الأحد ١٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٨
بقلم فاروق مواسي

جولة مالية في لقطات شعرية

عصرنا هذا مادي ولا مُشاحّة في ذلك، وفي أثناء تصفحي في التراث رأيت السابقين الأولين يولون المال بالغ الاهتمام، وبأشعار يرددونها.

رأى الأقدمون أن المال يرفع المنزلة، ويجعل للشخص مكانة، فلا غَروَ إن قال شاعر:

إن الدراهمَ كالمراهمِ تجبر العظم الكسيرا

لو نالهن ثُعيلبٌ
في صبحه أضحى أميرا

فانعدام المال مأساة -مع الأسف- في مجتمع رأسمالي "كل من إيده إلُه":

فصاحةُ حسّانٍ وخطّ ابن مُقْلةٍ
وحكمة لقمانٍ وزهد ابنِ أدْهم
إذا اجتمعت في المرء والمرء مفلسٌ
ونودي عليه لا يُباع بدرهم

طبعًا لا يُنادى على أحد بين ظهرانَينا، ولكن ثقافته كلها وعلمه لا وزن لهما، فالمال يصرّف المآل.

فوازن بين الغني والفقير، واعتبر:

إن الغني إذا تكلم بالخطا
قالوا صدقتَ وما نطقت مُحالا
أما الفقير إذا تكلم صادقًا
قالوا كذبتَ وأبطلوا ما قالا
إن الدراهم في المواطن كلها
تكسو الرجال مهابة وجمالا
فهي اللسان لمن أراد فصاحة
وهي السلاح لمن أراد قتالا

نعم هي السلاح وتشتري السلاح، وأرى أن ما يجري في العالم من حروب وفتن وعداء هو أولاً وقبلاًُ بسبب المال، فالاقتصاد سياسة، والسياسة اقتصاد.

بل أرى أن العنف الذي يجري في مجتمعنا يعود إلى المال، فابحث عن لب أية مشكلة، واسأل: هل كان يمكن أن تحل بتعويض مالي؟
أظهروا للناس زهدًا
وعلى الدولار داروا
وله صاموا وصلَّوا
وله حجّوا وزاروا
لو يُرى فوق الثريا
ولهم ريش لطاروا

بل إليكم ما يقول شاعر آخر في ذلك:

المال يُفرق بين المال والولد
فذاك أدنى نسيبٍ عند كل يد
عهدي به خادمًا كالعبد ننفقه
فما لعيني تراه سيد البلد
مالٌ يميل مع المرء في صغر
وكلما شب شبَّ الحب في الكبد
لو يجمع الله ما في الأرض قاطبة
عند امرئٍ لم يقل حسبي فلا تزدِ

يكرر رجال الدين في وعظهم ضرورة عدم تقديس المال- حبذا أن يجري ذلك عليهم وعلى سواهم، فهم يذكروننا بأننا سنغادر الدنيا بلا مال ولا عَقار، ولا يبقى إلا العمل الصالح.

أذكر في هذا السياق قصة الملك الذي طلب عند موته أن يخرجوا يده من النعش، وعندما سألوه عن سر طلبه قال:

كي يرى الناس أن يدي ستترك الدنيا فارغة.

وصدق شاعر في هذا المعنى:

كلٌ يروح من الدنيا الغَـرور كما
أتى بلا عَدد منها ولا عُدد
لو كان يأخذ شيئًا قبلَنا أحدٌ
لم يبقَ شيءٌ لنا من سالف الأمد

يدّعي البعض أن المال لا يغيّر حقيقة الإنسان، فمن له كرامة لا يهمه المال، ونحن لا نستبعد ذلك مع أن هناك من يرى رأيًا آخر على نقيض:

إن قل مالي فلا خلٌّ يصاحبني
إن زاد مالي فكل الناس خلاني
فكم عدو لأجل المال صاحبني
وكم صديق لفقد المال عاداني

لا نستبعد كذلك ما قاله هذا الشاعر، خاصة وأن هناك من يقول لنا "دينكم ديناركم".

هناك عائلات فقيرة فقرًا مدقعًا يعرفون معنى:

وإذا ما رأيت صعوبة في مطلب
فاحملْ صعوبته على الدينار
وابعثه فيما تشتهيه فإنه
حجرٌ يليّن قَسوة الأحجار

أذكّركم هنا بالمقامة الدينارية للحريري، وكيف نظم الشاعر قصيدة يمدح فيها الدينار الذهبي، مطلعها:

أكرِمْ به أصفرَ راقتْ صُفرتُـهْ
جوّابَ آفاقٍ ترامت سَفْرتُـهْ

وعندما أعطوه دينارًا طلبوا منه أن يذمه فيحصل على دينار ثان، فذمه في قصيدة أخرى مناقضة، مطلعها:

تَبًّا له من مخادع مماذق
أصفر ذي وجهين كالمنافق

فهجاء الدينار كان بناء على طلب المجلس، وليس عن قناعة، فقد فرح أيّما فرح عندما حصل على الدينار، "وانكفأ يحمَد مغداه
ويمدح النادي ونداه".

الناس في طبيعتهم منهم من يباع ضميره ويشترى، فلا كرامة ولا شهامة، وما أكثرهم مع الأسف!

ومنهم من يعرضون عن الفقير المعدم، فهذا شاعر يشكو إعراض الناس عنه:

أبدَوا جَفاء وإعراضًا فقلت لهم: أذنبت ذنبًا؟ فقالوا: ذنبك العدم

وأختم بما يحفظه الكثيرون من شعر نُسب لابن البَيطار، (وبعضهم يقول للشافعي)، وقوله وبتجنيس متعمَّد:

رأيت الناس قد مالوا
إلى من عنده مالٌ
ومن لا عنده مالٌ
فعنه الناس قد مالوا
رأيت الناس قد ذهبوا
إلى من عنده ذهبٌ
ومن لا عنده ذهبٌ
فعنه الناس قد ذهبوا
رأيت الناس منفضه
إلى من عنده فضه
ومن لا عنده فضه
فعنه الناس منفضه

والسؤال: هل لك رأي آخر

وهل صحيح ما ذهب إليه الشعراء؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى