الثلاثاء ٢٠ آذار (مارس) ٢٠١٨

حوار مغ: الروائي الأردني جلال برجس

ياسمين بن مسعود

يعد الروائي الأردني جلال برجس من الجيل الجديد من الروائيين الذين يعملون على مشاريعهم الإبداعية بقلق وتأن شديدين. أصدر إضافة إلى عدد من الكتب في الشعر والقصة وأدب المكان ثلاث روايات للآن وجدت استحسانًا كبيراً لدى القارئ العربي والغربي خاصة روايته (أفاعي النار) التي ترجمت إلى الفرنسية والإنجليزية. أصدر مؤخراً عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر روايته (سيدات الحواس الخمس) التي بحسب بعض النقاد والقراء قد خرج فيها من النمطية التي سيطرت لزمن على الرواية العربية، وأضاف لها بعداً بوليسياً، وحبكة متطورة. وبهذا المناسبة نحاوره:

- في آخر إصداراتك الروائية (سيدات الحواس الخمس) ترى أن لا فرق بين الوطن كحضن حبيبة، وبين الحبيبة كحضن وطن، هل هذه التفاتة من زاوية جديدة لما يعانيه الإنسان العربي في هذه المرحلة؟

 إنها ليست التفاتة بل نظرة عميقة نحو عيش الإنسان العربي هذه الأيام، ومحاولة للإلقاء الضوء على المعنى الحقيقي للوطن. هل هو مسقط الرأس ذلك المكان الذي ولدنا فيه، ومشينا فيه على خُطى أجدادنا وآبائنا، وحملنا سماته الخاصة؟ أم هو ذلك المكان الذي يقدم لنا ما ننشده من تفاصيل واجبة للعيش الإنساني، وبالتالي تمثلنا ثقافته الخاصة أيضًا؟ وهل يمكن أن يكون للكائن الآدمي وطنان. من هنا يأتي التقاطع الشديد بين الوطن والمرأة في هذه الرواية، وتأتي ضرورة الحماية من جور الإنسان على الإنسان. تمر كثير من الأوطان العربية هذه الأيام بمحاولات منها ناجحة ومنها فاشلة بالدفع نحو الاستلاب بكل أشكاله للوصول إلى نقطة الإنهاك التام ومن هذه المحاولات تقشير تلك الأوطان من أهم ما يمكن أن يدفع باتجاه نموها كالمرأة التي باتت تحدد حركتها وتفكيرها بمفاهيم متطرفة. يتقاطع هذا مع صعود طبقة خطيرة من المستلبين الذين أنهكوا جيوب أوطانهم. فبطل (سيدات الحواس الخمس) يقع صريعًا لمحاولة استلاب وطنه من قبل مفسد يشكل معادلًا موضوعيًا لهذه الطبقة، ويتأذى أيضًا من محاولة استلاب زوجته التي يحبها. هنا يتساءل بوعي جديد ( لماذا لم يكن لحواسي القدرة على أن تنبهني من قبل بما حدث).

- لم تأت منظومة الأفكار التي ظهرت في هذه الرواية ضمن سياق مباشر، بل أتت عبر تفصيلات الرواية ككل. ألهذا اتكأت على البعد الرمزي؟

أؤمن أن على الروائي أن يحترم ذكاء القارئ، ويترك له مساحة ليبني روايته الخاصة كونه شريكًا فيما حدث، وشريكًا في فعل التلقي الذي لا يقل شأنًا عن فعل الكتابة. المباشرة من أكثر الأفعال التي تفسد العمل الإبداعي. هنالك أعمال روائية تستوجب المباشرة ولكن على هذه النسبة برأيي أن لا تتعدى حدًا ما ينفر القارئ من العمل.

- مكان الرواية وزمانها وأبعادها أردنية، لكنها تنسحب على الواقع العربي برمته، وهذا ما لمسته أيضًا في روايتك السابقة (أفاعي النار) هل أتى هذا مصادفة أم تم الاشتغال عليه؟

ليس هنالك من شيء يأتي مصادفة فيما أكتب روائيًا، الأردن جزء من المنظومة العربية بكل أحلامها وبكل ما تعانيه ولهذا ليس من الصعب روائيًا أن نجعل الرواية قابلة للتعاطي لدى القارئ العربي بشكل عام بسبب المشتركات الواقعية الكثيرة سياسيًا، واجتماعيًا، وثقافيًا.

- هل تخطط لكتابة رواياتك؟

نعم إني أفعل ذلك. أضع مخططًا تفصيليًا بعد أن تترسخ الفكرة في البال وتصبح لدي قناعة بضرورة كتابتها. لكن جزءً مما خططت له أجده وقت الكتابة غير صالح للتوافق مع بنية ما أكتب، وجزءً مما لم أخطط له يولد أثناء الكتابة. بعض الشخصيات الروائية ترسم مساراتها رغمًا إرادة عن المؤلف أثناء الكتابة.

- ثمة هندسة روائية شديدة الإتقان في (سيدات الحواس الخمس). ستة فصول، ست نساء، ست حواس. وكل فصل فيه امرأة وحاسة. إضافة إلى إتقانك رسم غاليري الحواس الخمس؛ هل أثر عملك في مجال هندسة الطيران على بناء روايتك؟

أعتقد أن طبيعة عملي وخاصة جانب التخطيط فيه قد أثرت نوعًا ما على طريقتي في بناء الرواية، لكنني أبقى على الدوام أتنبه لطبيعة العمل الإبداعي والابتعاد عن الديكتاتورية في النص. على الروائي أن يكون ديمقراطيًا في التعامل مع شخوص رواياته.

- لماذا ذهبت في روايتك هذه إلى الواقع بأدوات الخيال؟ هل هنالك مغزى أسلوبيًا من وراء ذلك؟

أؤمن أن جانبًا من الواقع الذي نعيشه فيه غرابة أكثر من الخيال نفسه. لهذا حينما أعاين الواقع بأدوات الخيال فإني أفعل ذلك ليس هروبًا من الواقع إنما محاولة –كما أقول دائمًا- للخروج على هذا الواقع، خروج على الرداءة التي باتت تتفشى فيه بكثرة. هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن هذه النزعة التخييلية تأتي خدمة للرواية وللفكرة التي أنهمك بشدة في التفكير بكيفية إيصالها إلى القارئ. فعلى سبيل المثال في (سيدات الحواس الخمس) جعلتُ أحمد الصغير في السن يأتي بصورة مطابقة لطفولة سراج عز الدين، وهذا ربما يمثل استغرابًا للقارئ الواقعي إذ يتساءل كيف نجد شخصية بمرحلتين زمنيتين واحدة في الطفولة وأخرى في الخمسين من العمر. لكن هي مغامرة أن نكشف للقارئ أبعاد الشخصية لتتبدى ماثلة أمامه حتى تترسخ الشخصية ولا تُنسى بمجرد انتهاء القراءة.

ذهابك إلى الخيال لم ينسحب فقط على الإنسان إنما شمل أيضًا مكانه، فقد شيدتَ في الرواية بناء غريبًا أطلقت عليه اسم (غاليري الحواس الخمس) وجعلته على هيئة امرأة. لماذا؟

ربما تختصر هذه العبارة من الرواية الإجابة " إذا أردنا أنْ نعاين الحياة في أيِّ مدينة علينا أنْ نراقب كيف تعيش النّساء فيها، فما منْ مدينة لها أنْ تنمو دون شرفات تسقي النساءُ فيها الوردَ، ويتبادلن الحديث عبر تلك الفضاءات الحيّة التي بات مؤخّرًا يُغلق جزءٌ منها، ويُظَلّل جزءٌ بالأسود بحجّة الفضيلة." فقد تراجع دور المرأة مؤخرًا وباتت المفاهيم المتطرفة تحاصرها، فكيف يمكن لنا أن نحقق مدينة حقة دون أن تحظى المرأة بدورها الحقيقي الحر. لهذا بنيت الغاليري على هيئة امرأة. ومن جهة أخرى يقف الغاليري بكل مهامه الفكرية، والجمالية، والثقافية قبالة مجموعة سليمان الطالع التجارية. إنه الصراع ما بين الثقافي الإنساني، وما بين الاستهلاكي البحت الذي لا يعترف بالإنساني.

- في روايتك هذه ثمة ملامح بوليسية لكنها غير تلك الملامح البوليسية التي اعتدنا عليها في روايات أغاثا كريستي على سبيل المثال. هل سنحظى برواية بوليسية ذات يوم من قبلك

في (أفاعي النار) كان هنالك نسبة ما من التشويق الذي ربما يحسه القارئ نفسًا بوليسيًا، وتلك النسبة ارتفعت في (سيدات الحواس الخمس) مع إيلاء الجانب البوليسي شيئًا من الاهتمام لكن دون إغفال عناصر الرواية التي أؤمن بها. وفي روايتي القادمة أعمل على أن تُعد من الأدب البوليسي لكن بأدوات ربما لا يجدها القارئ في الأدب العربي وهذا بحاجة لمجهود كبير حتى يتسنى للقارئ أن يستوعبها. لأن تلقي الأدب البوليسي في العالم العربي أمر ليس بالهين كون لا القارئ ولا الناقد معتادين على هذا النمط، ويعتبرانه في مرتبة دنيا من أصناف الكتابة، لهذا أسعى لكتابة رواية بوليسية بشروط الرواية الحديثة.

- هل توجهك لكتابة الرواية البوليسية مرتبط بتطور ما؟

كتابة الرواية البوليسية مرتبطة بتنامي حجم المدينة التي كلما كبرت المدن اتسعت رقعة أزماتها. وبالتالي فإن تحول المدن العربية إلى النمط الاستهلاكي أدى إلى تلاشي الطبقة الوسطى التي خلق غيابها رقعة فارغة تملؤها الجريمة والعنف. في المدن العربية الآن هنالك جرائم منظمة وحينما نبحث عن أسباب هذه الجرائم لا يمكن أن نفصلها عن تهشم الواقع الاجتماعي الذي آل إلى ذلك بسبب الحالة السياسية.

- كيف ترى النتاج الروائي العربي هذه الأيام؟

هنالك ثلاثة أصناف من الرواية العربية أولها صنف جاد يأتي نتاجه بتأن شديد بعيدًا عن أي شكل من أشكال الإعلام الذي بات يصدِّر روايات للقارئ بمستوى متدني، وثانيها صنف يحاول السير على خطى الرواية الغربية لكن مع إغفال الشروط الإبداعية العربية في الكتابة فيأتي الجهد منقوصًا، وثالثهما شكل مستعجل من الخواطر والفائض اللغوي المبني على تجارب بسيطة، وهذا رغم ما يحدث حوله من ضجة إلا أنه سريع الزوال ولا يمكن أن يجد له مكانة في المكتبة العربية.

ياسمين بن مسعود

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى