السبت ٤ آذار (مارس) ٢٠٠٦
الشاعرة سهير متولي:

شعراء قصيدة نثر العامية شديدو الانهزامية

الشاعرة سهير متولى حاصلة على ليسانس الآداب قسم اللغة العربية من جامعة طنطا عام 1983 ومع ذلك تكتب الشعر باللهجة العامية المصرية، لهذا تتميز لغتها بالرُّقيّ الناتج عن الوعى بالمفردة ودورها فى بناء الجملة الشعرية. وهى تنحاز للبساطة والصدق اللذين يجعلا شعرها أقرب إلى "كتابة الذات" التى تقترب بها من البوح الرومانسى الغنائى الذى تفشل كل محاولات "التركيب" فى القضاء عليه، وهى سعيدة بذلك، وترى أن الشعر لا بد أن يكون هكذا. حتى كتاباتها للأطفال انطلقت من فكرة مخاطبة أطفالها هى واللعب معهم وتعليمهم.

أصدرت عدة دواوين منها: أول حدود الذاكرة ونور وعتمة، كما أصدرت سلسلة للأطفال فى أحد عشر كتاباً بعنوان "معارف وهوايات"، وسلسلة أخرى من ثمانية كتب بعنوان "خطوات المعرفة"، كما أصدرت "يويو فى مدينة الحروف" و"رحلات يويو" كتابان تعليميان بالشعر ومع كل منهما شريط أغنيات للأطفال، ولها كتاب "ثقافة الأمم على طوابعها البريدية" وديوان للأطفال بعنوان "غنا للفراشات".

حول تجربتها كان الحوار.

 رغم أنك درست اللغة والأدب العربى فى كلية الآداب إلا أنك اخترت اللهجة العامية وعاء لتجربتك الشعرية.. ما الذى حكم هذا الاختيار؟
 فى بدايات الأدباء قد يجربون العديد من الأوعية حتى يتم الاستقرار على شكل أدبى محدد، ولذلك قد نجد الكثيرين وقد جربوا الشعر والقصة والرواية مثلاً ثم يختارون الشكل الذى يعتبرونه الأكثر قرباً وتعبيراً عنهم. ولكننى بدأت الكتابة باللهجة العامية أو ما يطلق عليه النقاد العامية المصرية ــ منذ بداياتى الأولي، وحينما أفكر وأُسأل عن سر اختيارى هذا أرجع إلى الوراء وأتأمل هذا الاختيار فلا يمكننى ادعاء أنه كان توجهاً أيديولوجياً لـ"الكتابة بلغة الناس العاديين فى محاولة لاستنهاضهم" مثلاً مثلما كان شائعاً ومناسباُ للمشروع الشعرى العام لشعر العامية بموضوعاته ولغته، ولكننى لم أتعمد ذلك، لقد كتبت باللهجة التى وجدت أننى منطلقة معها وغير محدودة، فقد منحتنى العامية بساطة نفسى وتدفقها. كما ساهم فى تأكيد اختيارى للهجة العامية موقف المؤسسات الرسمية من شعر العامية، فقد اصطدمت فى بداياتى بمدرسى اللغة العربية فى مدارسنا وحتى بعض المثقفين فى الندوات التى كنت أشارك فيها، حيث كانت ردود أفعالهم: جميلة قصيدتك .. ليتك تكتبينها بالفصحى ! هذا بالطبع بجانب إحساسى وغضبى من التعامل مع شعر العامية كالابن اللقيط أو المواطن من الدرجة الثالثة، فقررت بينى وبين نفسى أن أكتب العامية وأن أقول بها ما أريد.

قصيدة نثر العامية

 فى تجربتك صراع بين الغناء والتركيب، لكن الغناء ينتصر فى كثير من الحالات مما يجعل قصيدتك أقرب إلى البوح الرومانسى الذى يراهن على المشاعر والأحاسيس لا على العقل.. ألا يزعجك أن تكون قصائدك رومانسية بعد نصف قرن على غروب الرومانسية؟
 هذا ملمح هام بالفعل وصحيح فى كتاباتي، ولكن أولاً أنا لا أكتب بأى تنظير مسبق، وظللت وقتاً طويلاً لا تشغلنى بالمرة كون كتاباتى بوحاً رومانسياً أو طرحاً عقلياً، لم أكن ألتفت إلى ملامح تجربتى الشعرية، كل ما كان يحدث وأختبره على فضاء الورق الحر هو أننى لست منفصلة عن توجهاتى الحياتية حين أمسك بالقلم وأخط قصائدي، كنت أكتشف ببساطة الأطفال أن قناعاتى فى شتى المجالات ترتد إلى الورق قصائد فأعرف بعد أن تكتمل قصائدى أننى لست مزيفة، أما أنه يزعجنى أم لا أن تكون قصائدى رومانسية بعد نصف قرن من غروب الرومانسية فسأقول لك أنه يزعجنى جداً لو اكتشفت أننى قد كففت عن الحلم، وقد انهزمت أمام تغير المعايير وبزوغ ثقافة الاستهلاك على كافة المستويات: الفكرية والاجتماعية وخلافه. يا سيدى أنا أكتبني.. وكيفما كنت كان إنجازى وبالمناسبة ربما ستجد تغيراً ما ــ لن أستطيع أنا التحدث عنه بشكل علمى مثلما يفعل النقاد ولكننى أنظر إليه كقارئة وليس كمبدعة ــ ربما يتحقق فى ديوانى الرابع "الحبر دمع ووقت وشوية كلام" وهو تجربة مغايرة تماماً وأعتبره مرحلة فى كتابتي، ورغم أننى لم أتعمد فيه تغييراً أيديولوجياً مثلاً إلا أنه خرج رغماً عنى متحرراً من البوح الرومانسى الذى لا أعتبره اتهاماً، بل على العكس، فحين نراهن على المشاعر والأحاسيس فنحن نراهن على الإنسان الحقيقي.

 معظم شعراء العامية فى جيلك والجيل التالى اتجهوا نحو قصيدة "نثر العامية" بينما بقيت أنت ــ وأصوات قليلة ــ مخلصة لقصيدة التفعيلة بكل جمالياتها.. ما رأيك فى التجارب التى يخوضها هؤلاء الشعراء؟
 أولاً: أفق الكتابة مفتوح لكل أشكال التجريب، وأنا لست ضد التجريب على الإطلاق، بل على العكس يجب من حين لآخر تقليب التربة وإعادة النبت. ولكن ما أراه الآن بخصوص "قصيدة نثر العامية" أنها ما زالت تجارب لم تقف بعد على أرض قوية ثابتة، لم تقدم مثلاً جماليات بديلة بعد تنازلها طوعاً عن التفعيلة، وأقول: صحيح أن الواقع الآن مهزوم وغير موزون، ولكن ذلك ليس مبرراً لأن نتماهى معه. إن تحطيم الأصنام شيء طيب بالطبع ولكن ما الذى سنقدمه بعد تحطيمها!، لماذا أصبح هناك إعلاء شديد وجارح للذاتية، والابتعاد قدر المستطاع عن القضايا الكبرى كما لو كنا قد قمنا بحل كل مشكلاتنا الوجودية ولم يبق سوى الحديث عن أدق تفاصيل عذابات شديدة الذاتية وكثيراً ما تكون غير مفهومة!

هناك تجارب فى "قصيدة نثر العامية" شديدة الرهافة، وأعترف أننى بذلت مجهوداً كبيراً للاقتراب منها بمنطق عدم رفض التجديد وانتظار الإنجاز وتتبع الخطوات. ولكننى أشعر فى بعض الأوقات أن زملائى وأصدقائى شعراء قصيدة نثر العامية شديدى الإحساس بالهزيمة والضجر من الواقع، وعندهم حق فى التعبير كيفما شاءوا بطريقتهم عن هذا الضجر، والزمن وحده كفيل بتأكيد منجزهم الشعرى وتطويره. ولا ننسى أن الحروب التى يواجهونها الآن اشتعلت تجاه قصيدة التفعيلة منذ سنوات ولكنها بقيت واستمرت، ولكننى أجد أن المواكبة النقدية لقصيدة نثر العامية لا تليق بالمشهد الشعري، فدور النقاد ضرورى جداً إذا كنا نريد رصد التغيرات والاختلافات والجماليات الجديدة.

شاعرات يناطحن الرجال

 بعض قصائدك تركز على كفاح المرأة بوصفها كائناً ضعيفاً ومقهوراً فى مجتمعات ذكورية.. كما أنك كنت ضيفة فى بعض الندوات تحت لافتة "الأدب النسوي".. هل تعتقدين فى صحة هذا المصطلح؟ وهل هناك شعر يقوله الرجل ولا تقوله المرأة؟
 كتبت عن المرأة، ليس المقهورة، ولكن المرأة التى تلصق كتفها بكتف الرجل والتى تستنهض كل قيم الحلال والعطاء، هى أمى التى تحملت اعتقال أبى لمدة خمس سنوات وانكفأت على ماكينة الخياطة فى ليالى العيد اللى انكسفت/من حَنْيِةْ ضهرك ع المكنة .. أمى هى النموذج الذى أرى ــ هى وكل من لهن مثل عطائها ــ أن يكون له مساحة مضيئة فى كتاباتي. ودعنى أقول لك ببساطة ــ وليس بطنطنة التوجهات المنادية بكل ما يندرج تحت الكتابة النسوية ــ أننا بالفعل فى مجتمع ذكوري، ولكننى أيضاً مؤمنة جداً بأن القهر يُمارس فى مجتمعاتنا على الرجل والمرأة على حد سواء، والخلاص الذى أراه هو أن يتساندا معاً، ليس أن يقف كل منهما على ضفة يتجاذبان الاتهامات والقطيعة واقتناص الحقوق. وصحيح أننى شاركت فى ندوات تحت عنوان "الأدب النسوي" ولكننى قلت ما أريد، قلت شهادتى التى أراها وأؤمن بها.

أما مصطلح الأدب النسوى فلن أرفضه لأن من أطلقوه كانوا يرصدون حركة الأدب الذى تكتبه المرأة، ولكن ما أرفضه صراحة هو استغلال المصطلح مطية لترويج الأفكار التى تقوم بتوسيع الهوة بين كائنين بشريين على أساس بيولوجي.. فالكتابة كتابة.. جيدها وسيئها لا يتم نقدها على أساس بيولوجي، أما هل هناك شعر يقوله الرجل ولا تقوله المرأة فأقول لك سأعكس جملتك وأجعلها أن هناك شعراً تقوله المرأة ولا يقوله الرجل، ولكن ــ للأسف ــ المرأة لم تلتفت إلى امتلاكها بالفعل والطبيعة التى أوجدها بها الله لتلك القدرات، فوجدنا من راحت تحاول مناطحة الرجل لتثبت أنها تمتلك قدرات عقلية ربما تفوق الرجال، ولكن ذلك من وجهة نظرى ينبع من إحساس المرأة بالاتهام، والاتهام يجعلها فى خندق الهجوم. أما من لا يعنيها الاتهام فى شيء فهى تبدع نفسها ببساطة، لا تستعرض ولكنها تقدم مشروعها وهى تقف على أرض ثابتة هادئة غير متوترة وربما تقدم ما يفوق بعض الرجال، وربما تتحدث عن أمومتها أو أنوثتها بذائقة حرة متميزة.

شعر العامية المصرية رغم حداثته، فإنه يموج بتجارب شعراء كبار كل منهم مدرسة وحده مثل بيرم التونسى وفؤاد حداد وصلاح جاهين وعبد الرحمن الأبنودى وسيد حجاب ومجدى نجيب.. وقبلهم ابن عروس.. مَنْ مِنْ هؤلاء الأقرب لك ولتجربتك؟

ربما لا أستطيع الإجابة بشكل محايد لكن دعنى أقول لك إننى كتبت ــ فى بداياتى ــ دون أن أطلع على كثير من تجارب هؤلاء الشعراء الكبار، ورغم أن ذلك كان سلوكاً غير سليم لأنه منعنى من الاطلاع المبكر على تلك التجارب، ولكنه ــ أيضاً ــ أنقذنى من كثير من حالات الاجترار الشعرى والتأثر بتجربة بعينها. وبعد اطلاعى على تجاربهم وتذوقها كان لكل منهم تأثير ما، فالمبدع ليس منبت الصلة عن غيره من التجارب، ولكن أين وكيف؟ لا أستطيع أنا أن أقول بالضبط، كل ما أستطيع أن أقوله إننى مولعة بتجربة فؤاد حداد ومنجزه الموسيقى تحديداً، كما أننى مندهشة من بساطة صلاح جاهين المكتنزة بالدلالة خاصة فى الرباعيات، وأرى أن سيد حجاب له دور كبير فى إعلاء اللغة فى الأغنية تحديداً، فأن تغني: سيف الزمن مسنون وداير رحاية لشيء جميل ينقذنا من السفه الذى تعيشه الكلمة فى أغانينا الآن.

"باربي" عربية!

 تجربتك فى كتابة الشعر للأطفال متميزة برأيي، إلى جانب كتاباتك النثرية والعلمية لهم.. لماذا اتجهت للأطفال؟ وما هى الرسالة التى تبغين توصيلها لهم على المستويين: الاجتماعى والجمالي؟
 اتجهت للكتابة للأطفال لأسباب متنوعة أبسطها أننى كنت أريد أن أقول لولديَّ أولاً كلاماً لم أسمعه، كنت أحل معهما مشاكلهما، وأعبر عن وجدانهما وألعب معهما على الورق. أما السبب الآخر فهو أننى أرى أن عالم الأطفال هو عالمى الذى لم تلوثه بعد عوالم الكبار الذين يسمحون لقلوبهم ومشاعرهم أن ينالها شيب الزمن وفساده، هم الأمل الذى أحلم بأن يشب قوياً وقادراً على تحقيق ما لم نستطع نحن تحقيقه مع الأطفال أسعى وأتمنى أن أنجح فى تحقيق جزء بسيط من سعيى هذا، أن يلتفتوا التفاتة بسيطة إلى ما نمتلكه من تراث جميل. أحاول استنهاض قيم أخشى أنها باتت فى عداد الموتي، أكتب لهم أغانى تخاطب وجدان أكاد أبكى من الهجمة الشرسة لتغييبه وتسفيهه وصرفه عن أن تغنى له أغنية تليق بعقله الذى يختبر الحياة ويتعرف عليها وسط الأغانى الاستهلاكية التى يتحكم فيها بعض منتجى هذه الأيام الذين لا أفرق بينهم وبين مروجى المخدرات. فإذا كان ما أريد أن أقدمه يندرج تحت القيم الاجتماعية والجمالية أيضاً فلك هذا.

 فى اعتقادك: لماذا ليس لدينا كتابة عربية جيدة للأطفال وبالتالى نترك أطفالنا للكتابة الأجنبية المترجمة؟ هل هو نقص إمكانيات تقصر الدول العربية فى توفيرها، أم نقص كفاءات إبداعية؟
 بالفعل ليس هناك كتابة إبداعية عربية للأطفال توازى أولاً عدد المبدعين وثانياً عدد الأطفال اللهم إلا جهود متفرقة وفردية لبعض الكتاب الذين يعدون على أصابع اليد الواحدة ليس فى الكتابة للطفل فقط ولكن أيضاً فى العديد من المجالات الأخرى عشنا ويعيش أطفالنا على الكتابات الأجنبية والعرائس الأجنبية والرسوم المتحركة الأجنبية، وحين نلتفت إلى تلك المأساة نقيم المؤتمرات التى تخرج بتوصيات فى حين لا يتم الالتفات إلى ما نملكه بالفعل ونلقى عليه الضوء ونرصد له الإمكانيات التى تسمح له بإسعاد أطفالنا. أتذكر الآن "الهوجة" التى قامت منذ سنوات لإنتاج "عروسة" عربية تقف أمام إغراق أطفالنا فى سوق "باربي" وأخواتها، فإلى أى شيء وصلت تلك الهوجة؟.. لا شيء! فى حين أن مصممة عرائس جميلة عربية الطابع هى الفنانة الراحلة بدر حمادة كان لديها بالفعل عرائس لأسرة مكونة من زوج وزوجة وطفل وطفلة شديدى الجمال والتميز والشرقية، تركوها تعانى من الجهل والإهمال لتموت بحسرتها على عدم الالتفات إلى عرائسها الجميلة، فلم تجد جهة تنتج لها هذه العرائس فقامت بإنتاجها بإمكانياتها البسيطة ووزعتها على أطفال معهد السرطان!

نحن نمتلك الفنانين الجادين والمعنيين بمواجهة هذا التخلف الحضارى والانكفاء على ثقافة الغرب، ولكن لا نمتلك أى استراتيجية حقيقية تذلل العقبات أمامهم، فالشاعر الكبير محمد عفيفى مطر يكتب كتابة رائعة للأطفال ولا تحتفى بها الجهات المعنية وتطبع له هذه الكتب، وغيره ممن يقفون فى خندق الجهاد الحقيقى لتقديم منجزهم العربى للطفل العربى المسكين بالفعل، فماذا نفعل يا سيدي؟!

سمير درويش - عن العرب اون لاين


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى