الجمعة ٤ حزيران (يونيو) ٢٠١٠
بقلم عبد القادر محمد الأحمر

تداركوا الجدار قبل الانهيار

في يقيننا أن العمود الفقري الذي يقوم عليه هذا الكيان الإسلامي الضخم العريض - المتنامي بإذن الله - وأصل أصوله هو (مكارم الخلاق)، وما مكارم الأخلاق إلا مجموع الصفات المحمودة التي تزين الشخصية الإنسانية الإسلامية- ذكراً كانت أم أنثى– فإن إنكسر أو أُقتلِع أو أُضعِف كان الشتات والضياع والفوضى والضلال والنفاق وفقدان التوازن المؤدي إلى التبعية، ثم إلى الموت بشقيه، ظلمة الجهل وظلمة القبر، فيتخبط المتخبط وينوح المتحسر، وبلاطائل!!

إن الناظر إلى واقع هذا العالم– اليوم – لا يرى سوى انه الترجمة الفعلية الوقتية لجميع هذه الخطوط العريضة لتلك الأهداف والغايات التي يتطلع إليها هذا الكائن اللامرئي المدعو بـ (الشيطان) !! ، وبما أننا جزء متفاعل مع هذا العالم- في مدِّه وجزره – نجد أننا في حاجة ماسة إلى بذل المزيد من الجهد لاحتواء كل هذا الزبد وما يحمله من سوالب، وإلى اختراق كل هذه الأنساق الحضارية الهشة، وذلك بتنوير معارفنا ومفاهيمنا كلها بالرؤية القرآنية الشاملة الجامعة، لأنها السد الوحيد الموجود القادر على صد مثل هذه التيارات الشيطانية الجارفة، وذلك للقفز والفكاك والانطلاق من قيود هذه الجزئيات الحسية الضيقة، ومن ثم من هذه التبعية المهلكة وهذا الفقر المدقع وهذا الافلاس، إلى رحاب تلك الأبعاد الكونية الرحبة حيث الكليات والشبع والنماء والازدهار والغنى والأمان !! فقد حذرنا رسولنا الكريم من كل ذلك بقوله: ( لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم، قلنا: يا رسول الله: آليهود والنصارى؟ قال: فمن؟!! )..

وقد قال أنس- رضي الله عنه - : (إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم – من الموبقات) –أي من المهلكات - فبأي الصفات- يا ترى – كانوا سيصفون حالنا اليوم وما نحن فيه وعليه من أعمال دقيقة في أعيننا كالمخدرات وأصنافها والخمور وأنواعها، وهذا الغناء الهابط، وهذا الرقص الجنسي الخليع، وهذا التغزل الفاضح ما بين الجنسين؟؟!!

إن هذا التبرج والسفور والفساد والجهل الذي يتخبط فيه عالمنا اليوم- رغم تقدمه التقني العالي السافل، والذي هو من سنن اولئك الذين هم من حولنا – هو ما دعا هؤلاء إلى القول بأن ما ورد في القرآن والسنة حول هذه المرأة تحديداً- لأنها الكائن الوحيد الذي يحمل ثمار شجرة اللذة الذي يقف قبالة هذا الرجل من غير ثالث مرئي!! – لا يترتب على تخطيه أدنى ضرر، لأن إيقاع العصر- في زعمهم – يتطلب هذا التخطي، إلا أن هذا هو ما أعاد هذا الكم الهائل من النفوس المتعبة إلى ذل (الأسر) الممقوت والعادة القاتلة في إطار التبعية الجاهلة، ومن ثم إلى دمىً تتعاطى هذه اللذة، وتتمتع وتلهو على الطريقة التي يعرفها دعاتها هؤلاء في كافة عواصم العالم، ومن ضمنها- ويا للأسف – بعض العواصم العربية المسلمة، إن لم نقل كلها، وغيرها!! حيث مسارح الرذيلة، وملاهي الخنا والعري، ومهرجانات الاختيار لملكات الجمال، وهنّ شبه عاريات أمام لجان القياسات الجسدية وهم من الرجال!!!! بل يحدثوننا بأن هنالك في بعض البلدان الأجنبية المتقدمة- إدعاءً - تعرض المرأة في (فاترينة) من الزجاج على الشارع العام وهي عارية تماماً، فإن رغب فيها المار ذهب إلى المكان المخصص ومعه رقم الفاترينة ليحضروها له بالداخل بعد تسديد القيمة المكتوبة!!!!! وقد انتقل هذا الأمر إلى شبكة (الانترنت) اليوم، حيث يقول علماء النفس بأن هنالك العديد من المستخدمين يتعلقون بمواقع (الصور الإباحية) على الشبكة، مما دعا أحد المسئولين إلى أن يقول بأنه ولأول مرة في التاريخ البشري غدت الصور الإباحية تخترق منازلنا دون أي رقابة، وقد يصل المرء إلى موقع من هذا النوع بالضغط على بضعة أزرار أو حتى بمحض الصدفة، وعندها يصعب عليه الخروج منه !! تصوروا.. !!

وهكذا يمضي بنا الاستدراج للابتعاد- وإن طال الزمن – عن حصون العفة والشرف والكرامة والحياء والقيم وكل الصفات المحمودة، بل وعن الدين كله، لأنه هو وحده- أي الدين – من يدعو الخطى للتقهقر عن تلبية مثل هذه الدعوات الشيطانية، والالتجاء إلى جدار (الإيمان) القوي، ومتى ما انطلت هذه المؤامرة الخبيثة المقدمة من هذا (الذكر) الجاهل ولا أقول (الرجل) إلى هذه الأنثى للقيام بمثل هذه الأدوار، كانت إحدى إثنتين: يا إما جاهلة مثله، لا علم لها بما يحاك ضدها هي شخصياً، وبأمور دينها، أو عالمة بما يدور حولها وبنتائج هذه الدعوة الخسيسة، فتكون في هذه الحالة هي الجزء الفاعل الأول من المخطط الجهنمي الذي يدبر بليل ونهار- لأنها الطرف الآخر من أي قضية اجتماعية في هذه الحياة- لتفكيك وتقويض أركان واواصر هذه المجتمعات المسلمة، المتمسكة بدينها ومبادئها وأخلاقياتها وتقاليدها وأعرافها الحميدة، وتفتيت عرى هذه الوحدة (الأممية) الدينية العميقة، وتشويش هذه النظرة السليمة المتطلعة إلى الأمور الأخروية في ثبات ويقين، لأن الصياغة الحكيمة البديلة، والاجابات النهائية، لا توجد إلا في قلب هذه المجتمعات المسلمة- والمسألة في رأيي الخاص مسألة وقت لا غير – فما لايقاس عندهم كالأخلاق والغايات، فنحن من يملك أدوات قياسها وشفرات تفسيرها، لذلك هم يسعون بكل ما لديهم من وسائل مبتكرة لاشاعة التشيع اللاأخلاقي لتدمير هذا (الجدار) داخل هذه النفوس الطيبة، وهدمه من جذوره، لتسهل التبعية بعد هذا التخدير اللذيذ والغسيل المقنع!! وفي ذلك يقو ل- سبحانه وتعالى – (... وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً النساء27.. وهل هنالك ميل إلا للجدران!!!! ويقول- سبحانه وتعالى – إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ النور19.. وهل هم غير اليهود والنصارى؟!! ومن شايعهم منا؟!!

ومتى ما تفككت هذه الأركان، وتقوضت هذه الأواصر والوشائج النادرة، واصبحت النظرة هي هذه النظرة المادية (الدونية) وحدها تعرى الكيان الواحد، واستبيح عرضه، وصار الاختلاف هو الطابع والديدن، وتهتكت أمراس الأسرة الواحدة، وصار أفرادها نهباً لهذه التيارات والسيول الجارفة، الوافدة من كل اتجاه ، وما أكثرها اليوم!! وغاب الدين بالتالي عن (القلوب) وتوارى خلف هذا المحسوس الملموس، وسكت واعظه، لولا بقية- هي الثلة القليلة – القابضة اليوم على الجمر، الممسكة بآخر شعرات حبل الله كي لا تنقطع، هذه الفئة الي لا يؤبه لها حتى يأتي الله بأمره!!! وإنه حقاً لآتٍ!! فلولا هذه المعاني الإسلامية العميقة في نفوسهم لكان ولا شك حظ الشعوب المسلمة أشد ظلمة وأكثر فساداً وأعتى جاهلية مما هي عليه اليوم!!!!!

هذا وقد جاء في الصحيح عن أسامة أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أشرف على أُطم من آطام المدينة ثم قال: (هل ترون ما أرى؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر) –والتشبيه بمواقع القطر –قالوا – في الكثرة والعموم –

بل ونجد هنالك من دعا إلى رصد الكثير من مثل هذه الظواهر الاجتماعية السلبية كالمخدرات والسيجار والخمر والإباحية –أي إلى موازنة تكاليفها المادية لإنتاجها وتكاليفها المعنوية لاستهلاكها – ثم إلى تلك السلع التافهة التي لا تضيف إلى معرفة الإنسان ولا تعمق من إحساسه، ثم النظر إلى تآكل الأسرة الواحدة، وضياع طريقة التعامل مع الآباء الكبار (العجائز)، ثم ما مدى الوقت الذي يقضيه الإنسان مع أطفاله وزوجته، ثم هذا التراجع للتواصل بين الناس بسبب الكمبيوتر، وهذه الأمراض النفسية المسببة للإكتئاب وعدم الاتزان، ثم إلى هذا التزايد المستمر للعنف والجريمة في المجتمعات التي يقال عنها متقدمة، ثم انتشار هذه الفلسفات العدمية، وفلسفات العنف والقومية والجهوية والصراع، وهذا التزايد الاحساسي بالاغتراب والوحدة، والغربة حتى داخل نطاق الوطن، وهذا التزايد الإنفاقي الحكومي على التسليح وأدوات الفتك- بل يقال أنه لأول مرة في التاريخ البشري ينفق الإنسان على السلاح أكثر مما ينفق على الطعام والملبس، ثم إلى إمكانية تدمير هذه الكرة الأرضية إما فجأة- من خلال الأسلحة النووية – أو بالتدريج- من خلال التلوث – ثم إلى مدى تاثير السياحة وحركة التنقل على نسيج المجتمعات وعلى تراثها وتقاليدها!! .. لنرصد كل هذا- كما قال – ولنحسب التكلفة المادية والمعنوية لهذه الظواهر السلبية مع تحويل هذا المعنوي لهذه الظواهر إلى مادي ضمن تكاليف إنهيار الأسرة، وتشتت الأطفال، وعدم وجود رعاية أسرية كافية، وهو ما يجعل العملية التربوية مكلفة للغاية، إذ لابد أن تتم بقضها وقضيضها في المدرسة، هذا وقد لوحظ وجود علاقة ما بين زيادة اعمال التخريب المتعمد، وتصاعد معدلات إنهيار الأسرة، ولا شك أن هناك علاقة وثيقة بين تزايد القلق وهذه الظاهرة، كما لوحظ- دون شك – وجود علاقة بين مرض الإيدز والحرية الجنسية (المرتبطة بالانفتاح والتقدم) !! ..

كما علينا أن نتيقن من أن كل هذه المعاول الهدامة هي من أعدى أعداء الإنسان ألا وهو الشيطان الرجيم كما يقول الكتاب المجيد، ولكن.. هل فينا من رأى- حقيقةً – هذا الشيطان وكيفية صنيعه هذا؟؟؟!!! إن الإنسان ليتساءل حقاً: هل لهذا الشيطان الداعي أبداً إلى تفكيك هذه الأركان، وتقويض هذه الأواصر، وتفتيت هذه الوشائج من وجود خارجي مستقل!!!! أم انه في دواخلنا يشاركنا حديث هذه النفس أم أنه هو هذه النفس بعينها!!!! مما يعني أننا (نحن) (هو) !!! علماً بأن قوماً أتوا النبي- صلى الله عليه وسلم – وقالوا له بأنهم يجدوا في انفسهم ما يتعاظم أحدهم من أن يتفوه به !!!! فقال لهم: أوجدتموه ؟ قالوا: بلى ، قال: فذلك نِعْمَ الإيمان!! ثم ما سر هذه (XX) التي أشار العلم الحديث إلى وجودها في هذه الانثى وإلى هذه (YX) التي أشار إلى وجودها في هذا الذكر!!!! ألا يستوجب كل هذا استنباطاً والله يقول: (..مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ..) ؟!!

والآن فلنلتفت إلى هذه الاية الجامعة التي ترينا مدى ما ساقنا إليه هذا العدو اللامرئي ومدى عمق الهوة التي رمانا فيها!! يقول- سبحانه وتعالى -: يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ الأعراف27.. إنها الاية المحورية لكل هذا الذي يجري الآن على سطح هذا الواقع الرديء الذي نرزح تحت نيره اليوم ، جميعاً!! والذي يسعى غيرنا (اليهود والنصارى) إلى دفعنا وجرنا جراً إلى أوحاله وقذاراته للحيلولة بيننا والانطلاق، بما عندهم من مغريات ووسائل، وإني لأرجو أن يقف إنسان هذا العصراليوم لحظة قصيرة ويتأمل نفسه- أي تركيبته هذه - متأملاً قول الله تعالى: فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ الانفطار8.. ويعلم أن التركيب يتم من أجزاء، فإنه لن يجد سوى أن نصفه الأعلى هذا- وهو النصف الذي نرى بأنه النصف الذي إليه الاشارة في الآية القرآنية التي تفيد بأنه (التقويم الأحسن) – محمولٌ على نصفه الأسفل هذا والذي نرى بأنه النصف الذي إليه الاشارة في الآية القرآنية التي تفيد بأنه (أسفل سافلين)، وانه- أي هذا النصف الأسفل بمثابة (العبد) لهذا الاخر، يحمله طوال حياته، وأنه الموجب- على ضوء الأمر الإلهي الصادر – أن لا تكون خطواته في هذه الحياة الدنيا- أينما اتجه – إلا في مرضاة الخالق- سعياً وسكوناً – وهذا ما يعنيه قوله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ النور21.. وقوله- سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ168 إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ169 البقرة.. علماً بأن كل الأوامر إنما تصدر إليه من الساكنين في النصف الأعلى بـ (افعل) أو (لا تفعل) !!!

يتبع..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى