الجمعة ٢٦ أيار (مايو) ٢٠٠٦

حوار مع محمود البدوى

المرأة والأسرة

أجرى الحوار الناقد : علاء الدين وحيد
عنـــوان الدوريـــة : مجلة أســـــرتى
تاريخ النشــــــر : 31 يناير1981
الأديب الكبير محمود البدوى يشكل فى تاريخ الأدب العربى الحديث مدرسة مميزة فى كتابة القصة ..كما يعترف له بالأستاذية أديب كبير آخر هو نجيب محفوظ ..

ولقد تخصص البدوى أو كاد ، فى كتابة القصة القصيرة ، وأصدر منها حتى اليوم أكثر من عشرين مجموعة .. ومنذ البداية والبدوى يهتم بالمرأة ، وموقعها فى الحياة والواقع .. والعلاقة بينها وبين الرجل ..

وهذا لقاء مع الأديب الكبير حول المرأة وبعض القضايا الاجتماعية التى تضطرب على الأرض العربية ..

 فى محيط الأسرة .. أين موقع المرأة فى حياتك .. وما هى نوعيتها ..؟
ـ فى هذا المحيط ، يمكن أن أعد خمس نساء :
الأولى : أمى .. وبالرغم من أنها ماتت وأنا أبلغ من العمر سبع سنوات ، إلا أن تأثيرها كان علىَّ كبيرا .. وقد ولدت أمى لأب صعيدى غنى ومن أسرة معروفة ، وكان من الأعيان المتنورين ، وهو عبد المنعم التونى .. وكان يملك مساحة كبيرة من الأرض تبلغ 800 فدان ، جعلته يبنى لنفسه قصرا فى أوائل هذا القرن فى قريته اتليدم مركز ملوى مديرية أسيوط ـ وتتبع اليوم محافظة المنيا ـ استورد لها الرخام والزجاج الملون من إيطاليا ..

ومع أن أمى لم تكن حاصلة على شهادة دراسية ، إلا أنها كانت متعلمة .. وإليها لا إلى أبى يرجع الفضل فى تعليمى القراءة والكتابة .. ومن الطريف أنها قامت هى نفسها بهذه المهمة ، ولنذكر أن ذلك كان فى عـام 1915 تقريبا ، وعلى لوح من الأردواز ، بدأت أكتب وأحفظ الحروف الهجائية ..

وكانت أمى ككل الأمهات فى ذلك العهد ، تتفاءل برؤية مولد الهلال .. ففى أول أيام الشهر الهجرى كانت تصعـد بى إلى سـطح المنـزل الواسـع ( بيت الوسية ) فى قرية الاكراد ـ حيث تزوجت وولدت أنا ـ وترنو إلى الهلال ، وهى تقرأ بعض سور القرآن .. واضعة يدها على وجهى مقبلة جبينى .. داعية الله أن يقينى شرور الحياة ..

والحب الذى كانت تغدقه أمى على أولادها وابنتها .. كانت تغدق مثله على الآخرين .. ويكفى أن أباها الثرى ، حينما كان يرسل اليها هداياه فى المناسبات وغير المناسبات ، وكانت فى حجم حمـولة مركب

شراعى كبير ، يسير فى النيل فى ترعة الإبراهيمية بين القريتين اللتين تقعان على النهر .. أى اتليدم والاكراد .. كانت أمى توزع أغلب الهدايا على نسوة القرية .. ولذا لم يكن غريبا أن تكون وفاتها ، يومـا حزينا أليما .. بالنسبة إلى النـاس فى الناحية كلها ..
وحتى اليوم لاتزال تتراءى لى النسوة المجللات بالسواد ، والنواح الحقيقى الذى يصدر عن عواطف صادقة .. ويقطع القلوب .. مما حفر مظاهرة الحزينة فى أعماقى ، إلى الدرجة التى تجعلنى إلى الآن .. بعد مضى حوالى ستين سنة ، أبغض الجنازات بغضا شديدا ..

والسيدة الثانية فى حياتى .. إحدى شغالات البيت ، وكانت بمثابة المربية ، والتى عرفتنى أن الاهتمام أو الحـب ، لاينبع من داخل الأسرة فحسب ، بل يمكن أن يأتى من الخارج ، ولازلت إلى اليوم ، أذكر ضمتها القوية لى ..

والثالثة : هى زوجتى .. ابنة عمى .. لقد تزوجت بالطريقة التقليدية القديمة بلاحب .. فعائلتنا الكبيرة كانت تؤمن بزواج الأقارب فى الدرجة الأولى .. وإلى زوجتى وهى متخرجة من الليسيه ، يرجع الفضل فى أننى وجدت الوقت الكافى للكتابة .. فلم تشغلنى بأمور البيت ، كما أنها تولت تربية بنتينا .. ومن ناحية أخرى .. جعلت هذا البيت ، المكان المريح الذى يضمنى ..

وابنتاى .. هما اللتان شكلتا " المرأة " الرابعة والخامسة فى حياتى .. وتأثيرهما علىّ مع اشباع عاطفة الأبوة .. إنهما علمتانى الخوف من شدة حرصى عليهما وعلى مستقبلهما .. فأبعدت نفسى عن السياسة والاشتغال بها ، والتعرض للطرد من الوظيفة والسجن والاعتقال والتعذيب ..

 كيف كانت تربيتك لابنيك ..؟ وهل تظن أنك وفقت فى ذلك ..؟ أم فاتتك أشياء ..؟
ـ مع أننى تثقفت وخالطت الأجانب وسافرت كثيرا إلى الخارج ودرست الآداب الأجنبية وترجمت بعضها .. إلا أننى شديد الحفاظ على مصريتى وتقاليدها وصعيديتى أيضا التى لا أتجرد منها أبدا .. لأننى أجد فى جوهرها الحقيقى الكثير من القيم النبيلة التى لا تقل بحال من الأحوال عن المثل الأوربية ..

لقد ولدت ابنتاى فى القاهرة ، ومع ذلك لم أرد لهما الاختلاط الزائد عن حده .. الذى أصبح يتسم به المجتمع .. ولذلك لم تنضما إلى ناد من النوادى الكبيرة .. وإنما كان اختلاطهما فى حدود محيط الأقارب والأصدقاء الخلص فقط .. مما يتمشى مع تربيتى الريفية ..

وبالطبع فاتنى بعض الأشياء فى تربيتهما .. مثل عدم قيامى بتعليمهما حب القراءة .. فهما بعيدتان عن عالم القراءة ، والمسئول عن هذا الخطأ هو أمهما .. التى كان يجب عليها أن تفعل ..

 ماهو الفارق بين المرأة العربية زمان .. واليوم ..؟
 زمان ..كانت المرأة العربية كلها طاعة وامتثال عن اقتناع وحب للرجل .. أما اليوم ، فإن المرأة خاصة العاملة والجامعية .. تنحو نحو التمرد على سلطة الرجل .. وفى بعضهن نشاذ إلى درجة عدم الطاعة التى تتولد عن حرية مزعومة أو تتجاوز الحد ..

 هل تظن أن هناك فارقا بين المرأة العربية عامة والمصرية خاصة وغيرهما من نساء العالم ..؟
 لقد عرفت المرأة الأوربية بشكل عام والألمانية بشكل خاص .. فكانت الأخيرة أكثر النساء عناية بالبيت ..
إن ما يعيب المرأة العربية عامة فى الغالب هو أنها لاتراعى ظروف عمل الزوج .. ولذا فإن الكثيرات من الزوجات ، يمثلن عبئا على رجالهن فى أزماتهم ..فالواحدة منهن لاتعايش أو تتعاطف مع ما يمر به الزوج من أحـداث ، ولاتهون عليه أمرها .. بل تزيده تعبا وإرهاقا وشقاء .. وذلك بسبب جهلها النفسـانى ، فهى غالبا مهما كانت متعلمة ، ضيقة الأفق ..

 ما تفسيرك للضعف أو التهافت الذى لحق بالأسرة المصرية والعربية ..؟
 الجـرى وراء العنصر المادى فقط .. فالابن ما يكاد يتخرج ،
حتى يفكر فى الهجرة ، أو العمل فى بلد عربى .. للرجوع بمال أو سيارة أو هما معا .. وهذه الظاهرة لم يكن لها وجود من قبل .. إلا فى الغرب .. إن تكالب المجتمع على المادة أو اختفاء العنصر الأخلاقى وانمحاء الإيمان بالقيم والبعـد عن الدين .. هى المسئولة عن التفكك الأسـرى الذى نرى ، ويجعل الشباب خاصة .. فارغا من داخلة بعد أن اختفت المثل من أمانيه ..

لذلك لا غرابة ، أن تتسم التربية السلوكية للجيل الجديد بالطيش منذ صغره .. وأصبح الطفل الذى يبلغ من العمر اثنى عشر عاما ، يدخن السجائر ، ويقبل الصبيان على الموسيقى الصاخبة والأغانى التافهة والملابس الضيقة .. فى غياب الإشراف الحقيقى للأب والأم ..
إن تربية الوالدين هى الأصل .. فاعتناق المثل والتعود على الصدق والأمانة وحب الخير ، تنبع أولا من البيت ..

وكان يمكن للمدرسة أن تعوض الخسارة التى لحقت بالبيت ، ولكنها هى الأخرى أصبحت أكثر سوءا .. ويكفى انتشار ظاهرة حمل تلاميذ المدارس الثانوية للمطاوى قرن الغزال ، بالذات فى أثناء تأدية الامتحانات .. سلاحا يستخدم ضد المراقب ، الذى يمنع التلميذ من الغش ..
وتكون النتيجة بلطجة التلميذ المسلح وعـدم تأمـين المدرس على حياته .. أن يخاف الأخير .. ويترك التلميذ البلطجى يغش .. وتكون المأساة والاستهتار وتدهور التعليم .. أكثر فأكثر ..
ولقد ساءنى هذه الظاهرة ، فكتبت عنها إحدى قصصى فى مجلة " الرائد " التى تصدرها نقابة المعلمين المصرية .. تناولت فيها مدرسا شجاعا ، لا يقبل هذا التهديد المسلح بالمطواة من تلميذ بلطجى .. ولذلك فهو عند أول بادرة عدوانية من التلميذ .. يصفعه صفعة قوية .. ويتخاذل المستأسد الصغير ، ويصبح ذليلا كالكلب .. ومن وقتها سـارت الأمور بالدقة والنظام والطاعة ، التى يتطلبها كل مدرس فى فصله ..

 فى أعمالك القصصية ، قدمت المرأة ببراعة شديدة فى الكثير من الصور والنوعيات .. كيف تفسر خبرتك الكبيرة بها ..؟
 تتبلور اللهفة على الجمال عند الفنان فى المرأة .. وذلك بجانب ما يدفع حب الاستطلاع ، والرغبة فى اكتشاف عوالم مجهولة ، واللهفة على تعميق دنيـا نصف الرجل الآخر .. فالمرأة هى أجمل شىء فى الوجود ..

لى قصة فى مجموعة " مساء الخميس " جعلت معالجتى للمرأة فيها .. تشمل المرأة فى العالم كله ، وليست المصرية أو العربية فحسب .. وكان العنصر الأساسى فيها ، هو الأنوثة .. وفهم واحترام وحب وارضاء هذه الأنوثة نفسها ..

* تساؤل أخير .. هل أنت مع او ضد المرأة ..؟
ـ معها .. لأنى أحبها ولا أستطيع الاستغناء عنها .. اطلاقا ..

منقول من الكتاب المعنون باسم " محمود البدوى " للناقد علاء الدين وحيد ـ دار سنابل للنشر والتوزيع ـ نشر فى عام 2000 م


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى