الأربعاء ١٧ آب (أغسطس) ٢٠٢٢
بقلم علي بدوان

غربة الموت ... عودة اليرموك

وفي سياق محنة فلسطينيي سورية، نقول ما اقساها، وما اقسى الموت بالغربة، غربة الموت، موت على موت، حتى لوكانت تلك الغربة بأي بقعة بالأرض. فغربة الموت أبدية، يسكن صاحبها، سكناه، بانتظار يوم الوعيد. ولكن (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ. وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا. وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ. إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (لقمان 34). غربة الموت، كانت على الدوام، مُصطلح فلسطيني خالص، لاحق الفلسطيني في غربة قسرية، فُرضت على الفلسطيني، الذي كان ومازال يقول :

"من لاوطن له لا قبر له". فالموت في دياسبورا المنافي والشتات، هو الغربة الإضافية، التي مازالت تلاحق شتات لاجئي فلسطين، على مقربة من وطنهم التاريخي في بلدان الطوق الثلاث. فموت الغريب شهادة. والغربة حياة مستعارة ؟؟ !!

وقد علمتنا الغربة الطويلة كيف نرسم نجوم الوطن على سبورة الليل . واذا كان الموت هو انعدام الوجود بحيث تصير غائباً عن اللحظة والمكان، فإن المعنى المرادف لهذا الانعدام هو الغربة. غربة الموت، تم حتى الإيغال بطعنها من قبل الحاقدين والموتورين وفاقدي العقل والضمير والإنسانية، ممن مارس مُنكر الأفعال، وأحطها، فعبث ويعبث بقبور الراحلين من مدنيين وشهداء، ونقول لهم، كما قال الشاعر الشهيد توفيق زيَّاد ابن مدينة الناصرة في الجليل الفلسطيني، ومنذ سنواتٍ طويلة :

أنا ما هنت في وطني ولا صغّرّت أكتافي،
وقفت بوجه ظلامي يتيماً، عارياً، حافي ...
حملت دمي على كفي وما نكسّت أعلامي،
وصنت العشب الأخضر فوق قبور أسلافي ...
أناديكم... أشد على أياديكم.

غربة الموت، آن لها أن تتوقف، وآن لنا أن نلملم رفات من سبقنا، لتعود بتلك الرفات معنا الى فلسطين، وطننا الأزلي الذي لا وطن لنا سواه، في حاضنتنا العربية الشامية في سوريا الطبيعية، التي تنتمي اليها : بشريا، وجغرافياً، وتاريخياً، وثقافياً. فنحن من قطعة القماش الواحدة، ومن الطينة الواحدة، ومن الزيتونة الشامية الواحدة، ويشهد تاريخ فلسطين على هذا قبل النكبة، عندما كان أكثر من نصف سكانها من سورية الحالية ومن لبنان، نعم من سورية ... ومن لبنان ...

وفي مسار كسر غربة الموت، آن الآوان لعودة كاملة وسريعة وبتسهيلاتٍ ملموسة، لسكان وعموم مواطني مخيم اليرموك من سوريين وفلسطينيين، واعادة بناءه كما كان، ولتصمت الأصوات التي تتحدث عن خرائط، من حينٍ لأخر.

عودة اليرموك الى سابق عهده ضرورة وطنية سورية قبل أن تكون فلسطينية لا يُدركها سوى العاقل والحليم. ونقول لوالدتي، أمي، الحجة أم العبد، ولوالدي الحج ابو العبد، طال الزمن أم قصر، موعدنا في فلسطين، لننقل الرفات الى هناك، على يدنا أو يد احفادنا


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى