الخميس ١٣ تموز (يوليو) ٢٠٠٦
بقلم حنان بديع

رواية "شفرة دافنشي" ومصيبتنا الثقافية

لو لم تتحول رواية "شفرة دافنشي" الى فيلم سينمائي لما سمعنا أو قرأنا عنها كشعوب نسمع ونشاهد ولا نقرأ أبدا..

وهذه الرواية التي نشرت قبل صدورها كفيلم بأكثر من عام ما كانت لتثير هذه البلبلة الاعلامية لو لم يدع كاتبها دان براون بأن خلفيتها التاريخية صحيحة وليست مجرد خيال فني، اذ من منطلق هذا التصريح الجريء حد الوقاحة ثارت ضجة في الشارع العربي وكثرت الاقلام التي كتبت وتناولت الموضوع دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث أو التحليل التاريخي حتى تجاوز الجهل والتبعية فئة العامة الى فئة المثقفين أو مدعي الثقافة وتغلغل الى أعلى طبقات الثقافة في المجتمع

فهل نعتبرها كارثة ثقافية كبرى ؟

وإذا كانت كذلك فهل يبدو غياب دور المتخصصين في علوم التاريخ والأديان للتحقق من هذه الادعاءات كارثة أكبر

نعم مصيبتنا كبيرة..

كبيرة لأننا استقبلنا عرض فيلم مهينا للتاريخ قبل أن يكون مهينا لأي دين دون أن نملك الاسلحة لمواجهة مثل هذا الفجور، فالحبكة المنطقية للرواية مليئة بالأخطاء الجسيمة أهمها ما أضفته من الالوهية على شخص مريم المجدلية (في صورة الكأس المقدسة) التي يدعي الكاتب زواجها من المسيح في حين يصور المسيح ذاته على أنه رجل صالح أو نبي وهو ادعاء غير منطقي أن تنتقل القدسية من المسيح الى من يدعي أنه تزوجها من تلامذته !

هي واحدة من أخطاء كثيرة صرفت الانظار عن الخيال وتفاصيله الفنية والتي لم تشفع لكاتب الرواية خطيئته.

وفي عودة الى كارثتنا وعقولنا التي ضمرت مع الزمن فأصبحت كالأوعية الجاهزة للتعبئة دون تحليل أو تفكير ودراسة مما ولد خوف عظيم على العقول الجاهلة والبسيطة أصبح السؤال المطروح والضجة التي تبعته يدور حول السماح بعرض الفيلم أو منعه بدلا من مناقشة تفاصيله والتصدي لادعاءاته ربما لإدراكنا بأننا شعوب تتأثر بكل ما تشاهد وتسمع دون استعمال العقل، وهو سؤال مطروح فقط لأننا أمام مد من الانفتاح والحرية الفكرية سمحت بالتزوير التاريخي وإعادة النظر في المشهد الديني..

فهل كان علينا أن نمنع الناس من ممارسة حريتهم كما هو شأننا دائما كمجتمعات عربية ولماذا لم يكن تعليم الناس وتثقيفهم ثم السماح لهم بالشك والتفكر قضية مطروحة كأحد الحلول بدل أن نمنعهم من ممارسة هذه الحرية.

نحن نجهل أو نتجاهل دائما أن الشك هو الطريق الى الايمان الحقيقي لا الايمان الموروث وان الالحاد حق لمن شاء والإيمان حق لمن أراد ذلك أن خضوع العبيد يختلف عن خضوع المؤمنين الاحرار.

من هذا المنطلق لا يبدو منع الرواية من الترجمة أو الفيلم من العرض شرف لنا على الاطلاق كما لا يبدو تقاعسنا عن البحث والتحليل فيها سوى مصيبة حقيقية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى