الاثنين ١٧ تموز (يوليو) ٢٠١٧
بقلم فاروق مواسي

تـبـيان، تـلقاء

قد تأتي مصادر الفعل لتدل على التكثير، منها ما يرد على وزن تَـفْـعال (بفتح التاء)، نحو:
رَدَّدَ تَردادًا، وَكرَّرَ تَكرارًا، وذَكّرَ تَـذكارًا، وسيّر تَسْيارًا، وجَوَّلَ تَجوالا، وطَوَّفَ تَطوافًا .....

شذ مصدران فوردا بكسر التاء هما: تِـلْـقاء، و تِبْـيان.

المصدران وردا في القرآن الكريم:

ونزّلنا عليك الكتاب تِبْيانًا لكل شيء- النحل، 89

قل ما يكون لي أن أبدّلَه من تِلْقاءِ نفسي- يونس، 15.

ذكر ابن منظور في (لسان العرب- مادة لقي):

"وقال كراع - تِلقاء مصدر نادر لا نظير له إلا التِـبْيان.

قال الجوهري- والتلقاء أيضًا مصدر مثل اللقاء"-

قال الشاعر:

وما صرمتُكِ حتى قلتِ معلنةً
لا ناقةٌ ليَ في هذا ولا جملُ
أمّلتُ خيرَكِ هل تأتي مواعدُه
فاليوم قصّر عن تِلْقائه الأمل

من الجدير ذكره أن (تِلْقاء) توسعت دلالتها، فأصبحت بمعنى جهة اللقاء والمقابلة، ونصب الاسم على الظرفية، قال تعالى:

ولما توجّه تِلقاءَ مَدْيَنَ قال عسى ربي أن يهديَني سواء السبيل- القصص، 22.

وإذا صرفت أبصارهم تِلقاءَ أصحاب النار قالوا...- الأعراف، 47.

أما إذا قلنا "جلس تِلقاءَه" فإننا نعني أنه جلس حِذاءَه- قربَه.

يؤكد كسر التاء في أول الكلمة ما قاله الحريريّ في (دُرَّةِ الغَوَّاص في أوْهَامِ الخَواص):

"ذكر أهلُ العربية أن جميعَ المصادر التي جاءت على (تفعال) هي بفتح التاء– أي تَفْعال - إلا مَصْدَرَيْن : تِبْيان وتِلْقَاء". (يضيف: وقال بعضهم وتِنْضال) – ص 193.

هذا خاصّ بالمصدر؛ أما الأسماء عمومًا فقد ذُكرَت في (شرح الشافية، ج1، ص 167) لابن الحاجب:

"ولم يجئ (تِفْعال)- بكسر التاء إلا ستة عشر اسمًا : اثنان بمعنى المصدر، وهما: التِبْـيان والتِلْقاء". ثم ذكر المؤلف أسماء ليست بمصادر، منها تِمْساح، تِمثال، تِنبال، تِلْعاب .... إلخ "
ثمة كلمات أخرى نادرة جدًا في استعمالها، مثل تِنضال، ولا أرى ضرورة لإثباتها هنا، فمن يبحث عنها فهي في (درة الغواص) أو في (شرح الشافية).

يقول ابن الحاجب:

"أقول: يعنى أنك إذا قصدت المبالغة في مصدر الثلاثي بنيته على التَّفعال، وهذا قول سيبويه، كالتهذار في الهذر الكثير، والتلعاب والترداد، وهو مع كثرته ليس بقياس مطَّرد".

ويضيف:

"وقال الكوفيون: إن التَّفعال أصله التفعيل الذي يفيد التكثير، قلبت ياؤه ألفا فأصل التكرار التكرير، ويرجح قول سيبويه بأنهم قالوا التلعاب، ولم يجئ التلعيب، ولهم أن يقولوا: إن ذلك مما رفض أصله، قال سيبويه: وأما التبيان فليس ببناء مبالغة، وإلا انفتح تاؤه، بل هو اسم أقيم مقام
مصدر بيّن".

ملاحظات:

*هناك من النحويين من يرى أن (تِلقاء) هي اسم مصدر، وهناك من يرى أنها مصدر (لقي).

* ورد كسر التاء في جميع الآيات التي وردت فيها الكلمتان، ومع ذلك فثمة قراءات نادرة وردت بفتح التاء فيهما.

* من الكلمات المولدة كلمة (تِلقائيًا)، نحو فعلت ذلك تِلقائيًا- أي من ذات نفسي، وقد أخذت تكتسب معنى- مباشرة.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى