الثلاثاء ١٢ تموز (يوليو) ٢٠١١
بقلم محمد أبو عبيد

شاكيرا في إسرائيل

عجيب أمر الكثير من العرب، يُصدَمون باللاصادم، أو، متأخراً، يدركون اللاخافي. والأنكى أنهم يغيرون مواقفهم بين عشية وضحاها انصياعاً للحظة عاطفية. إنهم كمن أدرك اليوم أن الأرض تدور حول الشمس فصُدِم.

ثارت ثائرة "يعربيين" كُثر بسبب زيارة المطربة الكولومبية العالمية شاكيرا إلى إسرائيل، والمُقلّة في الحديث عن أصلها اللبناني، وتداول البعض أمر الزيارة كما لو أنها ملفات المجاعة والفقر على طاولة الأمم المتحدة، واقترح البعض منعها من الغناء في مصر في 29 نوفمبر، وهذا التاريخ هو اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وتوقيت غنائها صدفة وليس مبرمَجاً.

اللافت دائماً في ردات فعل العرب أن عواطفهم تغض أبصارهم عن حقائق مكشوفة لا خادعة، فلعل شاكيرا طبقت شهرتها آفاق العرب بما يفوق نجوم العرب، وربما من النادر أن تجد عربياً لا يعلن إعجابه بهذه الفنانة الموهوبة والجميلة. بيد أن غمرة الإعجاب تجرفهم بعيداً عن الحقائق الكامنة في دواخل من يُعْجَبون ويُجنون بهم. فردة فعلهم على الزيارة التي قامت بها شاكيرا إلى إسرائيل توحي كما لو أنهم كانوا يتوقعون منها أن تحمل بندقية وتطلق النار على جندي الإحتلال، أو أن تقذف حجراً من بوابة فاطمة في الجنوب اللبناني، أو تعتصم في الجولان المحتل حتى رحيل الإحتلال، أو أن تتبرع بثروتها للاجئين الذين صاروا، حالياً، عرباً لا فلسطينيين فقط. إنهم اليوم أدركوا أن من يعادينا لا تعاديه شاكيرا، وأن أكبر همّنا ليس هماً لها ولو بمثقال حبة من خردل .

الأمر عينه يتكرر مع نجوم كرة القدم الذين لا يكاد يخلو بيت عربي من صورهم، ويحفظ الكثير أسماءهم بأكثر مما يعرفون أسماء أدبائنا ومؤرخينا وشخصياتنا التاريخية، لكنهم يغفلون، أي الكثير العربي، أن هؤلاء النجوم لا مشكلة بينهم وبين إسرائيل إلا من أراد منهم تبني قضية إنسانية قد تكون فلسطين جزءاً منها. لذلك ليس مبررا أن يعلن العرب صدمتهم من زيارة لاعب منهم تل أبيب، فزيارة نجم عربي إلى لندن لا تسبب صدمة للإيرلنديين الشماليين.

ليست هنا دعوة للترحيب بزيارة النجوم العالميين إلى إسرائيل، إنما نداء لعدم التعبير عن الصدمة، فلا ينقصنا صدمات كعرب، وغير المصدوم لا يعني أنه مُرحِّب. ومع ذلك تبقى بعض الصدمات مبرَّرَة، كأن يهنىء نجم عالمي جيشاً لارتكابه مجزرة، أو يبتاع بيتاً في مستوطنة.

من المحبذ، إذنْ، أن يدرك العربي أن نجوم العالم ليسوا عرباً في حالة عداء مع إسرائيل قبل أن يشهر إعجابه بهم، وأن يعي أن اللامتوقع هو أن يمتنع أحدهم عن زيارة الدولة العبرية احتجاجاً على احتلالها الفلسطينيين، أو أن يضع متراساً أمام دورية عسكرية إسرائيلية. فهكذا هم النجوم العالميون، إما أن نعشقهم على ما هم عليه، أو أن نضيفهم على قائمة المتآمرين على العرب باعتبار أن العالم كله، حتى مدغشقر، متآمر علينا، فليست هناك امرأة نصف حامل


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى