الأربعاء ١١ أيار (مايو) ٢٠١١
بقلم نور الدين علوش

حوار صحفي مع الدكتور عز الدين عناية

 في البداية من هو الدكتور عز الدين عناية؟
 أنا أستاذ تونسي أدرّس في جامعة روما لاسابيينسا، من مواليد 1966، ومواطن إيطالي أحمل الجنسية الإيطالية. لكن رغم كل ذلك أبقى ابن بلدة "السدّ" الصغيرة، الواقعة في غابات الساحل التونسي، والضاربة في عمق التاريخ التونسي. كانت بداية تحصيلي العلمي الأكاديمي في الجامعة الزيتونية، أين تخصّصت في الأديان والمذاهب. غير أن الحصار الذي سلِّط على الدراسات الدينية والتضييق على خرّيجي الزيتونة، الذي عرفته تونس خلال العقود المنصرمة، دفعاني إلى الهجرة إلى إيطاليا. وربما الهمّ الأساسي الذي لازمني في تونس، ولا يزال يشغلني، وهو كيفية تطوير المنهج العلمي في تناول الظواهر الدينية في الواقع العربي، من هذا الباب كان حرصي على البحث والترجمة في الآن نفسه.

فقد أدركت مبكرا النقص الهائل لدى العرب في مجالات الدراسات العلمية للأديان، فحاولت في مرحلة أولى تصحيح الكتابات العربية بشأن الديانة اليهودية، لما تحويه من أخطاء علمية ومنزع إيديولوجي جلي خنق مساراتها وتطوراتها، وذلك في كتابي المنشور تحت عنوان: "الاستهواد العربي في مقاربة التراث العبري" (دار الجمل بألمانيا). وهو بحث يتتبع ما كتبه العرب المحدثون عن الدين اليهودي، حاولت فيه بناء مقاربة تحليلية ونقدية للأعمال العربية بغرض التقويم والتصحيح. تلاها كتاب "نحن والمسيحية في العالم العربي وفي العالم" المنشور في دار توبقال بالمغرب، الذي حاولت فيه إعادة قراءة المسيحية ضمن تجلياتها المعاصرة وما تمثله من تحدّ للفكر العربي المعاصر، فالمسيحية ديانة حية ونشيطة وحاضرة بشكل قوي في الخيارات المجتمعية والسياسية لكثير من البلدان، على خلاف ما يشيع بين المسلمين، أنها ديانة منزوية ومنعزلة وروحية، وهي مغالطات مستحكمة بأذهان العامة والمثقفين على حد سواء. إلى جانب انشغالي بالترجمة، حيث نشرت عديد الكتب منها ترجمة من الفرنسية بعنوان "علم الأديان" لميشال مسلان (نشر في المركز الثقافي العربي في بيروت)، وكتاب "علم الاجتماع الديني" لسابينو أكوافيفيا وإنزو باتشي الإيطاليين، نشر لدى كلمة في أبو ظبي. لكن ربما الكتاب الذي يعبر عن تجربتي الفكرية بشكل أعمق، في رحلتي بين الشرق والغرب، وهو الصادر أخيرا عن دار الطليعة بلبنان تحت عنوان "العقل الإسلامي: عوائق التحرر وتحديات الانبعاث". بإيجاز أنا زيتوني مهووس بسبل نهضة العالم الإسلامي.

 *أنتم من الباحثين القلائل في مجال الأديان ومقارنتها والنظر إليها نظرة علمية خالية من الانفعالية، كيف وصلتم إلى هذا المستوى، وهل كان الأمر سهلا عليكم، وأي شيء دفعكم لخوض المغامرة العلمية؟
 ربما كان تكويني الديني منذ الصغر عاملا أساسيا في وعيي المبكر بالإشكاليات الدينية الإسلامية، فضلا عن تجربتي الأكاديمية في الجامعة الزيتونية التي نبهتني إلى العوائق الداخلية في العقل الإسلامي، الذي يحاول أن ينهض فتجذبه كوابح إلى الخلف. وقد كان انشغالي بالأديان خصوصا نابعا من كلف شخصي، فأفكاري تدور حول الله كما تدور الكواكب حول الشمس، على حد قول غوستاف يونغ، فضلا عن إدراكي هشاشة الخطاب الإسلامي في هذا المجال. إذ يبدو أن العقل الإسلامي توقف عند فكر الردود، في مجال الاهتمام بالآخر الديني، ولم تحصل لديه تطورات كبيرة بعد ذلك، وحتى محاولات الاستعادة للكتابة في الراهن المعاصر فهي تبدو قاصرة، لافتقاد الكتّاب في الشأن إلى خلفية علمية وافتقادهم إلى احتكاك أنثربولوجي بالمواضيع التي يتطرقون إليها، فكأن دراساتهم للديانات الأخرى من وراء حجاب. حيث لا تزال الكتابة عندنا مسكونة بالأحكام المسبقة، وبهاجس إيديولوجي، وغير مدركة للتطورات الكبيرة لمناهج البحث العلمي وتواريخ نقد الكتب المقدسة، والمقاربات العلمية التي تطورت في الغرب، وأقدّر أن الأمر عائد إلى ندرة الترجمات إلى العربية في مجال الأديان، فضلا عن أن الباحثين العرب في المسائل الدينية ينقصهم الإلمام المعمّق باللغات الأجنبية، فنادرا أن تجد دارسا لأصول الفقه، أو علوم القرآن، أو التصوّف، أو غيرها من العلوم الإسلامية، ويلم بالكتابات الأخرى الموازية، الموجودة سواء في اللاهوت المسيحي أو في الفكر الديني اليهودي، ومن هنا حصل ضيق ومركزية في العقل الديني لدينا.

علاوة في الثقافة العربية الإسلامية ثمة منهج تعامل مع الدين يتربى عليه الفرد، غالبا ما ينكفئ على ذاته بمجرد خروجه من حيزه الاجتماعي، يتلخص في النظرة الإيمانية المفتقدة إلى خلفية علمية أو عقلية، لذلك تجد الخطاب الديني الإسلامي عاجزا عن إقناع المغاير الحضاري، ومستهلَكا فقط في الداخل، بين من يتشاركون في نفس بنية الرموز التراثية. وهو أمر يقف على خلاف رحابة الفكر الديني الكلاسيكي لدينا، فأغلب الذين اهتدوا إلى الإسلام في العصر الحديث من الغربيين، خصوصا من طائفة المثقفين، كان انجذابهم إما إلى القرآن مباشرة أو بفعل الفكر الصوفي العميق، وأما ما يحبره المسلمون في الراهن فهو لا يعني شيئا بالنسبة إليهم لفقدانه للعمق والأصالة. أذكر مثلا التعاطي في الجامعة الزيتونية مع الميراث الديني لدينا، فكلما خرج الفرد في مرجعيته عن الإطار الأشعري السني المالكي إلا وعُدّ مبتدعا وخارجا. وهي نظرة يروّجها دكاترة بدون وعي منهم، فالشيعة وفق منظورهم على ضلال، والإباضية على ضلال، والصوفية مفازة، وغير المالكية زيغ. ولم تبلغ الدراسة العلمية إلى مستوى تحليل الإطار الاجتماعي المولّد لتلك التمظهرات المذهبية بشكل عام.

 * سيدي المحترم نلاحظ الكثير من مراكز الدراسات الغربية تهتم بالظاهرة الإسلامية في حين أننا في الدول العربية والإسلامية ليست لنا مراكز مهتمة بالظاهرة المسيحية فما هي الأسباب في نظركم؟
 في الحقيقة إن المعرفة في الغرب لها منزع عملي واقعي، وهي تساير حاجات الاجتماع وتبحث عن الالتحام به والإجابة عن تساؤلاته، في حين المعرفة لدينا فهي تبدو بدون بوصلة، وفي قطيعة مع واقعها في المجمل، فنحن ندرس علم الاجتماع ولكن في قطيعة مع المجتمع، وندرس الدين ونتصوره عالما مفارقا، والحقيقة أن الدين هو أولى الإجابات عن إشكاليات الوجود، وحين نقول إشكاليات الوجود ليس بالمعنى الأنطولوجي بل بالمعنى الواقعي المباشر للحياة. من هنا يُولي الغربُ العالمَ الإسلاميَ أهمية في أبحاثه في حين لا يشكل الوجه الديني للغرب لدينا أي اهتمام، وهو تفويت خطير. فهناك عدة أحزاب في الغرب لها خلفيات دينية، وعدة مؤسسات فاعلة من منطلق ديني، ولعل مؤسسة سانت إجيديو بإيطاليا، الذراع العلمانية لحاضرة الفاتيكان، أشهرها، وهناك عدة جامعات دينية في الغرب تدفع بخريجين بالآلاف في شتى الاختصاصات، رغم ذلك لا نعي الشبكة الرابطة بينها والعوامل الدينية الناظمة لها.

وفي سياق الحديث عن تفريط العرب في الاهتمام بالمسيحية أقول إن العرب لم يولوا اهتماما علميا، لا للمسيحية العربية ولا للمسيحية الغربية، فلا يزال وعينا بهذه الديانة محدودا لم يتجاوز كتب النحل والردود. إذ ترى الكتابات العربية المعاصرة عن المسيحية إما اتهام عقدي، أو تقارب عاطفي، أو رد على الاتهامات الموجهة للحاضنة الإسلامية. وبالذات في المنطقة المغاربية، فنحن نعيش حالة عصابية كلما وقع التطرق للمسيحية والمسيحيين، وأحيانا نحاول أن نخفي واقعنا بانغلاق مفزع، فمن يجرؤ على تناول موضوع الذين وجدوا أنفسهم بفعل النشأة والتربية، أو بفعل الدراسة مسيحيين، خصوصا في منطقة القبائل في الجزائر أو في غيرها، ولنا مثل بارز على ذلك وهو المغربي جون محمّد عبد الجليل (من مواليد فاس 1903-1979م). بالإضافة، هل لدينا مختصين في تاريخ ديانات ما قبل الإسلام في منطقتنا المغاربية؟ وهل لدينا باحثين في المسيحية المغاربية التي انبعثت مجددا مع الاستعمار، أو التي نجمت بين بعض الشرائح وباتت تطفو على السطح من حين إلى آخر. فحين أقدمت الجزائر على عقد سنة 2001 مؤتمر "الفيلسوف الجزائري القديس أوغسطين إفريقيته وعالميته" ابن ثاغست، سوق أهراس الحالية، شارك في الملتقى العشرات من الباحثين الغربيين وغاب العرب غيابا شبه تام، لأننا نفتقر إلى مختصين في تاريخنا الديني.

فمن جيلي في الزيتونة كنا ثلّة من الباحثين عقدنا العزم على التخصص في الأديان، منهم عدنان المقراني (الأستاذ في الجامعة الغريغورية البابوية في روما) والدكتور حسن سعيد جالو الغامبي التونسي، والأستاذ عامر الحافي المدرس بجامعة آل البيت بالأردن، ومحاوركم، كنا نفكر في خلق نواة بحث مع باحثين آخرين تهتم بالأبحاث في الأديان الأخرى، فلم نجد أي سند، بقينا عاطلين عن العمل، فما كان أمامنا إلا نضرب في الأرض من أجل لقمة العيش، فالبعض احتضنتهم الجامعات الغربية وآخرين تقطعت بهم السبل.

إذ لم يدرك الباحث العربي السبيل كيف يجعل المعرفة سلطة رغم يقينه أنها سلطة، ولذلك من خلال تجربتي البحثية المتواضعة بتّ أعوّل على مجهودات الباحثين فرادى وجماعات، في حين أن مراكز الأبحاث الرسمية فهي غالبا ما تتحول إلى أرشيفات، ومؤسسات بهرجة، ومجمّعات تلمع صورة الأنظمة الراعية والداعمة لها، ويغدو البحث العلمي الرصين فيها في آخر اهتماماتها.

 * الكثير من الناس يعتقدون بوجود مسيحية واحدة فهل هذا صحيح؟
 في الحقيقة باتت المسيحية مسيحيات، فلو أخذنا الكاثوليكة وحدها فيمكن اليوم الحديث عن تكتلات لاهوتية مختلفة أنشأتها الوقائع المتواجدة فيها. فلاهوت التحرر في أمريكا اللاتينية في تناقض جذري مع كاثوليكية روما، كذلك الكنيسة السوداء في إفريقيا بدأت تبرز طروحاتها بشكل لافت، وهي تسعى للتخلص من سلطان الكنيسة البيضاء، ذات الميراث الاستعماري، ناهيك أن المسيحية العربية المنضوية في جزء هام منها تحت كنيسة روما، قد بدأت تشهد بعثا لهويتها المطموسة تحت آثار الظروف السياسية. وبدأت تدرك يقينا أن لا مستقبل لها إلا داخل حاضنتها الحضارية العربية الإسلامية، وأما الارتماء في أحضان الكنيسة الغربية فهو مدعاة لتآكلها، وهو شيء نأسف له. لقد لخص الكاتب اللبناني مشير باسيل عون في كتابه "الفكر العربي الديني المسيحي"، المنشور في دار الطليعة في بيروت، مصائر ووعود ذلك الانبعاث المرتقب في المسيحية العربية.

وتأكيدا لتحول المسيحية إلى مسيحيات، هناك خط عقلاني في المسيحية الغربية وبالتحديد من داخل حضن الكاثوليكية، يمثله اللاهوتي الألماني السويسري هانس كونغ غفل عنه العرب، في محاورة الغرب المسيحي. وهو تيار واسع حاول إرساء تأويليات مستجدة داخل المسيحية بشأن الإسلام، وبشأن التعامل مع الأديان الأخرى بشكل عام ضمن ما يعرف بلاهوت الأديان. فقد حضر الإسلام في مؤلفات هانس كونغ بوجه مغاير جذريا، عما نجده في القراءة الكنسية المتلخّصة في تصريح "نوسترا آيتات" المتولد عن المجمع الفاتيكاني الثّاني (1962-1965)، فقد انتقد الرجل المواقف الفاتيكانية الراهنة التي ما فتئت محكومة بالرؤى القروسطية المأزومة، والتي لا ترى في الإسلام سوى هرطقة كنسية ينبغي كشف زيفها، ولكن بأدوات ملائمة لعصرنا. ولكن قراءة هذا المفكّر للإسلام، تجاوزت المقاربات المسيحية، التي عبرت عن مواقف الكنيسة في عصر الحوار، التي متحت من التصريح المذكور، الذي عدّه البعض ثورة كوبرنيكية في الكنيسة، لكنه في الحقيقة لم يتجاوز اعتقاد "لا خلاص خارج الكنيسة" –Extra ecclesiam nulla salus -.

 كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن الاختراق المسيحي للدول العربية فهل لديكم معطيات بهذا الصدد؟
 لا أقول الاختراق المسيحي للدول العربية لأن المسيحية هي واقع عربي، فهي شريك اجتماعي وتراث حضاري في كثير من الدول العربية، بل الصواب أن نتحدث عن تحديات المسيحية الغربية الوافدة للمسيحي العربي وللمسلم العربي.

فمقولات "التبشير" و"التنصير"، المستهلَكة في البلاد العربية وبعض البلدان الإسلامية، هي مقولات سطحية ومنغلقة وعاجزة عن إدراك الخلل الذي لدينا. فنحن نريد معرفة علمية بالمسيحية في البلاد العربية، وليس صراخا بشأن الهجمة التنصيرية بمجرد اطلاع مواطن على فحوى الكتب المقدّسة. لا بد أن نخرج من هذا الوعي البائس إلى فهم داخلي للمسيحية، وبدون ذلك سوف نزيد من اغترابنا عن مسيرة الحراك الفكري الكوني.

فاللافت أن ظاهرة المسيحية التي باتت جاذبة لبعض الشرائح المسلمة، في الوقت الذي تسجل فيها هجرانا ونفورا في الغرب، التي يلخصها القول الشائع "الكنائس خاوية والساحات ملئى"، هي بفعل التشوهات التي لحقت مفاهيم الإسلام لدينا، وبفعل التأزمات التي أحدثتها السلطات نتيجة غياب التعامل الديمقراطي مع حركات الإسلام السياسي. وبشكل عام يبدو انجذاب الطرف المسلم إلى المسيحية اليوم طمعا وليس اقتناعا فكريا أو وجوديا.

فهناك انهزامية في الشخصية العربية وكلفٌ بالغرب يدفعان نحو تقبل المسيحية، يقابلها واقع المسلمين المقيمين في المَهاجر الغربية، فبموجب إدراكهم المعيشي للمسيحية والدور العملي للكنيسة، تجدهم أكثر الناس نفورا من المسيحية، رغم أن أساليب التبشير التي يتحدث عنها العرب في بلدانهم هي في الغرب أقوى بكثير مما يتصورون.

 سيدي المحترم الكثير من المؤتمرات التي عقدت في إطار الحوار الإسلامي المسيحي لكن النتائج قليلة فما هي الأسباب يا ترى؟
 تبدو النتائج قليلة لعاملين أساسيين: أن مؤتمرات الحوار، خصوصا من الجانب الإسلامي، تخضع إلى توظيف سياسي يبحث عن تلميع الصورة والتطرق لإبراز الانفتاح والتسامح، فيكون الحوار أحيانا مسوقا بأجندة سياسية ليس لها اهتمام بالبعد الحواري الفعلي، لذلك غالبا ما يسيطر في تلك الحوارات الخطاب العاطفي ويتجنب المسائل الحقيقية والإشكاليات الفعلية. فكيف لبلدان أن تحتضن الحوار المسيحي الإسلامي وهي مفتقدة للحوار بين مكوناتها الإثنية وتفرعاتها المذهبية؟ وكيف لبلدان تطارد أتباع بعض المذاهب الإسلامية، أو المتحولين من مذهب إلى آخر، وهي تدعي أنها تحاور الكنيسة؟

أما العامل الثاني، أن الجانب الإسلامي غالبا ما يدخل الحوار بكفاءات ليست في مستوى الشق المسيحي علميا ومعرفيا، فيبقى يطوف في الخطاب الإسلامي العام بدون نظرة تأصيلية للمسائل، وبدو قدرة على استيعاب الآخر فكريا وعلميا، فضلا عن افتقاد الجانب الإسلامي لاستراتيجية واضحة للحوار، ونعني وسائله وطروحاته وأهدافه.

إن الحوار الفعلي ليس ملتقيات وندوات تعقد على شاكلة مهرجانات، بل هو نشاط علمي وأبحاث وأقسام دراسات متخصصة، ويبدو أن المسلمين لم ينخرطوا في ذلك. فليس الحوار جلسات عابرة بل هو انخراط دائم في مسار علمي وعملي.

 بدأ الحديث عن انتشار فوبيا الإسلام في الغرب ما العمل للتصدي لهذه الظاهرة وتصحيح الصور السلبية عن الإسلام؟
 ما دام الغرب هو صانع الصورة الإسلامية في العالم، إعلاميا ومفهوميا، فستظل هذه الفوبيا حاضرة. إذ يبدو العرب مقصّرين في عرض أنفسهم بشكل لائق، ولن يكون سبيل إلى توقي تلك الفوبيا إلا بالعمل على مستوى ثقافي وإعلامي بالأساس، فالعالم الغربي الفاعل في الكون يجهلنا ثقافيا. فلو أخذنا الفيلسوف المغربي الراحل محمد عابد الجابري، فهو مجهول في إيطاليا بين دارسي الفلسفة ولا أقول بين المثقفين عموما، وهذا تقصير من الجانب العربي ولا أقول من الغرب، لأن الغرب يعرض منك ما يريده هو فحسب.

ذلك أن الاستراتيجية الحقيقية للتصدي لهذه الظاهرة هي معرفية بالأساس، فلا بد من السعي الجاد للترجمة بين الجانبين حتى يعرف العربيُ الغربَ وحتى يعرفونه. وفي الحقيقة يبدو الاهتمام بالجانب الثقافي الموجَّه إلى الغرب في آخر قائمة اهتمامات مؤسسات الثقافة العربية. أما الثقافة العربية في الغرب فهي تبدو شريدة بالفعل، لأنها فرع من أصل. فلو أخذنا إيطاليا يزيد المهاجرون المسلمون فيها عن مليون مهاجر، أو بالأحرى كما يسموننا "المرّوكيني"، ففيها نفتقد إلى نشاط ثقافي عربي حقيقي ما عدا مبادرات فردية. وربما كان الأحرى بجامعة الدول العربية ومنظماتها الثقافية أن تولي اهتماما لهذا الجانب، لا أن تبقى ممثليات الجامعة العربية في البلدان الغربية ستوديوهات خاوية على عروشها، لا يعرف المشتغلون فيها حتى خارطة المثقفين العرب الحاضرين في الغرب ودورهم واهتماماتهم. فهناك مثقفون عرب في الغرب لهم من الدور الفاعل ما يفوق "أنشطة" مكاتب ثقافية تابعة لسفارات عربية بأجمعها، رغم أن هؤلا المثقفين فرادى في أعمالهم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى