الخميس ٢٦ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٧
بقلم جورج سلوم

زمن الصراصير

أصبح للصراصير مقامٌ بيننا..وتُعطى لها صدور المجالس..

واصبح للصراصير وزنٌ..فترجح كفتها أنّى حلّت...

رحِمَ الله زماناً كانت تُقتل فيه في زوايا البيوت بالقباقيب والشباشب...

رحم الله زماناً كانت فيه الصراصير مُقرفة تبعث على الغثيان..

إنّ العفنَ المتراكم في البيوت هو الذي دفع الصراصير للتكاثر...إنّ انقلابَ الموازين هو الذي أطاح بالأسود والنسور...ففاضت الصراصير من مزابلنا..لتغزو موائدنا وأسرّتنا وشراييننا...

نهيزٌ وعريرٌ وصريرٌ...هو صوت الصراصير المسيطر علينا..

قالوا:

 لا تبتئسْ فالصرصور عمرهُ قصيرْ..يقتله البردُ والزمهريرْ..

قلت:

 وأي بردٍ يلحق بمن افترشَ فراشنا..واستدفأ بمدافئنا..لن يداهمَ الشتاءُ صراصيرَ هذه الأيام...لم يبقَ الصرصور حشرة فصلية كما تظنّون..والريح الصّرصَرُ لن تؤثر فيها...هذا زمان الصراصير..

 وهل كنتَ أسداً في عرينك لتسخر من غيركَ الذي استأسدَ واستقوى؟...لا أعرفكَ إلا في صنفِ الجرذان أو الكلاب في أرقى أزمنتكَ..تعتاشُ على الفتاتِ تحت الموائد...وترتشفُ بقايا الكؤوس... لم أعْهَدكَ أكثر من بيدقٍ في رقعة الشطرنج..يُضحّون بك على أقدام الفيل والحصان..وتتمنى أن تصبحَ أضحيةً على أعتابِ الوزير أو الملك....لماذا (أنتم معشر البيادق) تغارون ممن ارتقى واعتلى سلّم النجاح فسنحتْ له الفرص ليغيّر جلدته ويتربّع فوق القمم؟..أنتم ببساطة جوقة من الفاشلين والنوّاحين والمتباكين على الأطلال تندبون حظكم العاثر ولا تفعلون شيئا...

قلت:

 كلامُكم على العين والرأس لو اعترفَ الصّرصور بتاريخه..لو يذكر البلاليعَ التي خرجَ منها..لو احترمَ سقوطنا واعتبرَه نوعاً من الكبوات التي ستتلوها الصّحوات..أعترضُ على الصراصير لأنها ترفض بقاءَنا بجانبها..إنها تصرصر مجتمعنا وتحوّله إلى وكرٍ صرصوري معزول... لو ارتقى بيدقٌ منا واعتمر بقناع الفيل لمسحنا خرطومه قانعين..لكنْ أن يأتينا من كان يحلم بأن يدخل رقعة الشطرنج ويغيّر لنا قانون اللعبة..فهذا أمرٌ ليس بالحسبان.

عَشنا حياتنا ضمنَ (شطرنج ٍ) ثنائي اللون ولا ثالثَ له...وكنا نلعب جنداً ضمن فريقين متكافئين عدداً وعدّة...وللأسف ولأن الصراصير متعددة الألوان ضِعنا ولم يعدْ بياضُنا أبيضا ولا سوادُنا أسوداً.. فهناك البني والرمادي والأشقروالأسود ومن لا لون له...وبالتالي صار كل شيئ مسموحاً به في زمانهم..أسقطوا قانون لعبة الشطرنج المتعارف عليه...وفرضوا قانونهم متبدل الألوان....تكاثروا فوق الأعراف والتقاليد والمبادئ والمثل المَرعية مُذْ خُلقت لعبة
الشطرنج..وغدا الصرصور يدخل اللعبة متى شاء منتحلاً اللون الذي يحلو له..فيصعد القلعة من الخلف ويسقطها..ويعشش في خراطيم الأفيال ويخنقها..ولا حُرمة عنده لوزير أو ملك...لقد باضت الصراصير في أرضِ رقعة الشطرنج نفسها ونخرت أساسها وأثاثها...فضاعت حدود المربّعات المتعارف عليها...وصارت أشكالاً هلامية قابلة للتبدّل والتحوّل...في زمن اللاقانون...
طريقة الصراصير في القتال والسيطرة... قائمة على مبدأ الكثرة تغلب القوة في بيئةٍ مناسبةٍ لها للتكاثر..فلو واجهتَ غزواً من جحافل الصراصير في أرضٍ سمحتْ لهم بالبيض والفقس كما يحلو لهم..سترى أمامك وأنّى نظرت تلك الحشرات المقرفة تهاجمكَ من فراشكَ..من ثيابك..من مكتبتكَ ومن قلبِ كتبك..من مطبخك وفوق صحونك..من قلب خُبزك الذي تأكل..عندها لن تكفيكَ المُبيدات الحشراتية..ستدوسُ الآلاف بحذائكَ وستسمع أصوات تحطّم حراشفها تحت قدميك..وتضربها بكلتا يديك على الجدران..ثم تسحب كتاباً وتسحق به ماأمكن منهم...لكنهم يخرجون من بين أوراقه فترمي به كارهاً له ولمحتواه... ترمي طعامك وخبزك..تكسر صحونك..تقلب مائدتك بلا فائدة...ثم يأخذ الجهد والتعب منك مأخذاً فتستسلمْ..حتى تراهم يخرجون ويدخلون بحرّية إلى خياشيمك وفمك وتحت أضراسك...يعششون في أذنيك..وتحت جفنيك..فلا يمكنك إغماض عينيك..تتسع حدقاتك وتسترخي أمام المدّ والجزر والأمواج الصرصورية المتلاحقة.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى