الأربعاء ٢٧ حزيران (يونيو) ٢٠١٨

رواية حرب وأشواق تنكأ الجراح

هدى عثمان أبو غوش

روايّة حرب وأشواق للكاتبة نزهة أبو غوش"، وتقع الروايّة في 288صفحة من القطع المتوسط.

"حرب وأشواق"أم حب وأشواق؟ ليت حرف الرّاء سقط وما عرفناه، ليته تركنا منذ ١٩٤٨وما كانت روايّة "خريف يطاول الشّمس" ليته نام كأهل الكهف، لكنّه أبى إلاّ أن يجرحنا ويشتتنا، هي الحرب ما أقساها! بقلمها النازف ألما وشوقا، اختارت الكاتبة نزهة أبو غوش أن تستكمل الجزء الثاني من هزيمة العرب، فقسمت الرّوايّة إلى فصلين: الأول يتمحور حول القرى المهجرّة الثلاث"عمواس، يالو، بيت نوبا" أمّا الفصل الثاني، فهو تدمير حارةالشرف والمغاربة وسقوط القدس.أما عنصر الزّمان فهو سنة 1967، والمكان يتنقل بين القرى المهجرة، أبوغوش والقدس. استطاعت الكاتبة أن تجسد وتنقل حالة القلق والخوف، فقدان الأهل والموت والشوق للأحبّة والقرى من خلال استنطاق شخوص الرّوايّة وظهورها بشكل منفرد، حيث تحدثت بشكل انسيابي عن صلتها بالحرب. وقد جاء مشهد أُم العرب على سبيل المثال معبّرا عن حالة القلق حين بلغت أقصى أُمنياتها أن تجمعها بمظلة تضم عائلتها، جاء عنوان الرّوايّة مترابطا مع مضمونها، فالرّوايّة تتحدّث عن الحرب بتفاصيلها، ذكرياتها المؤلمة والشّوق إلى المكان المتمثل بالقرى المهجرة، وكذلك الشوق إلى الأحبّة. سميح وليلى يشتاقان كل إلى الآخر، يتساءل سميح سرا عن حبيبته ثم يفضحه شوقه ولهفته أمام الأهل والأقارب الذين لم يعرفوا سرّه، فيبحث عنها تحت الركام ويناجيها. وكذلك ليلى فإنّها تحلم به حتى في حالة الاغماء أثناءسقوطها بين الأشواك. وتشتاقه بين نفسها وتتساءل كيف وقع حبّ سميح في قلبها؟ ويتزايد شوق شخوص الرّوايّة عامة في نهايّتها حين عادوا إلى عمواس وأخذ كل يبحث عن بيته المدمر، فالشيخ رضوان يبحث عن الحصيرة التي تعني له الكثير أيّام طفولته، وأُمّ محسن تجثم فوق الحجارة وتقبلّها بلهفة. رصدت الكاتبة المعاناة التي يعيشها الفلسطيني تحت ظل الحرب ومابعدها فصورت المواقف الإنسانيّة في كيفيّة نزوح العائلات، الصعوبات والمخاطر التي واجهوها في الطرق، كذلك الكثير من المشاهد المؤثرة من خلال الوصف الدقيق، وبيّنت الأثر النفسي والعاطفي على الشخوص كشخصيّة علي عبدالحكيم الثائر الذي مرض نفسيا جراء تأثره من قسوة الحرب، وكذلك إصابة نجاح عبدالعزيز بصدمة نفسيّة حادّة، وإصابة أبو محمود بالسكتة القلبيّة، ردة فعل جميل الجنجي الّذي بقي صامتا طوال عمله في الدّير، إلا أنّه انفجر غضبا وألما أثناء الحرب، عدم استقرار نفسي عند سميح وهو في سجن الظاهريّة يقول"أنا الآن في حالة عقيمة من الفهم، كل المعايير انقلبت أمامي، وأنا بحاجة لصفاء ذهني". طغت التساؤلات والجمل الخبريّة بكثرة في الرّوايّة وقد ظلّت تراود الشخوص في أغلب مراحلها، للتعبير عن حالة عدم التّصديق والهزيمة مرة أُخرى. فتراشقت الشخوص باتهام الزعماء العرب وايعاز الفشل إلى عدم استعداد الدّول العربية للحرب وأسباب أُخرى. ومن تلك التساؤلات المؤثرة والمثيرة للاستغراب كيف احتلت فلسطين في ستة أيام مع العلم لو أردنا التجول فيها لاحتجنا أياما أكثر؟ جاءت الّلغة مشوقة،سلسة بسيطة غير معقدة وقد جعلت النصوص حيويّة غير جامدة بعيدة عن الرّتابة من خلال تنوع الأُسلوب الّلغوي حيث استخدمت أُسلوب النداء (يا ألله، يا إلهي) وأكثرت من التعجب(كم أشتاق لك أيتّها المحبوبة! كم أنت رائعة يا جدّتي!) وكذلك أكثرت من الإستفهام (كيف، ماذا، لماذا،هل)،والقسم (والله، لا والله، أُقسم).أمّابالنسبة للعاطفة فقد استمطرت المشاهد بانفعالات النفس وأحاسيس الغضب، الحزن والحبّ من خلال نبرات أصوات الشخوص(غمغمت بصوت مقهور، تزاحمت أصوات بكاء، ترديد الأغاني الحزينة من خلال موّال العم أبو محمود كل صباح، كلنا بكينا كلنا هتفنا..). وأيضا فإنّ الكاتبة جعلت الشخوص تعبّر عن أحاسيسها بلسان المتكلّم، فاستخدمت الأفعال الحسيّة (شعرت، أحسست،كاد قلبي يسقط منّي، أتحسسه،فزعت...الخ)جاء الحوار الدّاخلي في الرّوايّة ليعبر عن الشعور بالضياع ولإثارة قضيّة الإستخفاف بالعقل العربي في عدم مصارحته بالحقيقة.

(يقول سميح: رحت أبحث عن نفسي كي أعبر بها من البدايّة حتى النهايّة..قولوا لي بصراحة بأنّ عمواس دمرت وهجرّت؟ لماذا الخط الأعوج؟). استخدمت الكاتبة الأمثال، الموّال الشعبي والأغاني التراثية. بيّنت الكاتبة الأسماء والمصطلحات الجديدة التي ظهرت بعد الحرب (النكسة، بوابة مندلبوم، متنزه كندا بدلا من عمواس، توحيد القدس، خط التّماس، نازح،فتحت الدنيا على بعضها). سلطت الكاتبة الضوء على قضيّة الإعلام المضلل الذي كان ينقل الأخبار كذبا فترة الحرب من خلال إذاعة صوت العرب بصوت المذيع الشهيرأحمد سعيد، وأثرها السيءعلى المجتمع الفلسطيني في ظل الحرب. بيّنت الكاتبة حالة التشتت في ذهن الطالب العربي الذي يدرس ضمن المنهاج الإسرائيلي ومفهوم الخارطة الجغرافية لفلسطين وأسمائها والهويّة المفقودة. ختمت الكاتبة الرّوايّة بملامح الأمل من خلال زواج سميح وليلى بعد أن خيّم الحزن فصولها، وإعلان أبى سميح حين قال سنبني عمواس من جديد. روايّة تستحق القراءة ومرجع هام للأجيّال القادمة.

هدى عثمان أبو غوش

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى