الأحد ١٧ أيار (مايو) ٢٠٢٠
تقرير: الندوة الخامسة عشرة في المنهجية في موضوع:

ترصيد صعوبات البحث في العلوم الإنسانية

أحمد بلاطي

الحلقة الثانية

متابعة

نظم مختبر السرديات والخطابات الثقافية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن مسيك، عبر تقنية التواصل عن بعد (Visioconférence)، الحلقة الثانية من الندوة الخامسة عشرة في المنهجية لفائدة الباحثين في الدكتوراه، في موضوع: "ترصيد صعوبات البحث في العلوم الإنسانية"، بتأطير كل من الأساتذة الباحثين: جمال بندحمان وميلود العثماني وبوشعيب الساوري، تحقيقا لمقصد التوقف عند المشاكل التي تعترض طالب الدكتوراه على مستويات: المنهج والموضوع والإشكالية ولغة الكتابة والتحليل، وباقي القضايا المتعلقة بآليات إعداد مشروع أطروحة الدكتوراه. وذلك يومه الخميس 14 ماي 2020 بدءا من الساعة العاشرة ليلا، وقد نقل البث المباشر للندوة على الفيسبوك عبر صفحات عدة؛ منها: صفحة مختبر السرديات ونادي القلم المغربي، وصفحة مجلة سرود، ومجلة أرت بريس.

سير أشغال هذا الحلقة الثانية سالم الفايدة، الذي رحب بالأساتذة الباحثين المؤطرين، مؤكدا أن هذه الندوات المسترسلة تسعى إلى ترصيد الإجابات عن أسئلة يطرحها الباحثون لتكوين رؤيا تساعدهم على تدليل الصعوبات التي تواجههم، وذلك من خلال سؤالي المنهج والموضوعية. كما رحب أيضا بالطلبة الباحثين المعنيين بمناقشة تقارير سير البحث في الدكتوراه التي تقدموا بها للفحص والدراسة؛ وهم: محمد عبد الصمد الإدريسي ومحمد اعزيز وأناس هاشيم وحميد الكتاني؛ والذين تمحورت مشاريع بحثهم، على التوالي، حول: الكون القيمي للرواية المغربية دراسة سميائية، الرواية العربية والعرفان مقاربة ثقافية، الذات الذاكرة والجسد نماذج مكتوبة بالعربية والفرنسية، العتبات النصية في الرواية العرفانية المعاصرة دراسة تأويلية.

قدم الأستاذ جمال بندحمان (أستاذ جامعي بآداب عين الشق وأستاذ مؤطر بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين الدار البيضاء- سطات) مداخلته منوها في البداية بالرؤيا الاستشرافية لمدير مختبر السرديات وبالعمل الجاد الذي ينخرط فيه الأساتذة الباحثون والطلبة في هذا المختبر، ليتناول إثر ذلك تقريري الطالبين الباحثين: أناس هاشيم ومحمد عبد الصمد الإدريسي؛ منطلقا من ملاحظات مشتركة بينهما، أكد فيها أن عدم تحديد الموضوع بوضوح تترتب عليه مشكلات في تحديد الإشكال والافتراض، وهو ما ينعكس على منهجية البحث المعتمدة. وهكذا، رأى أن موضوعا يعالج الذات والجسد والذاكرة يفترض الإجابة عن سؤال لمسوغ الجمع بين هذه المفاهيم، كما يتطلب الانفتاح على علم الاجتماع وعلم النفس وعلوم الإدراك، مع قدرة الباحث على تعليل هذا الجمع الجمع. أشار كذلك إلى أن عدم تحديد الموضوع بوضوح يخلق اضطرابا على مستوى الإشكالية والفرضيات ومنهجية البحث، على اعتبار أن الباحث طرح إشكالات عامة وإشكالات فرعية قد لا يكون بينها أية روابط، والحال أن الإشكالية نسق من المجهولات يصاغ من خلال سؤال متبصر، تتم الإجابة عنه بنسق من الافتراضات على شكل أجوبة مبكرة مؤقتة؛ مضيفا أن ذلك يعني أن عدم وضوح الإشكال بالنسبة إلى الطالب الباحث نتج عنه أن صياغة الفرضيات لم يكن دقيقا، وهو ما تجلى من خلال كثرتها وعدم ترابطها. كما أكد أن تعليل الطالب لاختياره المنهجي لم يكن دقيقا، معللا ذلك بضرورة الأخذ بعين الاعتبار تناقض خلفيات المناهج في كثير من الأحيان، وهو ما يفرض على الباحث تجنب مسألة الوقوع في التناقض بين خلفيات هذه المناهج.

انتقل بعد ذلك إلى مناقشة تقرير محمد عبد الصمد، ليقف بداية على العنوان الذي اختاره لأطروحته: "الكون القيمي للرواية المغربية دراسة سميائية"، إذ رأى أنه يفترض فيه أن يدرج مدخلا يحدد تصور الباحث للقيم، خاصة أنه لا يوظف أي مرجع يتحدث عن القيم، مما يعني أنه ينطلق من تصور يعتبر فيه موضوع القيم محسوما، في حين أن الأمر على خلاف ذلك. كما بين أن الإشكال المقترح غير واضح. أما الاختيار المنهجي السيميائي الذي صرح الباحث باعتماده، فقد رأى أنه ظل عاما، كما أن تصريحه برفض استخدام الجداول والأشكال والخطاطات جانب الصواب، بحكم أن توظيفها ليس لمجرد الحشو، وإنما تمثل أطرا للتفسير والفهم والتوضيح، ولذلك دعاه إلى عدم تبني منهج ورفض أسسه، مقترحا عليه الاشتغال على سيمياء الأهواء من أجل اختيار إطار منهجي واضح.

في المداخلة الثانية التي تقدم بها بوشعيب الساوري( دكتور في الآداب وأستاذ باحث بمختبر السرديات) انطلاقا من تقرير مشروع الطالب الباحث: محمد اعزيز في موضوع: الرواية العربية والعرفان مقاربة ثقافية، عرض جملة من الملاحظات الخاصة بتقرير الطالب، مع اقتراحه تصورا ديداكتيكيا لتيسير الممارسة البحثية المتعلقة بالمرحلة الأولى من البحث.

وهكذا، لاحظ الأستاذ بوسعيب الساوري أن عنوان البحث لم يكن دقيقا، بالنظر إلى التقرير الذي يغيب العنوان فيه، إذ يتم الحديث عن الرواية العرفانية آنا والرواية الإشراقية حينا آخر. وهذا الأمر انعكس على خطة البحث؛ ولذلك لوحظ وجود تضارب على مستوى أهداف البحث، كما أن الإشكالية غير دقيقة والفرضيات المقترحة بعيدة عن الإشكاليات المطروحة، بالإضافة إلى خلط الطالب الباحث بين المنهج والمقاربة واستعمال لغة غير دقيقة وإصدار أحكام قيمة تخلو من التعليل.

انتقل بعد ذلك إلى التصور الديداكتيكي الذي اقترحه لمعالجة خطة البحث؛ والتي حددها في:

اختيار موضوع البحث الذي ينبغي أن يكون ملائما ومثيرا للاهتمام وممكنا إنجازه ومفيدا.

سؤال الانطلاق ينبغي أن يتوفر فيه ثلاث خصائص، بحيث يكون واضحا ومجديا وملائما.
الاستكشاف عبر جمع معلومات تتراكم من خلال القراءة وتبادل الآراء مع الباحثين والتأمل الشخصي لبناء تصور إشكالي، مشيرا إلى أن الاستكشاف يتكون من جزأين جزء خاص بالأعمال النظرية وجزء خاص بالمتن المقترح.

الإشكالية بوصفها عرضا لمشكلة من جوانب مختلفة، وصياغة لمجموعة من الأسئلة المترابطة، وقد أكد أنه ينبغي أن تثير الإشكالية اهتمام الباحث وباقي الباحثين، ولا يمكن الإجابة عنها بشكل فوري، فضلا عن كونها قابلة للبحث.

الفرضية اعتبرها جوابا مؤقتا عن سؤال البحث، وتنبؤا يتضمن وسائل التحقق.

وفي ختام مداخلته تطرق إلى المنهج والفرق بينه وبين المقاربة، باعتبار أن المنهج هو الإجراءات المنطقية والعمليات الفكرية لإثبات الحقائق والتحقق منها، أما المقاربة فهي الطريقة التي سنتقرب منها للموضوع أو الإطار النظري التي نستخدمه لمعالجة موضوع.

أما المداخلة الأخيرة التي قدمها الأستاذ الميلود عثماني (أستاذ جامعي وأستاذ مؤطر بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين الدار بالبيضاء- سطات) من خلال فحص تقرير حميد الكتاني في موضوع: العتبات النصية في الرواية العرفانية المعاصرة دراسة تأويلية، فقد لاحظ الباحث أن التقرير يعج بعدة مغالطات باعتبارها عناصر حجاجية فاسدة، أثرت على خطة البحث التي وضعها الطالب الباحث برمتها، فإشكالية البحث غامضة أو تكاد تنعدم، الأمر الذي نتج عنه انعدام المنظور التأويلي عند الباحث بالرغم من تبنيه الدراسة التأويلية دون إشارته إلى التأويلية التي يعتمدها. رصد الأستاذ أيضا خلط الطالب بين الأجناس الأدبية والأجناس النصية، علما أن البحث في الأجناس الأدبية أو الأجناس النصية لم يعد يثير النقاش، كما أنه يتحدث عن الأجناس الأدبية في حديثه عن الأجناس النصية. وقد نتج عن ذلك ضعف الفرضيات التي جاءت كثيرة ومشتتة. وسجل كذلك ضعف البيبليوغرافيا، التي وردت مفككة وغير منظمة وتفتقر للتزمين.

إثر ذلك فصل الأستاذ في كل عنصر على حدة ، مشيرا إلى أن تعليل الطالب البحث في هذا الموضوع بإعادة الاعتبار لهذا الجنس وقلة الاهتمام به يوحي إلى الإيهام بالمظلومية والتحريف والتضليل، باعتبار الرواية العرفانية مظلومة وتعاني من كراهية والأمر غير صحيح البتة؛ ذلك أن التخييل العرفاني حظي باهتمام الباحثين طيلة ثلاثين سنة. وقد نتج عن ذلك إيراده إشكالية مضللة، هي أقرب إلى الأسباب الموضوعية لاختيار البحث منها إلى الإشكالية. وبالمقابل اقترح الأستاذ العثماني على الطالب الباحث أن ينظر إلى العتبات باعتبارها علامات ليستفيد من سميائيات بورس وتصنيفه للمقولات، ويعتمد السيميائيات التأويلية والاستفادة من مفاهيمها وإيلاء القارئ المنزلة التي يستحقها في العملية التأويلية خاصة مع إيكو الذي اقترح التخمين او الانحراف التأويلي.

على مستوى الفرضيات نوه الأستاذ بالفرضيات الثلاثة الأولى وانتقد الفرضية الرابعة والخامسة لكونه يعدل من العتبات إلى خطاب المقدمات، ويقترح عليه الاقتصار على أربع فرضيات على أساس توحيد المصطلح، وتحقيق غاية تقديم جواب عن الموضوع والمقاربة.

وبخصوص مشكل الضعف البيبليوغرافي يرى الميلود عثماني أنها تفسر أسباب الضعف الملاحظة في خطة البحث، إذ يلاحظ ضعف العناية بالسجل البيبليوغرافي من خلال التسرع، وعدم تمييز المراجع الأساس والمساعدة والثانوية وعدم تصنيف البيبليوغرافيا حسب مقولات البحث، بالإضافة إلى غياب أي مؤلف باللغات الأجنبية، كما أن هذه المراجع عامة، ولا يوجد فيها أطاريح البحث الأكاديمية. زد على ذلك أن المراجع متقادمة إذ يعود أحدثها إلى سنة 2007، أما أغلبها فيرجع تاريخ صدورها إلى حدود سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.

اختتمت الندوة بتقديم الكلمة إلى الطلبة المناقشة تقاريرهم، حيث عبروا عن شكرهم لما أبداه الأساتذة من ملاحظات وتوجيهات واقتراحات، مؤكدين أنهم حريصون على الاستفادة منها وأنها ستسهم في تجاوز صعوبات عدة والسير بالبحث قدما نحو الأمام.

أحمد بلاطي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى