الاثنين ١٧ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم بسام الطعان

سيقتل الأمل

بأريحية وحرية ومرح، كان يجلس خلف طاولته، يقطف ثمار الحروف، ثم يرتبها بشكل بديع على الورق، لكنه فجأة ودون سابق إنذار، ذهب من الصحوة إلى الدهشة، ولم يعد يعرف ماذا يفعل.

دونما استئذان، دخل عليه كائن لا يشبه الكائنات، اقتـرب منه مثل موجة عاتية، تسمر فوق رأسـه، وصادر كل الحرية التي كان يتمتع بها.

ألقى بالقلم فوق الأوراق، نظر إليه بملامح متوترة، فإذا به يرى جسد بغل، رأس فيل، وجه غوريلا، عيني بومة، أنف قرد، وشارب نمر، وقبل أن يتفوه بكلمة، هجم عليه الكائن وراح يعيث فيه فسـاداً، حاول النهـوض والاحتجاج بأدب جم، فأنزل لبنتين كبيرتين على كتفه ومنعه من الوقوف أو الكلام .

ظل الكائن يقذف في وجهه شرارات حاقدة، بينما كل أجهزته تتحرك كرادارات خبيثة، أما هو فكان مثل بناء شيّده مقاول طماع.

بسرعة غير متوقعة، ملأ رأسه بالكذب والضجيج، حوّل ذاكرته إلى غربال، ثم ربطه بحبله اللامرئي وسحبه ، فتبعه مثل من يسير في غابة التوهان.

أدخله في سرداب لم ير مثله في حياته، تفوح منه رائحة عفونة عتيقة جداً، وبعد لحظات، اختفى الكائن بين الممرات، فراح ينسج رداء القلق على مصيره:"أي مصير ينتظرني؟.. فأنا لم أعتد على أحد ولم اظلم إنساناً".

سمع صـريرا مزعجا فالتفت إلى الوراء، ومع دهشة لا تزول، برز أمامه باب حديدي ، عرضه حوالي متر، وارتفاعه متر ونصف، ثم انفتح لوحده وكأنه يدعــوه للدخول، وبعد لحظات سمع صوتا شرسا يطلب منه الدخول ، فدخل بخطوات راعشة مجنونة، فإذا به داخل غرابة على شكل غرفة كبيرة تشبه خانا مهجورا، خالية من النوافذ، وعارية إلا من نور أحمـر، لحظتئذ سيطر عليه الهلع وشعر بأن أبواب جهنم قد فتحت خصيصا له.

بقي متجمداً، بقي متجمداً كالصنم للحظات ، ثم تراجع مثل فأر مذعور إلى الوراء، لكنه لم يجد الباب، اختفى كما اختفى هو من العالم الخارجي.

هل هو نائم بين القبور ويحلم؟ أم أنه في الواقع الواضح الذي لا مفر منه؟
مرت الدقائق عجافا وجحيما، بينما كمامة الخوف تفعل فعلها في داخله، وهربا من جنون يراوده جلس في زاوية كئيبة وشيّع أعصابه إلى مثواها الأخير.

ثلاث ساعات وهو يدفن رأسه بين فخذيه والله وحده(جل جلاله) يعرف بماذا كان يفكر، وفجأة سمع وقع أقدام تقترب، ثم دخل وحش لا ينتمي إلى فصيلة الوحوش، ومعه خمسة جراء منظرها يبعث على القرف والغثيان، كان الوحش مغطى بالغضب الكلي، وملامحه تثور وتختفي ثم تعود من جديد لتشكل صورا مرعبة.

نهض بتعب واضح, نظر إليه، حاول أن يسأله عن السبب في مجيئه إلى هذا المكان، لكن لسانه كان مهترئاً، كيف لا يهترىء والهلع شيّد في الويلات في نفسه؟
بعد نظرات فسفورية حادة، كشر الوحش عن أنيابه، طوقه بغضبه وبكذبه الفاقع, بينما الجراء تنبح من حوله وهي متحفزة للانقضاض عليه، صفعه الوحش صفعة قوية أخرجت الدموع من عينيه، وبعد لحظات غاضبة تذكر بأنه ليس جبان المنشأ، ولا ضعيف المنبت، استجمع كل قوته، لكمه لكمة قوية على بطنه، لكن الوحش لم يشعر بها وهذا من حسن حظه، فلو شعر بها ربما كان للقصة موضوع آخر.
 تريد الخروج من دوائرنا أيها القنفذ القذر؟ قالها الوحش وهو يشد شعره الخرنوبي الطويل بعنف. ثم غـرز مخالبه في رقبته وزمجر في أذنه:
 سأمنحك فرصة أخرى، فإذا لم تذعن لي فسأقتل أملك في الحياة، أكســر قلمك، وأقيدك في الظلام، واعلم أنك لو هربت في أي وقت والى أي مكان، فسآتي بك حتى لو وصلت إلى حدود السماء وعندها سأعصر دماءك شرابا لهذه الجراء، أتسمع؟

بدا أمامه مثل عصفور مكسور الجناح ، ازدحم بنفسه، بيأسه، بضعفه، وبقلة حيلته، وكان كل همه أن يتشبث بأهداب الحياة والحرية.

لم يدر كيف صار في الشارع الذي بدا له غريباً وكئيباً، كان يسير وهو يظن بأنه قد تخلص من الوحش، وما أن دخل إلى بيته حتى وجده ملتصقاً به مثل التهمة، ووجد الجراء تتراقص من حوله ولم تكن تنبح


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى