الثلاثاء ١ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم جهاد غريب

صراط العتاب

تسكنُ إليهم نفوسُنا، فيقطفون من مسطرةِ وجدانِنا المعتّقةِ بالشجن.. كل سنتيمتراتِها، ونفرِّخُ لهم منها المزيد، ثم نقدِّمها ببهجةٍ كهدايا العيد. سعداءُ بهم مسرورون، وبسلوى الفؤادِ ننعَمُ معهم في هدى الرحمن، فنعاملُهم بما يرضى الله، وتسيرُ بحضرتِهم عجلةُ الحياة، وتمضي بالسكينةِ معهم.. عقاربُ الساعات. ما أجملَ الرحمةَ معهم حينَ ترقدُ في مشوارِ العمرِ على الآهات، وحينَ تنامُ تحت ظلالِ أشجارِهم كلُ العبرات. طوبى لنا.. لا نزغٌ ، لا مسٌ ، لا تنهيد، لا صدمات.

فجأة.. يرحلون، وكأنهم كانوا في نزهةٍ قصيرةِ الأجلِ. نبادرهم بالحسنى فيتجاهلون، نستعفف فيتمرَّدون، نسترضيهم فيظلمون، ثم يكذبون، و و و و إلخ، في محاولةٍ - برغبةٍ أحاديةِ الجانبِ- إلى تغييرِ ملامحِ دنيا أُتفقَ على رسمِها بعهودٍ.. مواثيقها مع الله، فتشرقُ على خياناتِهم للعهودِ أنانيةُ شمسِهم، بحججٍ لا أصلَ لها في مرابعِِ السلام، أشعّتها.. اتباعُ الهوى إلى حيثِ التجديدِ والتغييرِ لنكهةِ الحياة، فاختاروها دون نجوى بصائرِهم، أو كما يريدون لها أن تكون.

المدهش!!.. يبقون إلى الفؤادِ أقرب، وفي حناياه متشبثون. لكننا.. بيقينِ المشاعرِ نعلمُ أنهم لن يعودوا، فإن فعلوا !! لن يكونوا كما نحن لهم أوفياء. مع هذا نستنكرُ صوابَ اليقينِ، ونتمسكُ بعروةِ الحُلمِ الجميلِ العنيدِ الذي لا يلين، فنتصرفُ كمخلوقاتِ الطين.. ننبشُ بعصا التفكيرِ خبايا الأحاسيس، إذ صنائعهم معنا تلمعُ كسرابٍ قادمٍ من السماءِ.. يستعمرُ الأرضَ دون إذنٍ، ويستحيي عرائسَ البيداء.

هكذا.. تبقى سطوةُ اللجامِ بديلاً للسانِ عن الكلام، فنصمتُ قليلاً، ونصمتُ كثيراً، و، و،... حتى نجدنا قد قطعنا شوطاً عظيماً.. فيه فقط! نُقابل بالتأملِ الأشياء، عندها.. يهبطُ حيثُ مؤشرُ الصفرِ وقودنا في الصمود، ونقتربُ أكثر من النهايةِ الحتميّة للأماني العصيّة ومروجِ الأحلام، فتقضمنا أسنانُ الصمتِ من رأسِ الحيرةِ حتى ملاذ الانهزام، ويتلاشى ضوءُ صدورِنا، وينغمسُ في حلكةِ العتمةِ أفقنا، حتى يتشرّبهُ ماءُ الظلام. حينها.. يتجلى زيفهم مختالاً علينا كبدرِ التمام، في جوفهِ فراغٌ إلا من انعكاساتِ الذكريات، فتؤلمُنا، ثم تؤذنُ الروحُ: "البوحُ خيرٌ من الصمتِ، فحي على الكلام". وقتئذٍ.. تتفتحُ في الحناجرِ براعمُ الكلام، ثم نتكلم، فتكتبنا على السطورِ الحروفُ، وتظلُ رهنَ هوانا، إنما هي فقط.. في خيالاتِنا.

صحيح.. تبقى تؤرقُنا الحروفُ إذا ما خرجت، فتخرجُ، لكنها تحاولُ أن تتماسكَ كالثلجِ في جمود. ومع سقوطِ أولِ دمعةٍ.. تنهارُ قوانا، وتتعثرُ من فوقِ التلِ الأقدام، فتنزلقُ إلى بطنِ الوادي خُطانا، وتتحطمُ داخل أجسادنا الروحُ بكلِ ما تحملهُ من معانٍ إنسانية. هو الظلمُ وضلالُ الهوية، إذ لا شرعيّة، لا ضوابط، لا قيود. تاللهِ.. كيف نقاومُ، ونحن نعلمُ أن في الهاويةِ لا صعود؟!.

حائرون نمضي، كيف انتحرَ في صدرِ الوفاءِ الخطاب؟!، وكيف تجرأَ الخطأُ على الصواب؟!. حينها.. نُدرك أن السؤالَ ينتصرُ حين يموتُ في داخلِنا الجواب، ونُدرك أيضاً.. أن الحروفَ التي نكتبُها، تحكينا قصصاً في بطنِ كتاب، حروفها على النفسِ لوّامة، لكنها وفيّة صادقة. يكفيها أنها على أوتارِ الفؤادِ تتأرجحُ في ذهابٍ وفي إياب، حَسبُها في عبورٍ دائمٍ على صراطِ العتاب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى