الاثنين ١٩ نيسان (أبريل) ٢٠١٠
بقلم عبد القادر محمد الأحمر

حوار الحضارات والشرط

تداعت إلى خاطري شتى الرؤى والفِكَرْ، والقوم –الذين احتشدت بهم القاعة– يتابعون باهتمام ملحوظ محاضرة الأستاذ الزائر- أستاذ (العرفان الإسلامي والفلسفة) ومندوب رئيس الدولة ومساعده في الشئون الثقافية وتحديداً موضوع (حوار الحضارات) والذي كان أيضاً مساعداً للرئيس الأسبق الذي كان بدوره أستاذاً لعلوم الفلسفة ووزيراً سابقاً للثقافة- لمدة سبع سنوات في مجال ما يعرف بـ (الحوار الديني) -والتي ألقاها بدعوة كريمة من إحدى الجامعات بالقاعة الكبرى في الجامعة والتي تابعها ذلكم الكم المقدر من أساتذة وطلبة الجامعة وبعض الضيوف الذين كنت من ضمنهم تلبية لدعوة كريمة وصلتني من نائب مدير الجامعة– أدام الله عليه حُلل الإيمان والاشراق– الذي سقانا من رحيق هذه الفيوضات الرحمانية في زمان كاد أو أوشك أن يصيبه الجدب الإيماني والتصحر الفكري!!

لقد حلق بنا الأستاذ الزائر في سماوات أقل ما توصف به أنها كانت سماوات غير مطروقة، خاصة وأنه قد بدأ محاضرته بالآية القرآنية الكريمة: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً المزمل6

لقد طاف بنا الأستاذ المحاضر في أرجاء أوربا، واتجه بنا عبرها إلى تلك الأقليات المسلمة التي تعيش في ربوعها، شارحاً لنا ما تعانيه من الضغط الاعتقادي وكيف السبيل إلى مخاطبة تلك الأغلبيات حتى تتحقق الرؤية والعدالة الإنسانية الشاملة، تطبيقاً وتصديقاً لقوله تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ آل عمران64 .. ذلك لأن الإسلام- بعد انهيار الشيوعية –كما قال– أصبح هو الهدف والعدو الأول، وهم بما لديهم من قوة مادية فقد وجهوها واستغلوها تماماً ضد الإسلام في عصر (العولمة) هذا ليقضوا عليه بها!! الأمر الذي حدا بهم إلى ضرب هذه الأقليات وفي مناطقها النائية، تمكيناً لهذه (العولمة) التي لا تعني– حسب تعبيره – سوى السيطرة على الزمان والمكان..فعلينا بعد هذه المعرفة البحث عن ايجاد رابط لجميع هذه القوميات المسلمة قبل أن تتمكن منها هذه الثقافات القذرة الخالية تماماً- كما ذكر -من الكرامة والمروءة، هذه الثقافات التي لا تحمل سوى صفة (الكبر)- وهي صفة الشيطان الأولى-!! كما علينا أن نقابل شبكتها العنكبوتية هذه والتي يريدون أن نقع أسرى بين خيوطها اللزجة والتي تغطي العالم بأسره اليوم بشبكة أخرى روحية التيار والمعنى قوية الخيوط لتلتقمها وتقضي عليها بتصفية رذيلها من جيدها!! فهذا هو السلاح الوحيد اليوم الذي سيساعد ويمكِّن من جمع ولم وضم هذا الشتات القومي المسلم المنتشر في أرجاء هذه المعمورة، فهو الشتات الوحيد الذي له أولاً- وقبل كل شيء – الارتباط الأوثق- أدرك ذلك أم لم يدرك – بعالم الغيب!! أي هم هؤلاء الذين: (.. يؤمنون بالغيب).. لتسهل التصفية وإبقاء الجيد ونفي غير الجيد، لأن حضارة المسلمين لها من العمر ما يعادل عمر القرآن!!

ولكن، ما هي الشروط المطلوبة لتحقيق كل هذا؟!!

يقول الأستاذ المحاضر: نحن لدينا هذا القرآن، لدينا (مخ الدعاء) بل هنالك حديثنا الليلي الذي يدور بأخلاد نفوسنا، وهو حديث روحي بحت، ناتج من تأملنا وتفكرنا وتدبرنا، وهذا هو عين (الكلام)، وأنه بمثابة المراقبة النفسية، فكما أن في الطبيعة ليلاً ونهاراً فكذلك في النفس الإنسانية ليل ونهار- أي حالات الانقباض والانبساط – ففي الحالة الأولى يتجه الإنسان بكلياته- ربما لا شعورياً أو مضطراً- إلى الله00 والعالم الإسلامي- اليوم – في أشد حالات انقباضه، لقد ولى نهاره مع (تلك الأيام) وودع علومه وأمجاده، حتى صارت من دواعي الحنين الموجع والمبكي، هذا الحنين الذي يثيره- اليوم- ما ظل مخزوناً من أسراره في قرآننا الحكيم، بل أخذ يدلف مع الجانب الاخر الذي ليس لديه ما يدعوه إلى الانقباض إنما إلى الانبساط، نحو هذا الليل الصاخب الطويل وظلماته!!

ولا تحتاج الأمم في ليلها وإليه إلا إلى (النور)، فالسيطرة في آخر الزمان –كما يقول الفيلسوف الفرنسي "يجنوا " - تكون إلى النور بعد غيبوبة "الملاحم والفتن"!!

فمن هو هذا الآخر؟!! لمن نحن نتحدث ونخاطب ونحاور؟!! ما هو موضوع حوارنا؟ هكذا تساءل الدكتور المحاضر، قائلاً: يجب أن نتنبه إلى نظرة فلسفية في غاية العمق والأهمية: (من عرف نفسه فقد عرف ربه) -بالرغم من اعتراض أحد الإخوة المتحدثين على هذا "الحديث " - إلا أنني وجدت –كمتابع – أنه ربما يكون له تفسير موازٍ للآية الكريمة التي تقول:وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ الذاريات 21 00 خاصة بعد تعرضه للجانب الفلسفي المتعلق بهذه النفس الإنسانية من خلال هذه الآية العميقة، فمن أبصر –حقاً – بالهامٍ من الله – في هذه النفس وعرفها حق المعرفة- فلا شك- في أنه بذلك قد عرف قدر ربه!! هذا بغض النظر عن صحة الحديث من عدمها!!

يقول الأستاذ المحاضر: (الحب) –سواءً كان مجازياً أم حقيقياً – هو الذي ينقل الإنساِن إلى معرفة هذا الآخر..فالإنسان –كما قال – عبارة عن عالم خاص بذاته، له ليله وله نهاره وناشئة الليل في ليله هذا –وإن كانت هي الأشد وطئاً – إلا أنها –كما فهمنا – الأقوم قيلا

والقول يكون منا لهذا الآخر- (ذكر- ذاكر- ومذكور)، (عقل- عاقل- ومعقول) – عبارة عن دعاء يكون من "مخ الدعاء " بل وضراعة ومناجاة، فليس في الدار غير صاحب الدار!!

هذا وقد دار حديث شيق طويل حول هذه الكلمات الموضوعة بين الأقواس لا يسمح الحيِّز بتناولها، إلا أن الدكتور قد ذكر بأن الخوض في هذا الخضم يتطلب توفر عنصر (الحكمة ) فيمن تتوفر شروطها فيه!!

وأول هذه الشروط المطلوبة -لتحقيق ما ذكرنا آنفاً – هو أن نكون من أهل ناشئة الليل، أهل الذكر، حتى يتقبل الله منا الدعاء الأقوم وما سرى به إليه محمولاً على أكف الضراعات والمناجات لتتحقق الاستجابة، وفوراً بإذن الله، فليس هنالك أي مجال آخر للفوز بالكفلين سوى ناشئة الليل هذه!!

ونحن نعلم بأنه لا سبيل إلى رؤية هذا النور واندياحاته لولا هذا الليل، عسى أن يبعثنا ربنا ويعيدنا إلى ذلك المقام الأول المحمود، على هدى رسولنا الكريم القائل: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالاجابة واعلموا أن الله لا يستجيب من قلب غافل لاهٍ)..رواه الترمذي.

  


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى