السبت ٥ آذار (مارس) ٢٠٢٢
بقلم جميلة شحادة

عقبات تواجه النساء في المجتمع العربي الفلسطيني

عقبات تواجه النساء في المجتمع العربي الفلسطيني عند خروجهن الى سوق العمل

في إحدى الحوارات الصحفية معي سئلتُ: الى ماذا تحتاج المرأة في أوطاننا لتصل الى مرحلة المساواة مع الرجل في مجتمعاتنا الذكورية بامتياز؟ الى دهاء وحكمة بلقيس؛ أم الى جرأة وشجاعة نوال السعداوي؟ ولأني أتجنب عادة المفاضلة بين أمرين، أو الحكم على الأمور إما بالأبيض وإما بالأسود فقط، لمعرفتي بوجود تشكيلة واسعة من الألوان بينهما وليس من العدل تجاهلها، أجبت: "تحتاج المرأة في أوطننا الى أن تؤمن بقدراتها الذاتية، وأن تقدّر ذاتها وقدراتها. فعندما تعي المرأة بأنها إنسانة لديها قدرات، ستبحث عنها وتكتشفها، وهذا سيمدّها بالجرأة والشجاعة للمطالبة بحقوقها. ثم عليها ألا تتوقف عن مطالبتها الحثيثة لنيل حقوقها. فالحق يؤخذ ولا يُطلب". فها هي النساء في مجتمعنا العربي الفلسطيني ما زِلن يعانين من التمييز النوعي بين المرأة والرجل، ولأسباب تتعلق بالموروث الثقافي والديني، الا أنهنّ أحرزن تغييرا في مكانتهن. وهذا التغيير، يعود الى أكثر من عامل، غير أن العامل الأهم والأقوى، هو إيمان المرأة بقدراتها الذاتية، ومطالبتها الحثيثة لنيل حقوقها.

مع هذا، لا يمكننا أن نصف، اليوم، وضع النساء في المجتمع العربي الفلسطيني بجيد، فرغم التغيير الذي حدث، وما زال يحدث، هناك قضايا ما زالت تناضل النساء من أجل إيجاد الحلول لها. ومن بين هذه القضايا، قضية تشغيل النساء، والتي شكلت مطلباً رئيساً للنساء في المجتمع العربي الفلسطيني في السنوات العشر الأخيرة.

إن قضية تشغيل النساء في المجتمعات المتطورة ثقافيا وتكنولوجيا، تحظى باهتمامٍ كبير عند متخذي القرارات. فهذه المجتمعات، تَعتبر نسبة النساء العاملات مؤشرا على تطورها، وعلى مدى قدرتها لاستغلال طاقات أفرادها من أجل تقدمها الاقتصادي. أما في المجتمع العربي الفلسطيني، فقضية تشغيل النساء وبالرغم من تسليط الضوء عليها من قبل الباحثين والباحثات والناشطات في الجمعيات النسوية، الا أنها ولغاية اللحظة هذه، لا توضع في البرامج الإنتخابية للمرشحين للسلطات المحلية أو البرلمان. وحتى لو وضعها البعض، فإنها لا تكون في سلم أولويات برنامجه الإنتخابي.

إن نسبة خروج النساء، في المجتمع العربي الفلسطيني، لسوق العمل ما زالت منخفضة نسبيا، والأسباب لذلك كثيرة ومتعددة.؛ ومن هذه الأسباب ما هو متعلق بالقيم والتقاليد الاجتماعية السائدة في المجتمع، حيث أن المجتمع العربي الفلسطيني، الذكوري، والمحافظ، يطالب النساء أن يضعن الأسرة (الزوج والأبناء) في رأس سلم أفضلياتهن وأن يكرسن لها (للأسرة) جُلَّ وقتهن واهتمامهن حتى لو كلفهن ذلك عدم تطورهن مهنيا، ومسّ باستقلاليتهن اقتصاديا. وهناك أسباب لا صلة لها بالقيم والتقاليد الاجتماعية، وإنما هي متعلقة بالتمييز والإقصاء المنهجي من قبل السلطة، والى عدم توفر فرص وأماكن عمل، والى ظروف عمل صعبة، إذا توفر العمل.

في هذه المقالة، لن أتطرق الى قضية تشغيل النساء بالتفصيل، فهي قضية تحتاج الى الكثير من البحث في المعطيات والتفاصيل، والكثير من التحليل والتفسير. وإنما سألقي الضوء وبشكل عابر فقط، على بعض الظروف التي تحيط بعمل النساء اللاتي يخرجن الى سوق العمل، لعل وعسى تجد مَن يسعى لتغييرها وتحسينها.
عندما تخرج النساء الى سوق العمل، يصطدمن بالعقبات وتوخزنهن الأشواك حيث لا تتوفر لهن كل الظروف الجيدة والملائمة.

* عندما تخرج النساء الى سوق العمل، لا يُعفين من العمل داخل المنزل، حيث أنهن يضطررن (في غياب مساعدة الأزواج لهن) إلى تأدية الأعمال المنزلية بالإضافة الى عملهن خارج المنزل، مما يسبب لهن الإرهاق الجسدي، وفي حالات كثيرة الضغط النفسي ايضا. فكم من النساء قالت، ولو بينها وبين نفسها، "أن تكوني امرأة عاملة ذلك يعني.. وجود أكوام من الغسيل القذر، أطباق متسخة، واجبات مدرسية للأبناء تنتظرك، طعام جاهز للزوج والأولاد... بالإضافة إلى عملك المهني".

* عندما تخرج النساء الى سوق العمل، هناك احتمالات لتعرضهن لمضايقات وتحرش الرجال لهن في أماكن العمل، الأمر الذي قد يجبرهن على تغيير مكان العمل، وربما ترك العمل بالكامل.

* عندما تخرج النساء الى سوق العمل، يعرفن أن أجورهن ستكون أقل من أجور الرجال، ويعرفن أن هناك أصحاب عمل يهضمون حقوق بعضهن، ومع ذلك يصمتن كي لا يخسرن عملهن.

* عندما تخرج النساء الى سوق العمل، يعانين من عدم توفر الحضانات القريبة من بيوتهن أو من أماكن عملهن، وإن وجدت، يتكبدن دفع مبالغ باهظة لهذه الحضانات.

* عندما تخرج النساء الى سوق العمل، لا ُيتاح لهن العمل في كل المجالات. حيث يفتح سوق العمل أبوابه على مصراعيه أمام الرجل، نتيجة قابليته لأداء أي وظيفة أو عمل مهما كانت مدى مشقته ومهما كانت خصوصيته (كالعمل في فرع البناء مثلا)، أما النساء، فهن مقيدات بنوعية معينة من الأعمال، تتناسب مع بنيتهن الجسدية ومع الصورة التي رسمها لهن افراد المجتمع الذكوري.

* عندما تخرج النساء الى سوق العمل، فعليهن أن يتوقعن أنهن قد يعملن مجانا ودون تلقي أجر إذا عملن في المحلات التجارية المملوكة لرجل من الأسرة، أو أي في مكان آخر، يديره أيضا، رجل من الأسرة.

* عندما تخرج النساء الى سوق العمل، عليهن أن يسافرن مسافات كبيرة حتى يصلن الى أماكن عملهن، حيث لا أماكن عمل متوفرة لهن في قراهن ومدنهن.

هذا غيض من فيض، فالتحديات والعقبات والظروف الصعبة التي تواجهها النساء التي تخرج الى سوق العمل كثيرة ومتعددة، وعلى منتخبي الجمهور ومعهم الجمعيات النسوية بل وكل من يهتم بقضايا المرأة، أن يعملوا على إحداث التغيير، وأن يسمعوا صوتهم، لا يصمتوا على الغبن وهضم حقوق النساء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى