الاثنين ١٠ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٨
بقلم سلوى أبو مدين

ثورة

استيقظ باكراً تدفعه الخيبات
ألقى نظرة واهنة على حجرته الداكنة مثل الأفكار التي
برأسه .. وتكاد تقتلعه .
اليوم لن يذهب لعمله فلا رغبة له به ، ماذا يفعل لو
لم يستطع الإمساك بزمام نفسه ؟!
الأفكار السوداوية تغزوه .. سيطرق باب مديره ويقف أمامه
والشرر يتطاير من عينيه ..
حينئذٍ يبصق في وجهه ويمضي غير آبه بما سيحدث
حتّى لو أدّى الأمر إلى فصله من عمله .
يضرب رأسه بيده لا .. وألف لا .. !
يفتح شرفة الحجرة المطلّة على الطريق العام
يلقي نظرة فاترة ..
الهواء الساخن المنبعث يُكرهه على فعل شيء أرعن
يُغلق الشرفة يترنح في الحجرة بين أشيائه المُبَعثَرة
يجلس وبيده فنجان قهوته الجاف يقلبه
ثم يلقي به فوق طاولته التي تعج بالملاعق والصحون
المتسخة .
حجرته اكتظت بأشياء لا قيمة لها .
مضى بخطوات حثيثة حيث باب منزله ، فتحه .. تأمل الطريق
وسرعان ما عاد يبحث عن شيء لا يعرفه .
وانزلقت يده في جيب بنطاله باحثاً
عن المال .. المال .. قاتله الله !
لم يجد سوى بضع قطع معدنية بالكاد
تكفى لشراء خبز .
تدافعت الأفكار المحمومة تراوده من جديد
الصورة المتراقصة لا تفارق مخيلته
يضرب المدير أو يبصق في وجهه
لا أكثر ..
في الحالتين سيعتقدون أنه مريض
مستشفى الأمراض النفسية والعصبية .
ذلك أفضل من الدوامة التي حبس نفسه في
شرنقتها .
ارتدى ملابسه على الفور ومضى من باب بيته
قاطب الحاجبين .. مشرئب الوجه بحمرة الغضب
قرع باب المدير وبسرعة غير معهودة
تحوّل إلى بركان ثائر ..
ما إن ولج
حتّى وجده ينتظره
وبهدوء تام …
قام على الفور وصافحه
وقدم له مغلفاً أصفر اللون
لم يتمالك نفسه عرف على الفور
إنها ورقة فصله من العمل ..
التقط أنفاسه المتضاربة
وألقى بجسده النحيل فوق المقعد
ألف صبارة نبتت في جوفه
تناول .. منديلاً
جفف عرقه البارد المتفصد ..
فك قبة قميصه
اختل توازنه للحظات .. كاد أن يُغشى عليه
لكنه تماسك ..
ها هو المصير الذي يتربص به
تلبدت الدنيا أمام عينيه
ترك حجرة مديره
وقد بلغ اليأس ذروته .
حملته قدماه اللتان
تكادان تنتشلانه من ضعفه
حيث الممر المؤدي إلى حجرته
وحيداً يمضي ...
مع صباح منكسر
وخوف بلوري .
ألقى بثقله فوق مقعدٍ
علّه يستفيق من اللحظة التي اغتالته
فض المغلف الأصفر
كانت الرسالة تحوي
أسطراً مرتبة كُتبت بخط ٍ دقيق
مفادها :
إشعار : بالترقية
تسمَّرت عيناه على السطر
الثاني .
لا شيء سوى صرخة
كادت تمزق
حُجب الفضاء
ينتحب ...
السحابة الرمادية تلاشت
ومدينة الحيرة أطفأت جذوتها
بأجنحة الفوضى .
ساقته حيثُ مديره
تساقطت حينها اللحظات
وانسابت دمعة كاد يخفيها لكنه
فشل ، غسلتْ تعبه وثورته .
تاركة مساحة من التساؤلات
وغيمة فرح توشك أن تهطل .

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى