الجمعة ٢١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٨
بقلم سلوى أبو مدين

سر المنزل الأزرق

كنت سعيدة حين انتقلت إلى منزلي الجديد ، كان بسيطاً حد الجمال ، هادئ يطل على حديقة واسعة مليئة بالنباتات والأزهار البرية الزاهية ، صالته الواسعة وضعتْ فيها طاولة ، أحاطتها تحف رتبت بعناية ، ولوحة للرسامة ـ فريدا كاهلوـ في حين طليت جدرانه من الخارج باللون الأزرق .

ليلٌ بطعم الخوف ،،،

أوقدت شموعي وغفوت ، تهدهدني أحلام وردية . زقزقة العصافير تتناهى إلى مسمعي .
أغلق عينيّ على امرأة تعبر المسافة بيننا ، بشال أحمر وحاجبين متصلين كثيفين وضفيرتين عُقدت فوق الرأس .
اقتربت مني تحدّق في أرجاء الغرفة ، ملامحها تجهش بالحزن ، أعتقدت أنني أحلم ، وربما كوابيس تهبط في أول ليلة ، هكذا حدثت نفسي .
بقلب هش وقفت عند ردهة واسعة ، موسيقى تتداعى تبعتها ضحكة عالية صدرت
من الخارج .

آه ه ه

فريدا كاهلو دمعة جفت في كف المطر ، أتت من متحف الذاكرة بعينين مغرورقتين بذات الألوان التي رسمت بها . ليست لوحة فوق الجدار .
هكذا تمتمت ..

نافذتي مُضاءة بنور شاحب ، رعشة تسللت إلى مسامات جسدي ، كل شيء مُبهم طبق الفاكهة الحامض في اللوحة ، الأوجاع الساكنة في ريشتها التي ذرفت الألم ، كسماء تدمع .
هكذا أدرت ظهري كورقة خريف تهوى ، ظل الشمعة المائل ، لم يدم طويلا يعكس ملامحها ظلتْ تنظر كأنها تبحث عن شيء .
استيقظت متعبة تتلقفني الأفكار . شمس الربيع حطت على الحديقة ، نسيت كلّ ما حدث كأنه صفحة في رواية .

فريدا كاهلو ، طيف يرتدي العتمة ، بقايا ألوان قديمة ، وريشة جافة .
بذات الألم ، والحزن ، والضفائر السوداء ، برماد سيجارتها ، وسديم الأزرق .
وقفتُ أمام اللوحة مسحت بيدي فوق شعرها القاتم ، بادلتها ابتسامة باهتة ، ثم اتجهتُ نحو الحديقة .
أرتب أصص الأزهار ، مر الوقت بطيئاً ، عقرب الساعة الأصغر يختبئ تحت الطويل مشيراً إلى الثانية عشر صباحاً .

كما في الحُلم

غرفتي مدججة بالصمت تضيق بتنهيدتي ، وسادتي مقبرة لطائر اللقلق عبثاً
أمسكتها دفنت رأسي في ريشها الناعم .
جدران بـ لون أزرق يغرق في العتمة والغموض ، أغمض لوهلة أراها في كل
مكان .
تساءلت : ما هو سر الحكاية الذي تركته قبل أن تغادر؟

صوت يصرخ في أذني ، وحفنة أسئلة هطلت دونما إجابة ، دسست رأسي في
الوسادة كي لا أسمع شيئاً .
بقدمين لا يهابان وقفت قبالة اللوحة قبضت عليها نزعتها من فوق الجدار ، ثم
ألقيتها في الحديقة ، رفعت رأسي استنشقت اوكسجين ملء رئتي , فتحت
ذراعي ، سماء تزينها قوافل من النجوم الخافتة ، نجمة وحيدة تلمع .
مضيت إلى غرفتي محطة الأرق ، بخطوات متهدجة ، ألقيت بجسدي انكمشت
على بعضي استجدي النوم وأعدُّ الخِراف كي أغفو .
الباب يقرع نقرات سريعة ، ترتجف فرائصي ، بخوف نثرت كلماتي : ليس هناك ما يخيف سوى سر المنزل الأزرق ووحدتي !


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى