الاثنين ١٣ آذار (مارس) ٢٠٠٦
بقلم محمد نبيل

سؤال الموت

العديد يعتبر الموت ظاهرة طبيعية تخيف الذات وترعبها بل هي لغز محير يدفعنا إلى نسيان الموت أو التسليم بها والركون إلى إجابات قطعية، إلا أن سؤال الموت يظل مهمشا اجتماعيا ولم يتطرق إليه إلا بعض الفلاسفة والعلماء المختصين الذين حولوا الموت من حالة إلى موضوع للدراسة والتأمل.

لو انطلقنا من رؤية الفيلسوف الألماني شوبنهاور نجده ينظر إلى الموت كإيحاء حقيقي بالفلسفة وبالتالي تكون محبة الحكمة في عرف هذا الفيلسوف بمثابة علاج نفسي للقلق. فالفلسفة تحاور الموت وتستنطق خفاياها وكل الأسئلة التي تدور حولها. الموت لا تسمح بالتفلسف فقط بل كذلك تسكن الذوات المستلبة. في هذا السياق، يرى الفيلسوف الهولندي سبينوزا أن الإنسان الحر يعبر عن قوته في الوجود حتى يبعد مطلقا هاجس حضور الموت، بالمقابل نجد فيلسوف الكينونة والزمن هيدجر،يعرف الإنسان باعتباره ذاتا للموت.

سؤال الموت يتأرجح بين الوضوح واللاوضوح. فهذا العالم يعد فضاءا مبهما بل لغزا كبيرا لقدر الإنسان كما يتصورها يا نكليفيتش. فلو نظرنا إلى الذوات الآيلة للموت والتي تنحل إلى مادة فانية لا روح فيها لوجدنا مفارقة عظيمة بين الإحساس بالغربة والفزع اتجاه الخطاب حول الموت التي تطارد كل واحد منا من جهة وواقعية هذه الظاهرة التي يتكرر حدوثها بشكل عيني.

إن الموت تأسس لقطيعة بين الإنسان العاقل والحيوان. العالم السوسيولوجي ادغار موران سبق له أن أعتبرها أكثر غرابة من الأداة، العقل واللغة. ومجرد سرد أولي لآراء وأفكار الفلاسفة والكتاب المهتمين، يتضح بجلاء أن خطاب الموت يثقل كاهل العقل ويفرض ذاته على فكر الفيلسوف المتأمل أو الإنسان العادي ولو بدرجات مختلفة.

إذا كان الفلاسفة قد حاولوا مقاربة السؤال حول الموت أو سؤال الموت من خلال مجموعة من النصوص المعروفة فإن الشعراء قدموا بعض الإجابات حول هذا الموضوع وعلى رأسهم الشاعر الفرنسي فكتور هوجو، هذه الأخير تناول هذه الإإشكالية بطريقة تعتبر الحياة فرصة لا تتكرر.هوجو عبر عن فكرته وهو يؤكد بأنه إذا لم يكن من انتظار لما بعد مرحلة القبر، فالنتيجة تظل صحيحة: لنأكل ونشرب ونمارس كل ما يفيد اللذة لأننا غدا سنموت. فعالم ما وراء الموت يظل محددا لهذه الأخيرة وتداعياتها حسب هوجو. إنها ذلك المعبر الذي يربط الأحياء بالأموات، فالجنس البشري هو الوحيد الذي يعرف أنه سيموت انطلاقا من التجربة اليومية لهذه الحالة التي تحدث أمامه، وبذلك نستخلص من أن الأموات يتحكمون في مصير الأحياء بل إن الارتباط بماضي الأقرباء والأصدقاء يجعلنا مرتبطين بواقعهم ولا نعيش واقعنا بشكل خالص ومطلق أي معايشة حالة الوجود على أرض الحياة.

إن الموت تختلف من حيث درجة أسبابها وهي حالة موجودة بالضرورة. فالعودة إلى كتاب ابن حزم الاندلسي: طوق الحمامة في الألفة والآلاف، تجعلنا نعثر على تصور يعتبر الإنسان شهيدا عندما يعشق ويعف ثم يموت. هذا التحديد يكشف على أن شروط وعلل الموت متباينة وليست موحدة بالرغم مما يبدو سطحيا.

عموما، سؤال الموت سواء عند الفلاسفة أو الشعراء يظل عبارة عن مساءلة وجودية، أنطولوجية ومعرفية تهدف إلى استخراج أطروحات وأفكار جديدة تسمح بالتساؤل من جديد، وهذا ما يضفي على الموضوع طابعه الجدلي ويمنحه نفسا مغايرا يجعله مثار نقاش لا نهائي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى