الأربعاء ٦ أيار (مايو) ٢٠٢٠

عدو خاص جدا

أحمد أولاد عيسى

مرة أخرى، يستيقظ العالم على هول كارثة في ذات المنطقة..ومرة أخرى تهرع وسائل الإعلام لتربض هناك أياما طويلة.. من قال أنها غادرت المكان أصلا؟

الظاهر أن القدر قد جعل من هذه المنطقة بقعة جذب وحطب..أو ليست هي أرض الرسالات والأنبياء والديانات؟ لكن الذي يحدث الآن، ما كان لنبي أو صدّيق، أو متنبئ أو زنديق يزعم أن ذلك من إنتاج بشر..والحدث، على كل حال قد تصدر كل النشرات في جميع القنوات الإخبارية المتخصصة وغير المتخصصة.

لا..ليس الأمر متعلق بوباء كورونا هذه المرة..فلقد تخطيناها بعد جهود، ولكن الأمر الآن شيء آخر..

والصور، ما فتئت تتوارد بحجتها البالغة من قلب المنطقة ذاتها.

الحدث/ الكارثة يتعلق الآن بصانعة الشر في القرن الماضي وحاميته في القرن الحالي. اختفاء حاملة الطائرات الأمريكية"لينكولن"في عرض البحر المتوسط.

..وفور ورود الخبر اتجهت أنظار بعض المحللين الذين يحلوا لهم قرع طبول الحرب إلى اتهام إيران..أما البعض الآخر، فكان متأكدا من ذلك ونادى بضرورة الانتقام الفوري.
ومرة أخرى، انتظر العالم أن تسوقه الولايات المتحدة إلى ذات المستنقع كما كان في عاصفة الصحراء والحرب على الإرهاب في أفغانستان والعراق..

القطعة الحربية"المختطفة"في ظروف غامضة هي مفخرة الأمة الأمريكية وعزتها..غير أن الموقف المتأني للبيت الأبيض كان يدعو للحيرة، ذلك أنه على الرغم من مرور ثمان وأربعين ساعة فلم يصدر أي بيان رئاسي، أو توضيح حكومي يدين فيها الجهة الفاعلة، ويشرح ملابسات الجريمة المنكرة . الجميع في البيت الأبيض ابتلع لسانه. لوحدها، ظلت آلة الإعلام تؤلب القلوب، وتغيظ الصدور، وتنادي بضرورة الرد الحاسم والفوري..لكن على من سيرد حكام البيت الأبيض هذه المرة؟ على عدو لم يتأكدوا منه، ولم يروه؟ ولا يعلمون حجم قدراته ؟ على من سيكون ردهم ؟ ذلك كان هو السؤال ..

الجنود الناجون من"المعركة الطاحنة"يحكون عن نوع جديد من العدو ..وهم في فورة الهستيريا، أو في توازن نفسي عارض يحكون، وكأنهم على قلب رجل واحد، وبلسان نفسه، عن عدو"خاص جدا"لم يتمكنوا من رؤيته ولا من معاينة، ولا شكل سلاحه..كل ما يتذكرونه وجودهم فجأة على سطح بارد في جوف الليل، مبتلين وقد وقعوا في اليم، وكأنهم لم يكونوا في بارجة حاملة للطائرات. ولولا وجود بارجة بالقرب منهم لكانوا هلكى..

ساعات طويلة من الجلسات الخاصة لإعادة تأهيل هؤلاء الجنود، كانت تشي بحقيقة واحدة: الحكاية قد غدت يقينا:"كنا نشاهد سفينتنا وهي تذوب من تحت أرجلنا".
لم يع الخبراء ما سمعوا. فهل يتعلق الأمر بعصر جديد من أسلحة لا علم لهم بها ، مختلفة تماما عن فيروس كورونا، الذي فتك من جنودهم الآلاف المؤلفة؟.إن كان الأمر كذلك فشمسه الولايات المتحدة قد أزفت للمغيب ولاشك.

المعلومات التي نقلها الجنود إلى المسئولين كانت تثير الرعب..فالوصف الدقيق لعملية الذوبان كان أمرا محيرا لم يسبق"لأي إمبراطورية"في التاريخ أن اندحرت بهذه المهانة..وأمام من؟ أمام"عدو شبح؟"

أسئلة كثيرة كانت تحاصر كبار المسئولين هناك.

ترى من يكون العدو هذه المرة؟..كورونا، وقد نجوا منها بعد سنتين طويلتين قاسيتين أزاحت الولايات عن عرش القيادة العالمية لصالح غريمتها الصين. واليوم، لما لم يكد الجميع يستوعب بعد ما جرى، استفاقوا على نبأ اختفاء المدمرة الثانية حاملة الطائرات"ي واس اس جون كينيدي"في ذات المكان وبذات الطريقة: ذوبان سريع، واختفاء شنيع للسفينة من عدو غير مرئي.

أدركوا أن المسألة لها علاقة ب"فيروس جديد"يهاجم الفولاذ المتين ولا يقرب الإنسان أيا كان..ورجحوا أن يكون قد تم ابتكاره في إحدى مختبرات إيران. وذهبوا إلى أنهم استعانوا بنظرائهم الكوريين الشماليين، ومن فلول علماء الشيعة العراقيين والصينيين معا. طبعا، لمزيد من الامعان في إزاحة الولايات المتحدة من المراتب المتقدمة نحو الأسفل.

على الفور هرع خبراء علوم البحار والمحيطات، والبكتيريا والفيروسات إلى المنطقة للبحث والتقصي في أصل الداء، بعيدا عن ملاحقة وسائل الإعلام. وبموقع الحدث قام الخبراء بجمع عينات من مياه البحر الأبيض المتوسط وإرسالها إلى واشنطن لإجراء التحاليل والاختبارات الدقيقة..

وفي انتظار وصول النتائج، وبينما هم كانوا يطوفون على متن زورق في عرض البحر، ورد عليهم النبأ ذاته: قطعة ثالثة من الأسطول نفسه تتآكل في تلك اللحظة وتذوب بذات الطريقة.

سارع الخبراء إلى عين المكان ليروا بأم أعينهم ما ردده جنوهم بالحرف. فلم يكن بالجنود من مس ولا جنة إذن.ولكنه الذوبان والطحن على الماء وعلى الهواء. فهاهي ذي السفينة العملاقة تتآكل أطرافها بيسر وسهولة، وتذوب أجزاؤها كما تذوب قطعة شكولاطة على صفيح ساخن ونار موقدة. لم يتبق منها سوى منصة القيادة، وبرجها العالي براداراتها، ذات الحساسية المفرطة لأي شيء يطير في السماء، أو يسبح في غور البحار إلا وكانت له بالمرصاد، إلا هذا"العدو"الخاص جدا.

فمن يجرؤ على فهم اللغز؟

هاهنا، ولما كانت المدمرة الثالثة قد آلت إلى مصير السفينتين السابقتين،قررو المرور إلى الخطة البديلة..

أصدرت الأوامر العليا بإخلاء الأطقم من البارجتين المتبقيتين في"مياه البحر الأحمر المتوسط" (هكذا صار الأمريكيون ينعتونه) بعد أن برجمت قاذفاتها على الاشتغال ذاتيا عقب مغادرة أطقم والابتعاد عن مرمى نيرانها..وعلى الفور انطلقت الراجمات، من كلتا المدمرتين المتقابلتين في إرسال سيل من الشواظ الملتهب إلى بعضهما البعض، بحثا عن العدو المستتر، والفيروس القاهر..

دام القصف قرابة ساعة كاملة..لعلع خلالها أزيز الصواريخ وصفيرها. اهتز لها سطح الماء فعلا ثم هوى. واشتعل الوميض ثم خبا، فكان قاب قوسين أو أدنى من نار جهنم تتلظى .
ثم ران بعدها صمت كأنه صمت الفنا.
من يجرؤ على فهم ما جرى؟
بأيديهم كانوا يخربون بوارجهم.يا لشماتة الأعداء!

تذكروا أنهم سيقال عنهم ذلك..ما الذي سيحكونه للناس حين وقت الحساب، ساعة الانتخاب؟ أما اللحظة فإن أهم البوارج البحرية الحاملات للطائرات، والصواريخ العابرة للقارات، قد تآكلت واحترقت بنيرانها هي..

ـ"لكن على الأقل تم القضاء على العدو".فكروا بارتياح..

هكذا كانوا يواسون بعضهم بعضا، وهم يتابعون الأحداث على الفضائيات.ويحق لهم الآن أن يزفوا النبأ العظيم لشعبهم. فالعدو تم احتواءه.

ـ"لكن..مهلا. من قال إن العدو تم احتواؤه. فثمة من لا يشارككم الرأي يا سادة.وخبراء المعامل المخبرية قطعوا الشك باليقين فأكدوا خلو مياه البحر الأبيض المتوسط من أي فيروس مدمر على الإطلاق".

ـ أمر لا يصدق

أن تصدقوا أو لا تصدقوا فتلك قضيتكم.أما الحقيقة فكانت تساءل عن معنى الإنسانية الضائعة في ظل"القوة الغاشمة".

وفي نشرة المساء من منطقة قريبة حيث اختفت الحاملات العملاقة في ظروف غامضة، وبينما كان قرص الشمس الأحمر يستأذن الرحيل كان زورق العم صالح وابنه البكر، قبالة شاطئ غزة المحاصرة،في تلك اللحظة كان العم صالح يهم بنشر شباكه بحثا عن رزقه ورزق عياله في سلام وأمان..

أحمد أولاد عيسى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى