الأربعاء ٢٧ آذار (مارس) ٢٠١٩
بقلم هاتف بشبوش

ريتا عودة، حين يكونُ الحبُّ شعراً وحواساً (3)....

علقوني على صليب
مذ ولدتُ
وقالوا أنثى

لابد للمرأة أن تنهض اسوة بالرجل كما فعلت نساء تونس اليوم اللواتي طالبن بحق الميراث إسوة بالرجل والخروج من النص الديني المقدس الذي جعلها في مرتبة دونية أقل من الرجل، لابد أن ننتهي من العصبية القبلية والطائفية كي لانستطيع تقطيع ثدايا إمرأة في زفافها كما حصل في (عروس التاجي) في بغداد إبان الحرب الطائفية في العراق قبل عشرة أعوام. أو قتل الإيزيديات وماحصل مع تلك الفتاة الحائزة على جائزة نوبل بسبب إغتصابها من الدواعش باعتبار السلف الصالح كان يعمل هكذا حسب تعاليم الدين والشرع في السبي والغنائم ومثلما حصل أيضا في المغرب قبل أيام وقتل السائحتين الدنماركية والنرويجية وإغتصابهنّ ببشاعة.

تنتقل بنا الشاعرة من الحب والأيروتيك الى الأدب الذي يحاكي معنويات الإنسان وآلامه والى من يصنع الأدب الرفيع، فهاهي الشاعرة تقر في البوح الآتي (إقرار) حول مفهوم الأدب في جانب واحد من جوانبه العديدة التي لاتعد ولاتحصى:

الأدب الكبير
لايصنعهُ
الاّ صعلوكُّ صغير

صعلكة بشار بن برد إتهمت بالزندقة فحكموا عليها بالموت. صعلكة الشاعر العراقي الراحل(حسين مردان) تبيع ملابسها لشراء زجاجة كحول لشفاء الرأس. صعلكة الشاعر المصري الراحل (أمل دنقل) ماتت وهي متحدية وسط مايحيطها في المشفى من بياضٍ في كل شيء. لكن هؤلاء الصعاليك جميعهم أسسوا لصرخة الظلم بوجه الطغاة الذين جعلوا من الحياة مزابلاً تؤكل كما في أدناه من ثيمة (مزابل):

صارت المزابل
أحن على المسحوقين
من البشر

الشاعرة كما سائر الأدباء تعلن ثورتها البوحية لكل من يريد الحياة وعيشها بكرامة فترسم لنا نصها (أريدُ أن أحيا):

أريدُ أن أشارك الفلاحين
في زرع بذور الأمنيات
أريد أن افعل
أشياءً عديدة
عديدة
لكنّ صوتَ طلقاتٍ نارية بعيدةٍ
بعيدة
يشوه كل أحلامي

وكأني ارى الشاعرة هنا تحمل علم اليسار، ومهما يكن من أمر لابد أن نستمر في الحياة كما الأغاني التي لايمكنها أن تموت، فالجيوش تموت تحت المجنزرات ومن بارود البنادق وتنتهي طعما للصقور لكن أغاني الجيوش تبقى عالية في السموت الأبدية. فلابد أن نغني كما غنت (سيلين ديون) رائعتها الجميلة أنا أعيش (I am alive)). وسط هذه الدوامة التي لاتنفك تتركنا، فنكون مرغمين على العيش سالكين درب الحب الملغوم بالحرب ومايتأتى منه مثلما نرى (على ذات المقعد):

على ذات المقعد
حيثُ همستَ قبل سنة
في أذني
أحبكِ...كوني لي
الآن.. الآن
على ذات المقعد
جندي وبندقية

إذا ابتعدت المرأة عن الحب بسبب معمعة الظلم نراها تعود مهما طال الزمن فها هي في الثيمة أعلاه نراها قد وزعت القصيد بين الحب والحرب، بين الحب والجندي وساحات الوغى وماتفعله بنا من دمار يثير حشرجة النفوس المطمئنة حيث الجنديُ المُحتَضِـرْ بيـن نيران الجنوح الدمويّ لم يستطعْ القول أنّ طبولَ الحرب ملعونة، بلْ أوصى في النفس الأخير أنْ يستمع الى معزوفـةٍ تـدلُّ على فتاة، تحمل شيئا من بقاياه، ترفع يده التي ماعادتْ جريئة كي تسـقط فوق أفخاذها، تشم أنفاسه التي بدأت تختنق حتى الموت التراجيدي الحزين الذي يثير فينا حشرجة القهر والتحسّر على عمرٍ تولّى دون تحقيق غاياته.

وتستمر الشاعرة من نفس الفيض فتكون تلك التي نقرؤها في الشذرتين الآتيتين (يمامة، قد إكمل):

سأظل يمامة
تبحث
للحياة عن معنى
وسط الطوفان
تبحث عن فارس
تأتيهِ يوما
بقصفة ريحان

قد اكمل:
خلعتُ صليبي ومضيت
باتجاه
الحدائق والحقول
لألتقط سنابل الفرح
لأعجن من قمحها قوتا
للعجاف القادمة
من قال:
إن الحب مزمنُّ
وإن الحزن قاتلُ

لايمكن للمرأة والرجل أن يبتعدا أو يكونا على إنفراد، كل يتنفس من الآخر، الشاعر وملهمته، الفارس والعظيمة التي تقف وراءه وما من أنفاس تحيّي وتصفق له غيرها أو على ألأقل نواعم اليدين التي تلامس جبينه إذا ماأصابته حمى من ضوضاء هذا العالم. الرجل وحده عقيم ومعها هو الكون بأجمعه فهما التناسل و الأخصاب اللامحدود، هي ربة الشفاء، هي جيني زوجة ماركس العظيم في رحلته الى الفردوس، هي كليوباترة في رحلتها مع أنطونيوس الى عالم الخلاص والأبدية.

الذي لايسأل يظل غبيا على طول خطه الفاصل بين حياته وموته. الذي لايسأل يبقى أحدبا من حياءه وخذلانه ومن نكوصه الفضيع، الذي لايسأل سيشح عليه الجواب ويبقى في حيرته. فهنا تسأل الشاعرة (من قال انّ الحب مزمن). هي صورة شعرية وثيمة في غاية الروعة وكأنها لوحة حقيقية نقلت من الطبيعة ومن المحاكاة التي تدور بين سائر البشر. وهكذا تنتهي الشاعرة في محيط التساؤل الذي مهما غرفنا منه لاينتهي بل يظل سادرا منذ أول تساؤل أطلقه كلكامش حول الخلود مرورا بالكثير من عباقرة التأريخ حتى نصل الى آخر العباقرة (ستيفن هوكينج) الإنكليزي المعوّق الذي بقي يتساءل حتى مات قبل عام وترك من خلفه عالَما متحيراً من دوامة السؤال حول الكون وأسراره.

كلمة أخيرة:

أستطيع القول فيما يخص ريتا عودة الشاعرة وكتاباتها من هذا النوع من أنها لامست سطوح الأيروتيك وليست أعماقها، تلك التي قال عنها ذات يوم (روبير إسكاربي) من انها الإباحية التي تنتمي الى طراز رفيع. كما وان الشاعرة ريتا استطاعت ان تجعل الجسد بعيدا عن الإثارة فهي لاتريد الغوص اكثر في هذا المجال لإعتبارات تحترمها هي كأديبة ملتزمة ولذلك جعلت الجسد يقطن في شرنقة الكتمان والتكتم، لكنها من جانب آخر أعطت للقلب ثقته المطلقة، أعطته صفة الناسك والنبيل، صفة المحايد والصفاءالخالص الذي لايدق الاّ وكان عارفا بما يريد. أما الحب فالشاعرة جعلته تلك الريح التي تلعب على الجانبين، على الكتفين، وعلى أجمل لوحتين في جدار مرسمها القباني في عشقه الى بلقيس ودمشق الكأسِ والراحِ.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى