون إليهم بنظرات شفقتهم العابرة.

حين تتعطل الطبيعة في عالمك، تنطلق مكابح الألسنة، تستبيحك بكيد فاضح وجهل دامغ، تهوى بعضهن الإصطياد من برك القيح،يطرحن شباك البغض؛ عساها تحصد فيما تحصد كبرياءك المحاصرة و كرامتك المستهدفة، يصرحن بيقين كوني السبب ومكمن العلة، وينثرن فحيحهن بحتمية زواجه بأخري ولود، ولفظي من عالمه.

كان الدعاء ملاذي الآمن، واليقين سلاحي الأوحد، يهونان البلاء، ويزينانه !....
كان الفقد مشوبا بدفء الحكمة وفتوحات الإكتشاف، تهذيبا للعقل وتنقية للنفس، وتحررا من رتق الجهل، إرتقاءا وتساميا. أذكر أني قد صرحت لإحداهن من قاع بئر الحرمان:

لن أفقد نفسي، و كرامتي لصالح أحد أو شيء، حتي لو كانت أمومتي الممنوعة من الصرف، المتلظية بسياط الشماته أوالإتهام أو القنوط.

أنظر، أنظر .. علق أحداقك بالسماء . ليتك تري ما أبصرت ..إنفتحت طاقة هائلة،وثانية، نور أبيض، رطب، أنصع من الثلج، سطوعه آثر، لكن لا يغشى الأبصار.

لم أجزع حد التوهة في أروقة الفقد، لكني أهيم حد الغياب في مسارات العطاء. لا يمكن حساب رحلتي إليكما بالأعوام والشهور، لكن بدقائق الألم ولحظات اللوعة.

لن يصدق مخلوق تلك الرسائل المشفرة التي نتبادلها بعيوننا الثرثارة، هذا الحديث الموصول من الفرح وهذي الزخات السخية من التواصل.. أنتما جائزة الصبر، وجوائز الصبر إسطورية وغير إعتيادية.. ويحي . أتلفت في قلق.. ينبغي أن أواري تميزكما؛ لأحميكما من أحقادهم. ذات الأحقاد التي عيرت فيَ غيابكم، وأثخنت جروحي.

.. ذاب ما قد كان في نعومة ملمسكما، وتبخر مع شذى أنفاسكما..تلك النسمات العبقرية التي لم أتنسم مثيلها في الأرض.. أستنشقها بتمهل و تلذذ وإدمان.

سلبني بكاؤكما الواهن وإستسلامكما الوادع وشم إساءاتهم وذكرى الإنتظار .

تسبياني بضعف قاهر ورقة طاغية، وتلتقما رحيقي بفيض من عذوبة؛ فتصبا الشهد في منبعي من جديد.

.لا أخجل أن أصرح لكما إندحارغصتي وإنهيار حصوني، بل وتنكيس أعلامي، ورفع أعلامكما وإعلان دولتكما.

أنتما بعض روحي، وبعض لحمي،وبعض دمي .فداءكما كل شيء إلا يقيني وعقيدتي.
تلك كانت رحلة أمكما . لا تنكسرا كما لم تنكسر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى