الأحد ١٤ حزيران (يونيو) ٢٠٢٠
بقلم شاكر فريد حسن

تجربة محمد أيوب في الكتابة الواقعية

الراحل محمد أيوب كاتب قصصي وروائي فلسطيني من قطاع غزة، من مؤسسي فن القص السرد القصصي في الأرض الفلسطينية المحتلة. ينتمي لجيل أدبي وثقافي فلسطيني نشأ واجتهد وكد ونشط في إرساء حركة أدبية وثقافية وطنية ملتزمة بقضايا الجماهير والوطن.

وهو أحد أربعة كتاب سرديين عرفناهم من خلال مجلة "البيادر الأدبي" لصاحبها ومؤسسها الكاتب الاعلامي المقدسي جاك خزمو الذي رحل قبل أيام عن عالمنا، وعلى صفحات الأدبيات الثقافية في الوطن المحتل، وهؤلاء الكتاب هم "المرحوم زكي العيلة وغريب عسقلاني (ابراهيم الزنط) وعبد اللـه تايه، والمرحوم محمد أيوب).

محمد أيوب من مواليد يافا في التاسع والعشرين من حزيران العام 1941، قذفت النكبة به وبعائلته إلى قطاع غزة، واستقر بهم المقام في خيمة صغيرة فوق رمال خان يونس. وكان لهذه التجربة المأساوية أثر عميق في نفسه، تعلم الابتدائية والاعدادية في مدارس البلدة، وانهى الصف الرابع الاعدادي العام 1956 وحصل على شهادة تفوق، ثم أنهى دراسته الثانوية، وفي الاول ثانوي وقع العدوان الثلاثي على مصر وأضيفت تجربة الطرد والتهجير والنزوع عن الأرض، وكان لهذا الحدث أيضًا أثره الواضح في تكوينه النفسي والثقافي، وبدأ بقراءة القصص الشعبية فالقراءات السياسية والأدبية والنشاط السياسي في اواخر الخمسينيات.

بعد حصوله على الشهادة الثانوية في العام 1949 عمل مدرسًا في القطاع، وأخذ يقتطع جزءًا من راتبه لشراء الكتب المتنوعة.

خاض محمد أيوب تجربة الكتابة وهو في الصف الاول ثانوي، فكتب الشعر ثم القصة القصيرة، وفي منتصف السبعينيات بدأ يبعث بقصصه للنشر في صحف "القدس" و "الشعب" و "الفجر" ومجلة "البيادر الأدبي" و"الاتحاد" و "الجديد". وتم اختيار قصته "البذرة تتمرد" من قبل الأديب الروائي الراحل إميل حبيبي ضمن أفضل عشر قصص قصيرة في الضفة الغربية وقطاع غزة، نشرت في مجموعة مشتركة في بيروت حملت عنوان "هكذا فعل أجدادنا "، وكانت القصة الوحيدة التي مثلت الضفة والقطاع، فيما كانت باقي القصص لكتاب من الداخل الفلسطيني عام 1948.

وفي العام 1978 صدر لمحمد أيوب مجموعته القصصية الاولى "الوحش" وكان للناقد الراحل محمد البطراوي وأسعد الأسعد دور كبير في ان ترى هذه المجموعة النور، وتناولتها الاقلام النقدية في حينه، وبعيد اندلاع الانتفاضة صدرت مجموعته القصصية الثانية "صور وحكايات" العام 1989. وفي العام 1990 صدرت روايته "الكف تلاطم المخرز" التي تحمل النزعة الأيديولوجية الواضحة كما يشي عنوانها.

وبعد اوسلو نشوء السلطة تحول أيوب للسلك الأكاديمي، وحصل على درجة الماجستير عن أطروحته "الرواية في الضفة والقطاع" من جامعة النجاح الوطنية في نابلس، فالدكتوراه من الجامعات المصرية، ليصبح فيما بعد محاضرًا في جامعات غزة. ومنذ العام 2000 حتى وفاته في العام 2015 انخفضت وقلت مشاركاته ومساهماته الأدبية الابداعية وطغى العمل الاكاديمي عليه.

محمد أيوب كاتب صدامي، اعتنق الفكر اليساري التقدمي، الذي ينعكس كثيرًا في كتاباته التي تعالج المعاناة اليومية لأبناء شعبه والواقع الاجتماعي والقهري الحياتي في ظل الاحتلال. وتأثر بعمالقة الأدب الواقعي العالمي من ذوي النزعة الإنسانية والرؤية الطبقية، وشكلت البيئة الشعبية التي نشأ وكبر في جنباتها واحتكاكه بالفئات الشعبية الكادحة الفقيرة والمقهورة في المخيمات مادة خام له، واسهمت قراءاته في الأدب الواقعي في صقل تجربته بحيث أدى الأمر لكتابة قصة واقعية حية نابضة بالحركة والحرارة، بما فيها من صدق فني وتعبيري وحس طبقي وفكر تنوري واضح وأصالة متدفقة بين الكلمات والسطور.

في مجموعته القصصية الأولى "الوحش" التي اشتملت على أربع عشر قصة قصيرة، يلتزم محمد أيوب التعبير عن قضايا الناس في ظل القهر والبطش والظلم الاحتلالي، واعيًا لواقعه، ويرصد أوضاع واحوال الطبقات الشعبية المنسحقة، ويصور همومها وآلامها واوجاعها اليومية والمصيرية، وبحثها عن رغيف الخبز ولقمة العيش، وحلمها بالخلاص من هذا الواقع المر.

أما في روايته "الكف يناطح المخرز"، فيتناول الفترة الزمنية الممتدة من أواخر حزيران العام 1987 حتى أواسط آب 1988، ويحكي فيها عن شاب اراد له والده أن يكون حياديًا بالنسبة للصراعات التي تدور حوله، ولذلك أسماه "حياد"، وهذا الشاب يشكو ويتبرم من الوضع الذي اراده له والده، ويلح عليه السؤال : إلى متى سيظل عديم اللون والطعم والرائحة، ومع كونه كذلك لم يسلم من طائلة الاحتلال، فقد طالته عصا المحتل، واقتيد إلى السجن عشية اضراب "يوم المساواة" داخل الخط الأخضر، وهنا وجد نفسه وجهًا لوجه مع الكثير من الشيوعيين الذي اعتقلوا في تلك الفترة اعتقالا احترازيًا، وتتفتح عيناه على أشياء يدركها للمرة الأولى في حياته من خلال الاستماع والإصغاء لنقاشات وسجالات تترك بصمات واضحة، لكن همه وهاجسه الأساس يظل أمام دراسته وتحصيله العلمي التوجه للدراسة في جامعة بير زيت، وما يكاد يبدأ دراسته الأكاديمية تندلع الانتفاضة وتلجأ السلطات بإغلاق الجامعة فيعود لبيته في خان يونس، ويشارك في الأحداث بصورة تلقائية وعفوية. ويشد هذا الحدث جميع الناس بمن فيهم "حياد" الذي بدأ بالخروج عن المضمون والمألوف الذي أراده والده. وبعدئذ يذهب للعمل في اسرائيل، وتصادفه صبية يهودية تحاول أن تستميله إليها لكنه يرفض إقامة علاقة معها، ويعتقل "حياد" اعتقالًا اداريًا ويزج في سجن النقب الصحراوي، ليستشهد في احدى عمليات القمع والتنكيل ضد المعتقلين الفلسطينيين، وقبل ان تفيض روحه يرسم شارة النصر ويبتسم مطمئنًا بانه يصنع المستقبل.

ويمكن القول أخيرًا، أن طبيعة الحياة وتفاصيلها الدقيقة، وواقع الناس اليوم، وطرق كسب معيشتهم ومعاناتهم الانسانية، وطبيعة المكان، والشخصيات الواقعية كلها تبرز في كتابات محمد أيوب السردية، كقصصي وروائي واقعي ناجح لا يشق له غبار، عاش الهم اليومي الفلسطيني، ويثير فينا الألم والوجع الإنساني العميق في دواخلنا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى