الاثنين ١٦ أيار (مايو) ٢٠١١
بقلم عادل سالم

صياد في بحار الآخرين

موسم الأعياد لا يضاهيه موسم، ففيه نحقق أرباحنا، وترتفع مبيعاتنا، لذلك نحن أصحاب محلات الملابس ننتظره يوما بيوم، ونحسب حسابه قبل حلوله بأشهر.

في هذا الموسم تتضاعف الزبائن، ويزداد الطلب على البضائع خصوصا الملابس النسائية التي أملك محلا تجاريا متخصصا ببيعها.

العمل مع النساء ليس سهلا، فهن مترددات في كل شيء، في اختيار ملابسهن، وألوانها، حائرات بين هذه وتلك، مزاجيات، يغيرن آراءهن بثوان، وكثيرا ما يشترين القطع، ثم يعدنها في اليوم التالي بحجة أنها غير مناسبة. لقد تعلمت منهن أن أكون بارد الأعصاب، صبورا، فبغير ذلك سأفقد كل زبائني منهن.

وإضافة إلى تقلبهن في اختيار ملابسهن، فهن كثيرات المراوغة في الأسعار يطالبن دائما بأن أخصم لهن من أسعار الملابس. رغم ذلك فالعمل مع بعضهن متعة خصوصا عندما تطلب مني إحداهن رأيا في أفضلها رغم أنها تستطيع سؤال الموظفات العاملات لدي في المحل. رائحة عطورهن دائما تخترق أنفي، لذلك تراني أحيانا أستعيد بهن سنوات الشباب الجميلة.

في هذا الموسم قررت أن أصطاد إحداهن للتسلية لا أكثر، فأنا مثل بعض الصيادين الهواة الذين يقضون الساعات الطويلة في عرض النهر، أو البحر لصيد سمكة، وما أن يصطادونها حتى يعيدونها إلى الماء بعد ثوان باحثين عن سمكة جديدة، متعة لا يعرفها إلا الصيادون أنفسهم.

ذهبت في نهاية اليوم إلى الحلاق. وطلبت منه أن يقص شعري ويصبغه ليخفي الشعرات البيضاء التي نبتت وسط شعري الأسود.

فهم الحلاق قصدي وبعد ساعة خرجت من عنده كأنني في العشرين من عمري، مشيت في الشارع مزهوا بنفسي أراقب أنظار المارة من حولي.

وعندما دخلت البيت، فوجئت زوجتي بالتغييرات وقالت لي:
 ما هذا الجمال يا حبيبي؟! لا أصدق عيوني.
وانهالت علي بالقبلات.
شعرت بالسرور. فقد أصبحت الآن مثل الشباب وعلي البدء برحلة الصيد.

في اليوم التالي توجهت إلى المحل بعد أن تعطرت، ودققت في المرآة أكثر من مرة للتأكد من أنني لم أفقد شيئا من بريق الأمس.

بدأت النساء تتوافد على المحل، وأنا أرحب بهن، بعض اللواتي يعرفنني فوجئن بي وأبدين إعجابهن بقصة شعري. جاملتني إحداهن قائلة:
 لقد عدت اليوم إلى جيل الشباب.
سررت بإطرائها لكنني لم أعلق كثيرا فهذه سيدة كبيرة بالسن وأنا أبحث عن الفتيات، عن الشابات، الشبان للشابات.

بعد حوالي ساعتين دخلت المحل فتاة جميلة، فيها كل الميزات التي أرغب بها، قلت في نفسي تلك هي السمكة التي أرغب في صيدها. حضرت الصنارة، وهيأت نفسي ثم بدأت بإلقاء صنارتي.

سألتها إن كانت ترغب أن أساعدها بشيء.
ابتسمت لي ابتسامة شجعتي وقالت:
 هل تسمح أن تريني تلك البلوزة؟
 طبعا طبعا أمرك.
أحضرت لها البلوزة، ووضعتها أمامها، وعلقت قائلا:
 هذه بلوزة جميلة ألوانها تناسب لون عيونك، وقريبة من شعرك، وعندما تضعين بعض (الماسكرا) حول عيونك ستكون قطعة رائعة.
أعجبت بوجهه نظري، قالت لي:
 كأنك تعرف ما أرغبه؟
قلت لها مازحا:
 جسمك الفتان يلهم البائع بذوقك الناعم.
 ابتسمت ابتسامة عريضة، وقالت:
 أنت بائع ماهر.
شعرت بأنها قد اقتربت من الطعم.
فقلت لها:
 ما رأيك بكأس عصير قبل أن تقرري ما تختارينه فالطقس اليوم حار؟
 شكرا لك لكن الطقس ليس حارا فنحن في الخريف.
 يبدو أنني الوحيد الذي يشعر بالحرارة، لا أدري لماذا مع الحسان ترتفع درجة حرارتي؟
ضحكت، ثم حاولت مسك نفسها عن الضحك، لكن على ما يبدو أعجبها حديثي.
قلت في نفسي لم يبق الكثير حتى يدخل الطعم إلى فمها بعد أن شربت كأس العصير، وتبادلنا الحديث، فجأة أعجبها فستان معلق في إحدى زوايا المحل. قالت لي:
 عمو أرني هذا الفستان؟
لم أصدق ما سمعت، أصبت بلطمة على وجهي تجاهلت الحديث، فقد أكون لم أنتبه لما قالته.
سألتها:
 هل قلت شيئا؟
فقالت:
 نعم عمو، أرني هذا الفستان؟
تغير لون وجهي، أحضرت الفستان وقدمته لها، شعرت كأن أحدا ضربني على رأسي بالشاكوش، غابت البسمة عن وجهي، زادت دقات قلبي، طلبت من إحدى الموظفات مساعدتها حتى عودتي من إجراء مكالمة هاتفيه آن موعدها دخلت إلى المكتب جلست على الكرسي حائرا، «ما الذي قالته؟ عمو؟»
يعني أنني في سن والدها؟!
أين الشباب؟

وقفت، توجهت إلى الحمام، نظرت في المرآة، لأبحث عن شعرات رأسي البيضاء، فلم أر شيئا. كنت في قمة أناقتي. ما الذي دفعها أن تقول عمو؟ هل تعرفني? هل قررت أن لا تبتلع الطعم؟! هل عرفت أنه طعم؟! أم أن صنارتي كانت من الطراز القديم؟
لماذا جئت للصيد بالصنارة ولم أحضر معي شبكة كبيرة؟!

اقتربت أكثر من المرآة، دققت بكل تقاطيع وجهي فلاحظت حول عيوني بعض التجاعيد التي لم يستطع الحلاق إخفاءها. هل هذا هو السبب أم أن السمك الصغير أصبح يعرف كيف يميز الطعم القديم من الطعم الجديد؟

عدت إلى مكتبي. جلست على المقعد العريض، وبدأت أستعيد رحلة الشباب، ما الذي أفعله؟
كيف أحاول الصيد في بحار لم أدخلها من قبل؟

صمت قليلا...
ثم انفجرت ضاحكا كأن أحدا يلقي علي نكتة جميلة، أو كأن زوجتي كعادتها تلمس بأصابعها تحت إبطي.
بعد أن توقفت عن الضحك قلت لنفسي:
 كيف تحاول أن تصطاد سمكا في بحار غيرك؟! ألم تكفك أسماك بحارك؟!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى