الخميس ٦ حزيران (يونيو) ٢٠١٣
بقلم ميمون حرش

رجــــل مختــلف

متسربلا في بذلة أنيقة، يمشي الخيلاء، يبدو واثقاً من نفسه، ومن تحرره.. يدخل مقهى فخمة، داخلها فضاء ليلة حكتها شهرزاد، لكن ليس لشهريار.. أرضها سماؤها، وصبحها مساؤها،..روادها، هو واحد منهم، من طينة من يمشي في الأرض و قطع قــطن تسد أنوفهم..

يستقبله النادل بابتسامة صافية، يتجاهله ويقصد طاولة، يعدل من ربطة عنقه دون أن ينظر إلى أحد، وبحركات محسوبة سار كمشاهير الفن السابع على بساط أحمر، حرص على أن يثبت قدميه فوقه، الحذاء وسُمْك البساط كان كفيلين بأن يجعلاه يترنح كبطة..، وبنفس تهاديها يخلع الحذاء، يضعه فوق طاولة، يرغب عن الكرسي المخملي، ويجــلس القرفصـاء (الوضع الذي يحب)... وسط المقهى بدا كمن يمارس رياضة اليوغا بنحــو مضحك ( كان هناك من يضحك فعلا).. ثم يفرد جريدة الصباح، ويقرأ كل الصفحات دون أن يكترث للعيون التي ظلت ترقبه باندهاش وعلى الألسن سؤال محير:مجنون أم يتصنع الجنون؟..

في اليوم الموالي، كان في أبهى صورة، قصد المقهى نفسه،وبصلفه المعتاد يدخل، ولأول مرة ينتبه لعبارة مكتوبة بخط مضغوط " يُمنع الدخول على الكلاب، والمعوقين" ، متسربلة في إطار أنيق كلوحة فنية نادرة، قرأ العبارة بصوت مسموع ، وأعاد القراءة مرات عدة أثار بها كل من يجلس في المقهى، بعضهم ظل يحملق فيه بذهول، وآخرون نظروا حيث كان ينظر.. وجزء ثالث بدوا غرباء ليس عنه بل عن أنفسهم..

لم يكن معنياً ما دام لا يصحب معه أي حيوان.. ومع ذلك استفزته العبارة (ربما لإحساسه بأنه مختلف عن الآخرين من إعاقة ما.. قد تكون داخلية رغم ثرائه..)..

يخلع نعليه كما العادة، لكنه لم يقرفص هذه المرة، إنما ظل واقفاً، يتأمل الشارع من خلال مرايا خاصة، تُظهر الجالسين داخل المقهى كما لو كانوا خارجها.. في يده جريدته، وعلى الطاولة حذاؤه..لم يقرأ جريدته هذا الصباح ، بدت والحذاء، فوق طاولته، كسلعتين معروضتين للمزاد العلني، وهو إلى جانب أشيائه بدا أحير من ضب، الخارج هو ما يشغله الآن.. رأسه الصغيرة يحمله عنق مطاطي يلتاع في كل الاتجاهات.. باحثاً عما لا يدري... بل يدري ما دامت نظراته مصوبة نحو سيارته الفارهة..

في الخارج كانت سيارته مركونة كما العروس، لونها شفاف، وشكلها كبير، لكن جميل وأخاذ، من حولها سيارات كثيرة، مبعثرة كحبات الحمص في أعراس الفقراء... ينتفض فجأة كمن رُش بماء بارد، يفرك عينيه ثم يتأمل غادة حسناء أشبه بكاترين دونوف استتلت كلباً أصغر من جوزل، ليس حسنها ما أثاره ، إنما كلبها،وسيارتها المركونة وراء سيارته مباشرة، زفر حين رأى الكلب ينط فوق سيارته، ولما بدا له كأنه يبول على عجلتها الأمامية صرخ :
• كيف تجرؤ.. أَ ولد " الق...؟

قالها بانفعال ثم نزا نزوان الجراد وخرج من المقهى مندفعا كهارب حافي القدمين، والبساط الأحمر الذي استهواه أثناء دخوله تغير لونه في نظره، كان كل همه هو أن يتأكد أن سيارته في أمان..وأن كلب الحسناء لم يبل عليها..
يحمل نفسه، ينفض مِذرويْه وهو يخرج ،وككرة يستقر في مرمى الخارج .. لكنه سيعود كما دخل وهو يضرب أصدريْه..

سيارته في أمان ، والكلب لا أثر له ، والحسناء صاحبة الكلب كانت داخل المقهى لا خارجها، وراء طاولته مباشرة كانت منشغلة بحديث مهموس في هاتف نقال مخملي، بينما كلبها ، بعيداً عنها ، كان يلعق حذاء الرجل...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى