الجمعة ٨ آب (أغسطس) ٢٠٠٨
بقلم إبراهيم ياسين

رقصة البهلوان

هذا البهلوان أستاذ باحث شاعر كاتب أديب ناقد... إليك أخي الكريم تفاصيلها...

أستاذ: يدرس الصغار والكبار، النساء والرجال... هو أستاذ الأجيال اختصارا...

باحث: يبحث في كل شيء عن كل شيء...

شاعر: يشعر بكل الأحاسيس والمشاعر... يصوغها شعرا عموديا وحرا وقصيدة نثرية...

كاتب: يكتب كل شيء... من النقد إلى عقود الازدياد مرورا بالرواية والقصة والمقامة... يكتب على كل شيء: على الورق والجدران ومرايا المراحيض العمومية... يكتب بكل شيء: بقلم حبر جاف، بالأزميل على الألواح النحاسية...

أديب: أدب نفسه بنفسه... لا يقبل الذل ولا يستسلم في حوار أو في عراك...

ناقد: ينقد دائما ـ وينتقد أحيانا ـ كل (من / ما) حوله من نصوص أدبية وعمارات وسيارات... وينتقد في حالات نادرة أهل الأرض أجمعين من الإنس والجن... أهل الشرق وأهل الغرب... لا يستثني من نقده إلا نفسه...

من عادته في الصباح ـ بعد تناوله وجبة الإفطار ـ أن يمسك بأنامله الأنيقة قلما من النوع الرفيع... فيخط سطرين، لا يزيد عليهما ولا ينقص... يسميهما قصة قصيرة جدا جدا (جدا مرتين وهو نوع من الأدب لا يجيده غيره من الأدباء والمبدعين)، يفتح بوابة الانترنت، يرسل السطرين الكريمين إلى مجلة من المجلات الرقمية... ثم لا يقرأ شيئا... كيف يقرأ وهو مصدر العلم والمعرفة ؟... ينتظر أربعا وعشرين ساعة، ففي المكان نفسه والوقت ذاته وفي يوم من الأيام عنوانه " اليوم الموالي " يفتح البوابة الرقمية... يجد نصه ـ عفوا ـ سطريه المشعين تعلوهما صورة رجل وسيم أنيق تزينه ربطه عنق الفراشة، هو يعلم أن سطريه سينشران وينتشران... إن ما يهمه هو تهنئة العيد، عيد الأدباء، وهو يوم ينشر فيه على الانترنت نصا من نصوصه القيمة، يتأمل الصفحة أعلى وأسفل... يجد رقم "7 " فتصدمه سحابتان من الحزن، تمر إحداهما على صفحة وجهه وتعبر الأخرى مغاليق قلبه... تبا لهؤلاء القراء ألا يحسنون القراءة وكتابة التعاليق ؟ نص مميز مثل هذا لا يثير غير حفنة من التعاليق... لابد أن أنجز دراسة حول ضعف الذوق الفني في جنوب الكرة الأرضية... تبا... لو كنت أكتب باللغة الانجليزية... آه... لو... لكنت الآن أرد على آلاف التعاليق... هكذا قال في قرارة نفسه.

فتح صفحة التعليق رقم "1":

الأديب العظيم الأستاذ المحترم بق بق... تحياتي الخالصة... اسمح لي سيدي أن أعبر لك ـ نيابة عن كل قراء السرد في جزيرة العرب ـ عن بالغ تقديرنا وشكرنا على ما أتحفتمونا به من القبسات الأدبية النورانية وإن كنا نستزيدكم من أفضالكم... أعذرني... أ... أنا أعجز عن التعبير... تحياتي.

وبما أن صاحبنا كان يخضع كل أموره، صغيرها وكبيرها، لنظام صارم فقد نهج نهجا دونه في كراسته على الشكل التالي:

1 ـ إرسال قصة قصيرة جدا جدا.

2 ـ استقبال القصة.

3 ـ قراءة التعليق رقم "1".

4 ـ الرد على التعليق رقم "1".

5 ـ قراءة التعليق رقم " 2 ".

6 ـ الرد على التعليق رقم " 2".

...

ومما خطه بيمينه في رده على التعليق المرقم بالرمز الرياضي "1" وبيراعه قبل تدوينه رقميا حتى يتجنب الوقوع في الأخطاء النحوية كما يحدث لبعض الشويعرين الذين يملأ الواحد منهم الفضاء ويسد الآفاق بركاكته.

كتب: ـ أخي الكريم صح صح... هنيئا لك على نباهتك، والنباهة صفة من صفاتك، ولولا ذلك ما كان لك أن تدرك بلاغة نصي، وكنت آنئذ تحرم من فوائد جمة... لعل أقلها قدرا ردي الجميل هذا...

انتقل إلى التعليق الذي يتأبط رقم " 2 " وهو رسالة طويلة ملخصها:

ـ الأديب الفاضل عميد الأدب الرقمي... الأساتذة (بصيغة الجمع) بق بق: إنه لمن دواعي نشوتي وفخري أن تتاح لي فرصة النظر في وجه كلماتكم العزيز...أطال الله في عمركم ذخرا للعلماء والأدباء...

... ومع توالي الأيام بدأ اسم البهلوان يختفي عن الصفحة الرقمية... وبعد أن ألح عليه قراؤه الأفذاذ... أكد أكثر من مرة أنه لم يعد باستطاعته أن يتنازل... وحين سئل عن نوع التنازل، أكد ويده ترتفع وتنخفض، بأنه تنازل عن نشر شعره في ديوان... ديوان سيطبع بلا شك طباعة فاخرة، وسيعجز قراؤه ومريدوه عن شرائه... ورحمة بهم ـ كما أكد ـ نشره رقميا، إيمانا منه بمجانية العلم والمعرفة... إلا أنه... وهنا مربط الفرس... ليس مستعدا للتنازل عن التعليقات التي ينبغي على القراء أن يكتبوها... اعترافا منهم بالجميل...

وعوض أن يطبع صاحبنا الديوان... فقد وجد في يوم من الأيام على مكتبه نائما نوما أبديا وأصابع يده اليمنى على فأرة الحاسوب...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى