الأحد ٩ تموز (يوليو) ٢٠١٧

«تقاسيم الفلسطيني» للدكتورة سناء الشعلان

دين العربي

"تقاسيم الفلسطيني" تقاسيم "سناء"، هذه المرأة المشرقة التي تربّت بكتاباتها على كتف الفلسطيني، لذا كانت "التقاسيم" ترسم حباً وآمالا... إنها "سناء" التي تمتلك مواصفات المبدع الخلاق.

* قالت لي الدكتورة "سناءالشعلان":«... اللّغة أعظم هدايا الرب لنا.».

 وصلتني منذ يومين مجموعة قصصية للدكتورة سناء الشعلان "تقاسيم الفلسطيني"، فرحتي بهذه المجموعة لا يمكن أن تتحملها عبارة، أو يزنها تنميق لفظة، فأنا لم أطلب المجموعة، لكنّ الأستاذة سناء – مع وزنها الفكري، وثقلها الأدبي – تكرمت لتجتثني من قاع النسيان فتكلف نفسها عناء إرسال المجموعة عبر البريد، لتصلني من الأردن الغالي إلى الجزائر في مكتب عميد الجامعة، فأبدأ قراءتها منذ اللحظة التي استلمتها فيها.

 الدكتورة "سناء الشعلان" فلسطينية حتى النخاع، تعيش وطنا... تعيش قضية، تتنفسهما تماما كما نتنفس الهواء، "تقاسيم الفلسطيني" ليست – في رأيي – مجموعة قصصية بقدر ما هي معلقة تاريخية استطاعت من خلالها الكشف عن أحلام فلسطينية مقبورة، فالكاتبة تمسك بك بقوة اللغة لتلقي بك في بركان الفلسطيني... فتعيش اللحظة وتتقمص الفلسطيني، تمتلك هذه الكاتبة قدرة عجيبة في نسج صور أخّاذة حتى بمعجمها المتواضع، فهي تسرح باللغة كما لو أنها تتهادي بهذه التقاسيم، ليس فقط لأنها فصيحة، بل أيضا لأنها تسكن كل عوالم الذات، تقول في (تقاسيم الوطن) أقدام، ص12: « جاء العيد وهي وحيدة في المستشفى... حذاؤها كان إلى جانب رأسها، وهو حصتها من هدية العيد، لم تعد عندها قدمان لتلبس هديتها... »، هكذا اختارت صاحبة (التقاسيم) أن تمسك بيد القارئ كي يعيش داخل القلب الفلسطيني بكل ما يعيشه من يوميات رهيبة، لغة "سناء" تشدك بخيط رفيع لا تدركه الأبصار، هذه اللغة تحمل مع قوتها الرهيبة إحساسا أنوثياً منقطعاً، لتجعلك تشعر ببساطة الألفاظ أنها الابنة والأم والأخت والزوجة وكل شعور جميل في هذه الحياة، لأنّها هكذا ببساطة، حياة – مع قساوتها - مستمرة بكل تفاصيلها وطقوسها... رغم أنف العدو.

 "سناء الشعلان"... ابنة شرعية لكل فلسطيني مرّ هناك في أروقة التعذيب وزنزانات الاحتلال، هذا الشعور تولده قدرة الكاتبة في تقريب تلك العذابات التي تحسها الأنثى على حاجتها إلى ذلك السقف الأبوي الغائب، ذلك السقف المتفرد بمواصفاته، تقول في (تقاسيم المعتقل) عيد ميلاد، ص85: « الآن ستحرم من رؤية والدها حتى آخر لحظة في عمرها، وهو المحكوم بالسجن مدى الحياة... وتغمض عينيها، وتتمنى أمنية عيد ميلادها، هي أمنيتها الوحيدة، ثم تطفئها، وتشرع تنتظر أن تتحقق أمنية عيد ميلادها، فيفتح والدها باب بيتهم نحوها ليبدأ الاحتفال بعيد ميلادها»... لا فرحة في تقاسيم الفلسطيني، حتى أعياد الميلاد محرمة مادام في السجون آباء وأمهات.

 هي الأم... عندما تقول في (تقاسيم الشتات) إقامة ص107: «... وكلما سألها طفل من أطفالها الستة عن وجهة سفرهم حضنته، وغربت في نحيب جهوري لا يؤمن بأنّ صوت المرأة عورة، وقالت له بحيرة وضياع: لا أعرف إلى أين علينا الرحيل»، هذا الضياع التي تقربه الكاتبة إلى أذهان القراء شيدته لغة بسيطة، لكنها توحي بكل معاني الحيرة والقلق على مستقبل الأبناء، إنها الأم الفلسطينية، هذه الأم التي تختلف عن أمهات الدنيا كلها، أم تعيش في قاع البركان، تودع الولد والزوج صباحا متأهبة لذلك النحيب جهوري الذي لا يؤمن بأنّ صوت المرأة عورة، فقد لا يعود منهم أحدا مساء، فإذا عادوا توجست خيفة مما قد يحدث في أية لحظة وهم بين أحضانها.

 لغة "سناء" تتجول بك بين التقاسيم لتضعك داخل معاناة الفلسطينيين بأسلوب مباشر، متجنبة بهذه المباشرة أي تأويل أو التباس في تقدير الأحداث ونقلها، واللغة هذه تحديدا تحيلك على تجربة منقطعة في ربط الأحداث بتسلسل حكيم، أقول تسلسل حكيم لأن "تقاسيم الفلسطيني" تتكوّن من مئة وأربع وسبعين قصّة قصيرة موزّعة على سبعة عناوين كبرى، وهي تقاسيم الوطن، وتقاسيم المعتقل، وتقاسيم المخيّم، وتقاسيم الشّتات، وتقاسيم العرب، وتقاسيم العدوّ، وتقاسيم البعث، هذه التقاسيم كلها تتكاتف لترسم الفلسطيني واقعا ومعاناة، على الرغم مما يبدو من أن هذه المجموعة لا تتصل ببعضها.

 "تقاسيم الفلسطيني"تقاسيم "سناء"، هذه المرأة المشرقة التي تربّت بكتاباتها على كتف الفلسطيني، لذا كانت "التقاسيم" ترسم حبا وآمالا... إنها "سناء" التي تمتلك مواصفات المبدع الخلاق.... فهنيئا للفلسطيني بها، وهنيئا لها بهذا النجاح...

دين العربي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى