الاثنين ٢٧ أيار (مايو) ٢٠١٩
بقلم جورج سلوم

خصام على إينستاغرام!

وكتبَتْ لي على الواتس أب:

 تعال نغيّر وسيلة التواصل بيننا فقد مللْتُ الطرُقَ السابقة

 أتعلمين؟.. هذا ما يُخيفني منكِ.. تتقلّبين وتتبدّلين بسرعة.. ولا تستقرّين على حال.. كعاشقةٍ تطلب من معشوقها تغيير وضعيّات الحبّ لتراه جديداً، وما الحبّ إلا مكحلة ومرود يتناكحان.. مهما تقلّبتم وتبدّلتم وآتيتم نساءكم بعضهم أنّى شئتم!

 فعلاً.. أحبّ التغيير والتجديد

 ومتى ستغيّرينني وتنقلبين عليّ وتستبدلينني بجديد؟

وانتظرْتُ الجواب يأتيني مكتوباً على صفحة الواتس.. وتأخّر إشعار الوصول المزقزِق كالعصفور يجفلني..وطال انتظاري وزاد قلقي.. ولكنّ الواتس منحني جرعة الإستصبار عندما كتب بأعلى الصفحة (إنّها تكتب الآن).. وفعلاً كانت تكتب وتحذف.. وأخيراً جاءني الجواب مكتوباً:

 ها أنا أبدّل وسيلة التواصل معك كي..لا أستبدلك أنت

ووضَعَتْ لي صورة إنسانٍ يضحك وتبِينُ أسنانه.. ووضعْتُ لها صورة يد ينتصب إبهامُها علامة الموافقة

وفي اليوم الثاني جاءتني دعوة للتواصل على إينستاغرام.. وفتحت لأجدَ صورتَها نفسَها لكنْ بإسمٍ مختلف، وهذا ما يشترطه الموقع المستحدَث.. وطُلِب إليّ أن أكون متابعاً لها!

ووضعت إعجاباً على صورتها المُنتقاة.. ولفت نظري عدد المعجبين وكانوا قلائل إذ أنها مستجدّة في هذا الموقع..وكانوا بأسماء جديدة محوّرة ومزوّرة لمعجَبين قدامى.. وعرفتُ ذلك من فتح صفحاتهم التي يسمّونها (بروفايلاً ).. وأظنّها ستدخل العربية – تلك الكلمة - وتنزل في لسان العرب قريباً كمصدر.. ثم يشتقّون منها الأفعال الثلاثية ويصلونها بالضمائر

وكتبْتُ لها على إينستاغرام كبداية (للشّات)..وهي عربيّة جديدة أيضاً وتركوا تاءها مفتوحة لكي لا تختلط بأنثى الخروف:

 فعلاً أراكِ جديدة على إينستاغرام وأكثر جمالاً

ووضعَتْ لي صورة قلبٍ أحمر وينبض علامة الإعجاب بما كتبت.. وجاءتني إشارة بأنها تتابعني وأتابعها.. وكتبت:

 في الفيس بوك كنت صديقاً لكِ والآن مجرّد متابع فقط..ألا يُعتبر ذلك تراجعاً في علاقتنا؟
 لا على العكس.. فصداقة الفيس بوك كاذبة لأنّ أعداءك قد يُصنّفون كأصدقاء.. أما كلمة يتابعك فهي أصدق..وأنت الآن متابعٌ لي (بنجمة).. كمتابعٍ خاص ومميّز ومهمّ..تفحّص ميزات بروفايلك فتكتشف منزلتك عندي

 وتويتر وتغريداته؟..ما عدت أراكِ تغرّدين

دعك من تويتر وكأنه صار سياسياً فقط من كثرة ما غرّد فيه ترامب.. وكأنّ هذا الرئيس يمسك جواله دائماً ويغرّد..وينتظرون تغريداته المتناقضة وفق أهوائه المتقلّبة

وبعد أيام معدودة.. (تشاتَتْنا ) على هانغوت قليلاً.. وسجّلت الشبكة العالمية دردشاتنا الإعجازية
ثم طلبَت مني مؤخّراً الإنقلاب إلى التوك توك.. (فتكاتَتْنا )على صفحاته الإلكترونية
لكن الإينستاغرام أعجبني فعلاً إذ أنه يعتمد على الصور..والبحث فيه عن أصدقاءَ جدُد تتابعهم سهلٌ ويسير، وتختارهم من صورهم فقط..وصار متابعوها متابعيني ومتابعيني أتباعاً لها..وتوازَعنا (اللايكات) والقلوب النابضة والأزاهير الحمراء بيننا.. وتزاحمت إنجازاتنا على الشبكات العالمية واخترقت دردشاتنا الآفاق..كشذّاذ الآفاق!

وكنت أغفو على هاتفي الجوال.. ولا أجلس إلا بظلّ (الواي فاي).. ووصلْتُ نفسي (بسيرف) كي لا ينقطع تواصلي معها لو ضعُفَت أمواج الواي فاي على حين غرّة.. وكانت الإشعارات تضجّ في أذني في زحام الإلكترونات المتبادلة..

حزنْتُ فعلاً لكثرة متابعيها.. وحزنت لضوئها الأخضر الذي يدل أنّها فاتحةٌ خطّها لغريب.. وتكتب.. ولا يصلني شيئاً مما تكتب..

فلمن تكتبين على خطوطكِ الخاصّة يا خؤون؟

وقد ترسلين لهم صوركِ الفاضحة.. وما عدتِ أرسلتِ لي شيئاً منها.

ماعدت شاغلاً وقتكِ.. ولا حيّزاً مهمّاً من ذاكرة جهازكِ

واستفقتُ ذاتَ يوم على حدثٍ جلل.. ومصيبة حلّت على أمّتنا العربية.. إنّها نكبة سيسجّلها تاريخي الإلكتروني.. أوّاه يا أمّي وقد تتململين في قبركِ لهول الفاجعة..(لقد حظَرَتْني)!!

أو حذَفتني

فارَقَتني

دمّرتني.. كما قال عبد الحليم حافظ في أغنيته... حبيبَها وأنا كنت قبلك

وأعلنْتُ الثورة على جحودها ونكرانها..

وهاجَمْتُها على تويتر بتغريداتٍ كاسحة

وكان غوغل يرثي لحالي..وأعطاني فسحةً إضافية من (الغيغا بايتات) لأعبّر عما يجول في نفسي..لا بل وأفرَدَ لي زاوية للنّدب ومنصّة للشّتم ورموزاً للقذف والذم ّ ومنبراً للتشفّي وتفريغ الأحقاد الدّفينة

وما عدْتُ - في حمأة ثورتي وانفعالي - أعرف شيئاً عن بلادي المتآكلة من الداخل.. ولا وطني الذي اخترقت الواي فاي حدوده من الخارج

لقد أخذوا حبيبتي سبيّة في غزوة إينترنيتية

واغتنموا إلكتروناتها وعاثوا بها فساداً

فوقفْتُ على أطلال الاينستاغرام واستشعرْتُ بمعلّقةٍ عصماءَ.. قد يعلّقونها على جدران الكعبة في سوق عكاظ في جاهليتنا المعاصرة.. وكانت الخيل والليل والهواتف الذكيّة

تعرفني.. وضمّنت قصيدتي بكلماتٍ مستقاة من ألا لا يجهلن أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا..

ولكنّ بارقة الأمل كانت عظيمة، عندما شاهدْتُ أطفالنا يبدعون على الهواتف الغبيّة.. فختمت قصيدتي ببيتٍ غبيّ مثل هواتفهم:

إذا بلغ الفطامَ لنا صبيٌّ
تخرُّ له (الهواتفُ) ساجدينا


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى