الجمعة ٢٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨
بقلم راندا رأفت

حين ميسرة وامتداد لعصر الفتوات

حينما تقرأ عن فيلم تقرر أن تشاهده أو لا تشاهده، فأراء النقاد دائما هي مرآة صادقة للفيلم، لكن فيلم حين ميسرة حينما تقرأ عنه تقف حائرا، ولا يكون أمامك سوى أن تشاهده لتحكم بنفسك.

حين ميسرة صدمة، وكأي صدمة تثير كثير من التأييد والإنكار، صدمة أن نرى ماذا يفعل ابناء الشوارع والمهمشون، رغم أننا نعلم مايفعلون ونتوقع الكثير منهم لكن كالعادة لا نحب أن نرى عيوبنا لأننا لا نستطيع تغييرها ولا نستطيع التعامل معها.

وعلى الجانب الآخر يطمح البعض في أن يكون هناك أمل ما لحل هذه المهزلة الاجتماعية التي يعاني منها الشارع المصري، وفي نفس الوقت هو الآخر لا يملك حل أو تغيير.

فيلم حين ميسرة مليء بالأحداث أولها كان محاولة اغتصاب ناهد (سمية الخشاب) ثم انقذها عادل (عمرو سعد) واقام هو معها علاقة محرمة، أثمرت طفلا رفض الإعتراف به، فضاقت بناهد الحياة حتى فكرت تتخلص من الطفل لتتركته في حافلة كانت تنقلها من قريتها إلى القاهرة، لكن قلبها ألمها فذهبت تبحث عنه في اليوم التالي قائلة للسائق (نسيت ابني امبارح في الاتوبيس) كان التعبير يثير السخرية جدا فنهرها السائق وكان طبعا من المستحيل أن ترى ابنها بعد ذلك.

ومن الاحداث الاخرى التي تخللها الفيلم حكاية ام عادل التي كانت تنتظر ابنها رضا الذي هاجر إلى الخليج ولم يعد منذ سنين، وانتظارها له كأنه هو الفرج الذي سيخلصها من كل العذاب، على حين أنه هو كان سبب في شقائها وشقاء أهل هذا الحي العشوائي كلهم، حينما اكتشف المشاهد في الثلث الأخير من الفيلم أنه منضم لتنظيم القاعدة وله نشاط في مصر، والسلطات المصرية تبحث عنه ولا تصدق كالعادة أهله في أنهم لا يعرفون شيء عنه (ولا عن ما يسمى تنظيم القاعدة أساسا)، لكن سلطات الأمن لم ترحم بل واعتقلت أفراد عائلته كلهم وقامت بتعذيبهم دون تفرقة بين رجل وأمرأة ليقروا بالحقيقة.

وجاءت نهاية الفيلم هو في إطلاق السلطات أمر بإخلاء كل مساكن الحي العشوائي لأنها ستقوم بتفجير المكان بما يتضمنه من ممنوعات، لكن الأم رفضت أن تترك بيتها الصغير المبني من صفيح لأنها في إنتظار ابنها وهو لا يعرف لها سكن سوى هذا وبالتاكيد سيبحث عنها فيه.

جانب آخر من الفيلم هو ابن ناهد الذي تلقفه السائق، وذهب به إلى أحد معارفة في الاسكندرية وهو رجل وزوجته لا ينجبان ففرحت به المرأة واخذته لتربيه، وبعد 6 سنوات حملت المراة، فاصر زوجها أن تتخلص من اللقيط بأي طريقة، فلم ترى بد من أن تعطيه لصديقتها لتربيه مع أولادها وكانت تعيش في القاهرة، لكنها اعتنت به كما تعتني بقطة أو كلب فحرمته من التعليم من الخروج من ممارسة طفولته، فلم ير الطفل بد من الهرب خارج المنزل، وقد عاد للشارع لينضم لشلة من أبناء الشوارع في نفس سنة ويقع في علاقة مع إحدى الفتيات وينجبا طفل آخر في الشارع.

وفي هذا الوقت كانت ناهد تنتقل من مكان لمكان لتعمل راقصة مرة و تعمل في كابريه مرة وتقع في براثن شاذة جنسيا مرة وفي كل مرة تحاول الهرب من الشرطة عند حدوث أي هجوم.

وكان هناك قصة فتحي الأخ العاطل لعادل، تزوج مرتين دون ان ينجب ولكن زوجتية لم يتخل عنه لان ليس لهم مكان اخر يعيشون فيه

وقصة أخت عادل التي قتلها زوجها دون سبب، والعديد من الاطفال الذين وقعوا في فخ الجدة لتربيهم
وقصة تاجر المخدرات التي تحول إلى داعية إسلامي في الظاهر وساعد تنظيم القاعدة الأيمن في مصر، والذي سخر عادل في نهاية الفيلم ووعدة بمستقبل باهر لو ترك الإرشاد مع البوليس ليتحول إلى جاسوس لهم عن البوليس لدرجة أنه ساعدهم في عمل كمين لقوات الأمن وتخلصوا فعلا من عدد كبير من القوات.

والعديد من القصص الفرعية التي تناولها مشهد واحد أو مشهدين على الأكثر

من ناحية اخرى كان الفيلم امتداد لثقافة الفتونة وعصر الفتوة التي عبر عنها خير تعبير نجيب محفوظ في عدد من رواياته وبصفة خاصة الحرافيش تلك الرواية العبقرية التي تناولت تاريخ الفتوات في مجتمع الهامش أو مجتمع الحرافيش في ملحمة تبين تطور عصر الفتوة، وعندما تشاهد فيلم حين ميسرة وكأنك تتابع ملحمة الحرافيش وكيف أن الفتوة مازال مهم في مجتمع الهامش حيث لا قوانين ولا حكومة تحكم أو تدافع عن أبسط حقوقهم، فالبقاء عندهم للأقوى والحق لا يسترد الإ بالذراع.

الفيلم مليء بالأحداث والتفاصيل الصغيرة التي تنم عن البلطجة أو الفتونة، فترى كيف أصبح عادل فتوة الحي بمجرد إنتصارة في معركة على تاجر المخدرات، وأصبح له رجالة الذين يقفون معه، ثم تخلت عنه الفتونة عندما حكم عليه بالسجن.

وعندما أراد فتحي أن يتزوج مريم رغم رفض أخوها، أصطنع فضيحة يتهم أخوها بأنه عاشر زوجته وعقابا له سيتزوج من أخته، رغم أن البلطجة في هذا المشهد كانت من باب الفكاهة أكثر من الجدية.

وأخيرا كان دور عمر عبد الجليل في هذا المسلسل مختلف تماما عن كل أدوارة السابقة التي اتسمت بالشخصية الجادة ثقيلة الظل، لكن في حين ميسرة كان من الشخصيات التي أضفت البسمة على وجه المشاهد في ظل الجو المليء بالمآسي، كان بالفعل دورا متميزا أدهش المشاهد، لكن أرجو أن لا يكرر نفسه في هذا الدور مثلما فعل اللمبي حتى سقط.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى