الأربعاء ١٥ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٧
بقلم فاروق مواسي

عن الريح والمطر في القرآن الكريم

لست من الذين يؤيدون أن الريح ترد دائمًا في معنى الشر، لا لسبب إلا لأنها وردت في القرآن الكريم بهذا المعنى وفي معظم الآيات:

وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم* ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم- الذاريات، 41- 42.

والريح العقيم هي التي لا تُلقح سحابًا ولا شجرًا، ولا رحمة فيها ولا بركة.

ويقول تعالى:

إنا أرسلنا عليهم ريحًا صرصرًا في يوم نحس مستمر *تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر- القمر، 19- 20

الصرصر شديدة البرد والشديدة الصوت.

يقول الثعالبي في (فقه اللغة، ص 423- الفصل 79 المكتبة العصرية):

"لم يأت لفظ الريح في القرآن إلا في الشر".

ومع ذلك فقد وجدت آية ترد فيها (الريح) في معنى الخير:

فسخرنا له الريح تجري بأمره رُخاء حيث أصاب- سورة ص، 36

أما كلمة (الرياح) فقد وردت في القرآن عشر مرات في معنى الخير، منها:

ومن آياته أن يرسل الرياح مبشّرات وليذيقكم من رحمته...- الروم، 46.

وهو الذي يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته- الأعراف، 57.

كذلك رأينا من يقرر أن كلمة (مطر) وردت في معنى العذاب، بدعوى أن استعمالها في القرآن ورد هكذا.

يقول تعالى:

وأمطرنا عليهم مطرًا فساء مطر المنذرين- الشعراء، 173 (كررت في سورة النمل، 58) وقال تعالى:

ولقد أتوا على القرية التي أُمطِرت مطرَ السَّوء- الفرقان، 40

هذا عارض ممطِرُنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيه عذاب أليم- الأحقاف، 24.
نموذجان آخران، النساء، 108ـ، الأعراف، 84.

ملاحظة:

من جهة أخرى وردت كلمة (الغيث)- في الآيات لقمان، 34، الشورى، 28، الحديد، 20 في معنى الخير وما يغيث الإنسان من الظمأ والجدب.

أسجل هاتين الملاحظتين، على اعتبار أنهما ظاهرتان بارزتان في الذكر الحكيم، ولا أشترط في اللغة العربية أن يقتصر المعنى على الصورة التي وردت فيه؛ فقد وردت الكلمتان في صور مختلفة في الشعر الجاهلي وفي الأدب القديم شعرًا ونثرًا، فإذا اتفقت المعاني في كلمة (الرياح) مثلاً (وهي جمع- ريح !) على أنها للخير فثمة ما وردت فيه في معنى معاكس:

سأورد هنا بعض النماذج من استخدام (الرياح) فيما ليس في الخير في المعنى:
يقول ذو الرُّمّة:

مَقارٍ إِذا العامُ المُسمّى تَزَعزَعَت
بِشَفّانِهِ هوجُ الرِياحِ العَقائِمِ

ابن الرومي:

فتراها تسفي الرياح عليها
جاريات بهبوة وقَتام

أبو تمّام:

إن الرياح إذا ما أعصفت قصفت
عيدان نجد ولم يعبأن بالرتم

المتنبي في صدر البيت:

أشد من الرياح الهوج بطشًا
وأسرع في الندى منها هبوبا

من اليسير ذكر عشرات الأمثلة ترد فيها الكلمات "الريح"، "الرياح" ، "المطر" بمعنى مختلف عما ورد في القرآن الكريم، وذلك من الأدب الجاهلي والإسلامي والعباسي.

لا ضرورة أن نتكلف ونتعسّف في الشرح، ونحدد الريح للشر والرياح للخير، ولا ضرورة لرفض كلمة (مطر) في معنى غيث، وكأن الظاهرة حد لغوي قاطع.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى