الجمعة ١ تموز (يوليو) ٢٠٠٥
لا تصدق فراشاتنا
بقلم عادل الأسطة

تداعيات حول ما يجري

تشدّ، يوم الاثنين ( 13/5/2001 ) الرحال إلى عمان لتشارك في مؤتمر تعقده الجامعة الأردنية، وتصغى في الطريق، وأنت في السيارة، إلى نشرة الأخبار. كان الخبر الفاجع هو ذاك الخبر الذي قرأه المذيع يعلن فيه عن استشهاد خمسة من رجال الأمن الفلسطيني. تراودك نفسك، لحظتئذ، أن تعود من حيث أتيت، أن تعود إلى نابلس. غير أن السائق يواصل طريقه، نحو الجسر، غير مكترث للشارع وما ألم به من خراب، وغير مكترث أيضاً للحواجز الإسرائيلية التي كلما تراها وتبصر الجنود الإسرائيليين، تراودك فكرة أنك، ومن معك، ستكونون معاً ضحايا اللحظة القادمة. وتقول: من يدري إن كان بين هؤلاء الجنود جندي يحقد على العرب لأن بعض هؤلاء مسوا به جنسياً، وهذا ما قيل في أثناء محاكمة جندي إسرائيلي قتل في أثناء الانتفاضة الأم، في عيون قارة، إن لم تخن الذاكرة الخؤونة، عشرة فلسطينيين من عمال المناطق المحتلة كانوا متوجهين، ذات صباح باكر، إلى أماكن عملهم في فلسطين. ولا تبتعد الفكرة عن مخيلتك وأنت عائد إلى الضفة الغربية من عمان، بعد يوم من العملية الانتحارية في ( ناتانيا )، فكلما أبصرت جندياً إسرائيلياً وأصبعه على الزناد، أخذت تقرأ الفاتحة على روحك وأرواح من معك.

تعرف، وأنت في عمان، في فندق ( توليدو )، تعرف من أحد زملائك أن طائرة إسرائيلية قصفت مدينة نابلس، إثر عملية ( ناتانيا )، وألح عليك السؤال: هل ستعود إلى نابلس، أم أن الجسر سيغلق لتبقى في عمان؟ ويقترح زميلك الذي تزوج من إحدى قريباته من مناطق 1948، يقترح عليك، إن أغلق الجسر، أن تعودا معاً عبر مطار اللد. وتسأله: ولكن من يضمن أننا سنعود وسنصل أيضاً إلى نابلس سالمين!

يسألك، وأنت هناك في عمان، يسألك إخوتك العرب عمّا يجري في الأرض المحتلة. يسألونك خارج قاعات الدرس عن مستقبل النزاع العربي الإسرائيلي. يسألونك إن كنتم هناك تمارسون حياتكم الطبيعية. يسألونك عن هذا وأنتم تتناولون طعام الغداء أو طعام العشاء، أو كنتم تزورون هذه الجامعة أو تلك. وتصغي في المحاضرات إلى ما يقال، وتناقش المحاضرين، وتشاهد بنايات عمان الغربية الجميلة الأخاذة الساحرة، وشوارعها وجسورها، وتتمشى ليلاً، مع إخوة جزائريين، في جبل الحسين، وتنسى في تلك اللحظات عالم الضفة والقطاع. كأنما تسلبك المحلات وأضواؤها وحركة الناس، كأنما تسلبك عقلك، وتدرك هذا فأنت من يكرر: حين يغادر أهلُ الضفةِ الضفةَ ويقطعون الجسر، لا يعودون يسألون كثيراً عن تلك البلاد المحتلة. فكيف يسأل عنها العرب؟

تقفل يوم السبت ( 19/5/2001 ) عائداً من عمان إلى الضفة. وكنت تتابع أخبار قصف نابلس وعملية ( ناتانيا ). تسأل السائق قبل أن تصعد إلى الحافلة، تسأله إن كان الجسر غير مغلق. حين تعبر الجسر تبصر ثلاثة جنود إسرائيليين يتابعون واجباتهم. ( أنزلونا من الباص، ونظروا في جوازات سفرنا، وفحصوا الأمتعة بواسطة فاحصة ألكترونية، ثم تركونا نصعد إلى الباص لنواصل طريقنا، طريق العودة ). ولم تفكر، وأنت تبصر الجنود، في أي شيء آخر مختلف عن تفكيرك الذي راودك وأنت مسافر، تفكيرك الذي يراودك وأنت تمر أمام حاجز إسرائيلي: ماذا لو أن أحد هؤلاء أراد أن ينتقم من العرب لاعتداء بعض هؤلاء عليه جنسياً. ماذا لو كان بين هؤلاء طبيب مثل ( غولدشتاين )؟ وحين تبصر مجندتين إسرائيليتين شابتين: سمراء البشرة وحنطية اللون تتذكر ابنتيك وتلعن، كما لعن أبو علي الشخصية الرئيسة في قصة توفيق فياض " الحارس "، تلعن الحرب وكل الحروب. فهاتان الشابتان، كما روز وفائزة، قد تكونان ضحية. وتستعيد، وأنت تنظر إليهما، صورة ابنتيك، وتنسى كل ما تستمع إليه من هذا الطرف عن ذاك أو من ذاك عن الطرف الآخر. لكن تفكيرك، وأنت تمر أمام حاجز إسرائيلي، سرعان ما يعاودك: هل سنكون ضحايا اللحظة القادمة؟

تنهي التفتيش وتصل إلى استراحة أريحا، وسرعان ما يسألك السائق إن كنت متجهاً إلى نابلس. يقول لك سائق الباص: سينطلق الباص في الحادية عشرة، خلافاً للتاكسي الذي سينطلق في الثانية عشرة، فيما يرد عليه سائق التاكسي قائلاً: إنني أحتاج إلى ثلاثة ركاب فقط، وهكذا سرت وراءه، صوب ( تاكسي ) يه، فيما تهمس : " على الرغم من كل ما يحدث فإن الشعب الفلسطيني ما زال يتمتع بروح الدعابة، وما زال قادراً على المزاح ". غير أنك سرعان ما تلتفت جانباً لترى رجلاً نزقاً حاد الملامح، رجلاً يغير، بسرعة، فكرتك عن الشعب الفلسطيني، رجلاً يقول لك سلوكُه إن الفلسطينيين بشر عصابيون، وربما يعود هذا، بل إن هذا يعود، إلى الأحداث التي مروا، وما زالوا يمرون، بها. ( كان هذا الرجل قد سأل السائق إن كان يسير نحو نابلس عبر قرية حوارة، ولما أجابه السائق أنه سيمر عبر طريق الباذان تردد في الصعود، فما كان من الركاب إلا أن شغلوا مقاعدهم وازدادوا واحداً، وهنا جن جنون الرجل الذي أصر على أن يكون أحد ركاب الحافلة، وقد أخر هذا، بسبب صراخه وإصراره على الصعود، الركاب وانطلاق الحافلة خمس دقائق، فلا الركاب تنازلوا عن مقاعدهم، ولا هو وافق على أن يأخذ حقيبته التي وضعها، للتو، في خزانة السيارة ).
تجلس إلى يمينك، في المقعد الخلفي، امرأة قروية ربما تجاوزت السبعين، وتقول هذه إنها جدة شهيد من شهداء قصف سجن نابلس يوم 18/5/2001. شهيد من الشهداء الذين دمر جزء من مبنى السجن على رؤوسهم. ولم تتكلم هذه المرأة إطلاقاً. ربما كانت، وهي تتمتم، ربما كانت تقرأ القرآن على روح حفيدها. لم تصرخ. لم تبك. لم تفه بأي حرف. كانت تتمتم فقط، وكان ركاب السيارة صامتين يصغون إلى صوت المذيع، وحين أخذ هذا يقرأ أسماء شهداء سجن نابلس أصغت امرأة وزوجها، وكانا من قرية عصيرة الشمالية، إلى اسم ابنهما. كان بكرهما، وهو في الشرطة الفلسطينية، وفجأة انفجرت المرأة بالصراخ: " يما يا حبيبي. يما يا حبيبي " وكان زوجها صامتاً. تتوقف السيارة للحظات. يتناول السائق من خزانة السيارة زجاجة ماء يناولها لامرأة أخرى كانت تجلس إلى جانب أم الشهيد، لتغسل هذه وجه الأم ولتسقيها الماء ( ارتمت الأم على صدر زوجها وغابت، للحظات، عن الوعي، فيما واصل السائق طريقه والتزم الركاب الصمت ) وقبل أن تقترب السيارة من الباذان تسأل والد الشهيد إن كان عرف خبر استشهاد ابنه للتو، فيخبرك أنه عرف ذلك أمس.

لا تدري لماذا وأنت في الطريق لم تعقب على كلام مذيع كان يتحاور مع شاب فلسطيني حول الفضائيات وبرامج التلفاز المحلية. ( كان الشاب يطلب من المذيع أن يدعو أجهزة السلطة أن تراقب محطات البث التلفازي المحلية، ذاهباً إلى أنه من غير المعقول أن تبث هذه المحطات أغاني خليعة من حيث الصور المرافقة للكلمات في الوقت الذي تشيع فيه جثامين ما لا يقل عن أحد عشر شهيداً، وكأن المشرفين على محطات البث هذه ليسوا فلسطينيين، كأنهم ينتمون إلى عالم آخر غير عالمنا ) ولا تدري أيضاً لماذا لم يعقب أحد من ركاب السيارة على كلام المتحاورين في الإذاعة، ( وبخاصة حين أتى المحاور على ذكر الزعماء متهماً إياهم بالخيانة وعدم المسؤولية، فيما ردّ عليه المذيع وقد طلب منه ألا يذكر أسماء معينة وأن يكتفي بالتعميم ) وتسأل ذاتك: أهي لحظة ذهول أمام ما جرى مع المرأة؟

( الصحيح أنني وأنا أراقب المرأة أخذت أفكر في كتابة مقالة عما جرى معها وما انتابها، وتمنيت لو كانت معي، للتو، ورقة أدون فيها الخطوط الرئيسة لمقالة أو لكتابة نثرية تصف ما نحن فيه، هذا إذا استطعت أن أكتب، في حالة كهذه، في لحظة كانت أيضاً فيها السيارة تهتز بقدر ما كانت مشاعرنا تهتز: ثمة أم شهيد، وثمة جدة شهيد ).

تسترجع، وأنت تصغي إلى المرأة، تسترجع المقاطع الشعرية التي يغنيها مارسيل خليفة المغني اللبناني المعروف، تسترجع الأسطر:

أجمل الأمهات التي انتظرت ابنها
وعاد مستشهداً
فبكيت دمعتين وورداً
ولم تنزوِ في ثياب الحداد

وتقول: لم تبك الأم حسب، لقد صرخت وفقدت الوعي. ولا تدري الآن، وأنت تكتب هذا إنْ كانت منزوية في ثياب الحداد. لا تدري إن كانت توزع الحلوى لاستشهاد ابنها، إذ زفته عريساً للأرض بعد أن لم تزفه عريساً لامرأة. ( وأنا في الفندق، كنت أتابع ما يجري من خلال ما تبثه محطة الجزيرة القطرية. كان الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، أحد قادة حركة حماس في غزة، يتحدث عن ردود أفعال الناس في الضفة والقطاع إزاء العملية الانتحارية في ( ناتانيا )، ومما قاله: إن الناس توزع، في القطاع، الحلوى، وهو يقول ذلك لأن سكان فلسطين يريدون الحرية، وأفصح أن الناس لا تخاف الموت، خلافاً لليهود الذين هم أحرص الناس على حياة ).

وتقول لك دموع الأم، يقول لك صراخها إنها لم تكن ترغب إطلاقاً في أن يموت ابنها. تقول لك إنها تريد أن تفرح به عريساً لامرأة، لا عريساً للأرض التي ستبتلع الجميع: شيوخاً وشباناً، نساءً وفتيات، أطفالاً وأجنة ولدت حديثاً، وتتذكر لحظتها قصيدة محمود درويش التي منها الأسطر التالية، الأسطر التي جعلت إحدى عباراتها عنواناً لهذه التداعيات:

" نخاف عليك ومنك نخاف، اتضحنا معا، لا تصدق إذن صبر زوجاتنا
سينسجن ثوبين، ثم يبعن عظام الحليب ليبتعن كأس الحليب لأطفالنا.
نخاف على الحلم مِنْهُ ومنّا. ونحلم يا حلمنا. لا تصدق كثيراً فراشاتنا ".

وتسأل نفسك: من أصدق مِنْ هؤلاء؟ الدكتور الرنتيسي أم الأم التي تبكي ابنها الشهيد أم الشاعر محمود درويش؟ وتذهب بعيداً !! كلما حوصرنا نتذكر إخوتنا العرب. الجماهير هنا تشتم، والقيادة تحاور وتناور، ونحن لا حول لنا ولا قوة إلا بالله.

حين تقترب السيارة من وادي الباذان، الوادي الذي يمتاز بوفرة المياه صيفاً وشتاءً، تلقي نظرة على الشلالات التي كانت شلالات، ولا تبصر الشلال الرئيس. تقول: لكأن الينابيع لم تنفجر شتاءً هذا العام ( 2000/2001 )، لكأنها لم تتفجر لأنها وجدت بديلاً: أجساد الشباب التي تفجر دمها. تقول: لكأنه إن لم يكن هناك مطر، تمطر أسلحة العدو رصاصاً، وإذا لم يكن هناك ماء فليكن هناك دم، ولتكن أجساد الشباب والأطفال بديلاً عن الأرض. ليكن دم هؤلاء ماء الأرض الذي انحبس هذا العام.

قبل أن تصل الحافلة إلى نابلس، وحين وصلت إلى المساكن الشعبية الشرقية حيث تقيم، تطلب من سائقها أن يتوقف على الشارع الرئيس. ولا ترجوه أن يوصلك إلى بيتك، لأن هذا قد يؤخر الركاب دقيقتين والد الشهيد بحاجة إليهما. تسلم على والد الشهيد وتقول له: يسلم رأسك، وليلهمك الله الصبر. وتسير باتجاه منزلك تنفق يوماً كاملاً قبل أن تذهب إلى وسط المدينة لتشاهد آثار قصف طائرة الـ إف 16 سجن نابلس المركزي. وتتساءل حين تبصر آثار العدوان: لماذا هدموا السجن الذي أصبح جزءاً من المدينة. ( على ما أعتقد فإن المبنى أنشيء زمن الانتداب، الانتداب البريطاني الذي بنى المدارس وشق الطرق وأنشأ السجون وأصدر وعد بلفور. وقد ظل المبنى سجناً في العهد الأردني وفي العهد الإسرائيلي وفي عهد السلطة الوطنية، وكنت أتمنى شخصياً لو حولته الأخيرة إلى متحف سياحي، كما حوّل اليهود معسكر ( داخاو ) وغيره، في ألمانيا، إلى مكان يؤمه السياح القادمون ليروا بقايا عهد ( هتلر ) وما فعله هذا باليهود، وكنت واحداً مما زاروا، في عام 1990 ( داخاو ) وشاهدت أسّرة اليهود الخشبية وغرفة الغاز وأبراج المراقبة ).

تقرر منذ فترة وجيزة أن تكتب مقالة تقارن فيها بين العذاب اليهودي في أوروبا والعذاب الفلسطيني منذ إنشاء أول مستوطنة على أرض فلسطين، ولا تدري لماذا لم تنجز، حتى اللحظة، المقالة. ألأنك قرأت ثمة مقارنة حول ذلك في رواية سميح القاسم " الصورة الأخيرة في الألبوم "؟ لا تدري غير أنك لم تنجز المقالة !! ( كنت، على الرغم من انتفاضة الأقصى هذه وما ينجم عنها من قتل وتدمير، كنت أتابع، في شهر نيسان 2001، ما يبثه التلفاز الإسرائيلي عن (الهولوكست ) وشاهدت حلقة عن مؤسسة ( ياد فاشيم ) تحدث فيها غير يهودي عن الماضي. تحدثوا عن عشرات المآسي: عن الطفل الذي قتل وبقيت فردة حذائه تذكر أهله بمأساته، وعن الدمية وقصة صاحبتها، وعن الرسائل التي كتبت ولم تصل. وقلت: لقد تعذب اليهود اثني عشر عاماً، ما بين 1933 و 1945، وانتهى عذابهم على أرض ألمانيا، ولكنه ما زال يعيش معهم، في ذاكرتهم وفي ( ياد فاشيم )، وأما نحن فلم ينتهِ عذابنا الذي بدأ منذ 1878، ومال زال مستمراً، وتساءلت: أي الشعبين دفع ثمناً باهظاً أكثر؟ قلت أيضاً: لئن قال الإسرائيليون إنهم فقدوا ستة ملايين يهودي وأننا لم نفقد سوى عشرات الآلاف، لئن قالوا هذا فإن نظرية ( آينشتاين ) – وهو يهودي - ربما تقول لهم إننا دفعنا ثمناً باهظاً، ثمناً أكبر من الثمن الذي دفعوه، فالمرء منا يموت يومياً على مدار خمسين عاماً أو ستين عاماً، وإذا ما أخذنا بهذا فإن عدد قتلانا يساوي عدد قتلاهم في معسكرات الإبادة، وإذا ما رصدنا العذاب البشري للاجئين الفلسطينيين وغير اللاجئين، على مدار 100عام من رحلة العذاب، يبدو الفارق بين معاناتنا ومعاناتهم ؟).

وتسأل: هل أراد الإسرائيليون، حين هدموا سجن نابلس على مَنْ فيه، أن يقتلوا أفراد حماس فقط؟ أم أنهم أرادوا أن يخلصونا من ماضيهم هنا؟ من ذكرياتنا عن رحلة تحت الحكم الإسرائيلي بعد عام 1967. وتقول: ثمة حكايات كثيرة حدثت في هذا السجن الذي عاش فيه السجانون الإسرائيليون مع السجناء الفلسطينيين. ثمة حكايات ربما تساوي كماً عدد حكايات اليهود في ( داخاو ) أو في ( أوشفيتس ). تسأل نفسك من جديد: هل فكر الإسرائيليون في أننا قد نجعل منه مؤسسة مثل مؤسسة ( يادفاشيم )؟ ربما.

وأنت تلقي نظرة على السجن المهدم تتساءل: ما الذي تفعله الأم الآن؟ ما الذي تفعله الجدة الآن؟ هل تنزوي كل واحدة منهما في ثياب الحداد أم أنهما تأخذان بنصيحة الشاعر:
" ولم تنزوِ في ثياب الحداد "

وما الذي يفعله الشهيد؟ هل دخل إلى جنات الخلد أم أنه ما زال ينتظر دخولها؟ وهل زف هناك إلى الحور العين أم أنه حنّ إلى وطنه آخذاً بما قاله أحمد شوقي:

وطني لو شغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه بالخلد نفسي
وهل صاح هناك: يا وطني! كما صاح الشاعر ناظم حكمت حين قال:
" أدخلوا الشاعر إلى الجنة فصاح يا وطني! "

وتتذكر ابيات مريد البرغوثي التي وردت في قصيدته " طال الشتات " تتذكرها وتكررها مراراً:

طال الشتات وعافت خطونا المدن وأنـت تمعـن بعـدا أيها الوطن
_ كـأن حـبك ركض نحو تهلكــة ونحن نـركض لا نبطي ولا نَهِنُ
_ يقول مـن لـم يجـرب مـا نكابده كأن أجملهم بالموت قـــد فتنوا
_ ولو حكى الموت بالفصحى لصاح بنا كفى ازدحاماً على كفيّ واتـزنوا
يهوي الشــهيد وفي عينيه حيرتنا هل مات بالنار أو أودى به الشجن
لـك اتجهنـا ومـوج الحلم يجمعنا فبعثرتنا على أمواجها الســـفن
ارجع فديتك إنْ قبرا وإنْ ســـكنا فدونك الأرض لا قبر ولا سـكن

وتقول: والذين ماتوا بالقصف ما أرادوا أن يموتوا، وإلاّ لما دخلوا شرطيين في سلك الشرطة في السلطة التي وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل. وكانت دموع الأم تقول لك: لا أريد أن يموت ابني وتسأل نفسك: من تصدق هل تصدق؟ أمهاتنا أم تصدق جنرالات دولة إسرائيل الذين يقولون إننا نرسل أبناءنا إلى الموت؟ أم تصدق الدكتور الرنتيسي أم تصدق محمود درويش؟ وتبحث عن السلام الذي أنجزوه عبر شاشات التلفاز ولا تدري إن كان مقطع سميح القاسم الذي حذفه من أعماله الكاملة ما زال يعبر عما نحن فيه:

ليغن غير السلام
ليغن غيري للمودة والوئام
وعلى ربى وطني
وفي وديانه قتل السلام

لا تدري فالسلام، لم يجلب، حتى اللحظة، السلام !!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى